سؤدد كعدان: صورة رومانسية عن واقع السوريين في "عزيزة"

سؤدد كعدان: صورة رومانسية عن واقع السوريين في "عزيزة"

16 مايو 2019
الجوائز مهمة بكل تأكيد لكي نتمكن من الاستمرار (Getty)
+ الخط -
حقق أخيراً فيلم "عزيزة" للمخرجة السورية، سؤدد كعدان، جائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان "ساندانس" السينمائي في الولايات المتحدة الأميركية كأفضل فيلم قصير. وبدت هذه الجائزة كإشارة إلى أن سؤدد كعدان مخرجة قادرة على تحقيق ما لم يحققه باقي المخرجين السوريين ممن حققوا جوائز عالمية، وهو الاستمرارية. وبدا واضحاً أن نجمها الذي توهج العام الماضي لن يبقى عالقاً مع فيلم "يوم أضعت ظلي".

التقت "العربي الجديد" بالمخرجة، سؤدد كعدان. وفي الحديث عن أهمية هذه الجوائز بالنسبة لها وصعوبة الاستمرارية، تقول كعدان: "الجوائز مهمة بكل تأكيد، لكي تتمكن من الاستمرار. وليحظى الفيلم بمتابعة أكبر؛ فكل فيلم ينال جائزة يشاهده الناس أكثر، ويبحثون عنه ويحاولون شراءه، وهذا أمر جيد بكل تأكيد. وبالنسبة لفيلم "عزيزة" فالأمر المهم أنه جاء بمهرجان "ساندانس" الأميركي، وبسبب اختلاف المعايير ما بين السينما الأوروبية والسينما الأميركية. والأمر الذي أراه مهماً وأفتخر به حقيقةً أن أجد أفلامي تحصد الجوائز بمكانين لهما معايير مختلفة بالسينما. ولاسيما أن جميع الأفلام التي قمت بتقديمها حتى الآن أُنتجت بميزانية صغيرة. كما أنني أفتخر بالطبع بأن إنتاج هذه الأفلام هو إنتاج سوري، من إنتاج شركتي الصغيرة. وأشير هنا إلى أني لن أعيد تجربة الإنتاج بعد الآن، ولكني سأستمر بالتأكيد بسرد حكاياتي وإخراجها".
وبالنسبة لجديد كعدان، فيلم "عزيزة"، فهو فيلم قصير لا تتجاوز مدته 13 دقيقة، يحاكي واقع السوريين في لبنان بحكاية رمزية، يؤدي أدوارها النجمان السوريان عبد المنعم عمايري وكاريس بشار.
يبدأ "عزيزة" بفكرة اللعب والتمثيل، فلا نعرف إن كانت الشخصيات تمثل في الفيلم، أم تحاول أن تمثل وكأنها تقود السيارة في بيروت أو في دمشق. وتشكل هذه اللعبة الجزء الأول من الفيلم، إذْ إن "عزيزة" ينقسم من حيث البنية إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، وهي: مشهد تمثيلي متخيل لقيادة السيارة في بيروت، يليه مشهد واقعي، وينتهي العرض بمشهد إعادة تمثيل واقع في دمشق، وتفصل ما بين هذه الأجزاء لحظات انفعالية تعكس صعوبة العيش في واقع اللجوء دون الاستعانة بالمتخيل، أو دون القليل من الوهم.
وبالمقارنة ما بين المشهد التمثيلي الافتتاحي والمشهد التمثيلي الختامي، نشعر بما تعانيه الشخصيات: الواقع السوري في المنفى، أو المهجر، ضيق ولو اتسع. إذ إن فضاء اللعب لا يتجاوز مساحة السيارة الحمراء الضيقة، التي يطلق عليها الزوجان اسم "عزيزة" والتي تبدو كشخصية وفضاء درامي بآنٍ واحد، فهي ترمز لآخر ما تبقى للسوريين في لبنان من ممتلكات مادية. فتتعمد كعدان أنسنة السيارة وخلق علاقات تربط بينها وبين باقي الشخصيات، لتختزل عنصرا مغيبا عن الدراما السورية التي تتعامل مع القضية السورية كموضوع لها، وهو الممتلكات المادية، التي هي جزء من ذاكرة وتاريخ الأفراد. فالسيارة، كشخصية وفضاء، تعكس علاقة السوريين بما خسروه من أملاك وما تبقى لهم. العلاقة المحكومة بالنوستالجيا حتماً بعد خسارة كل شيء. وتتجسد هذه العلاقة بالملامح التي رسمت بها كعدان شخصية "عزيزة"، فهي سيارة كلاسيكية تنتمي لحقبة الثمانينيات من طراز "فولكس فاغن"، حمراء اللون، تبدو كصورة رومانسية عن الواقع القديم الذي يرفض السوريون التخلي عنه، أو الذي يتوهمون وجوده.
وفي هذا السياق، تتطرق كعدان في فيلمها الجديد لأسئلة راهنة عن العلاقة بين السوريين واللبنانيين والعنصرية الممارسة ضد السوريين وقيمة حياة السوريين في لبنان اليوم؛ ويبدو ذلك واضحاً في مشهد الضحية المتخيلة، التي يتمنى فيها الزوج أن تكون جنسية الضحية سورية لتهوين المصيبة. وكذلك تتحدث سؤدد في هذا الفيلم عن الخوف من الآخر ضمن ظروف اللجوء.
واللافت بالأمر أن كعدان تتطرق لهذه القضايا من خلال الكوميديا لتخلق عرضاً طريفاً، ودون أن تقع بفخ الابتذال والاستهانة بمعاناة السوريين. وكذلك يتميز الفيلم بأنه يبدو متخلصاً من عبء الأدلجة، وخارج سياق الأعمال الفنية المسيسة، رغم حساسيته وعدم تغييبه لتساؤلات السوريين عن واقعهم اليوم.

وعن الظروف الإنتاجية المتعلقة بفيلم "عزيزة"، والسبب الذي جعلها تقدم فيلمها بهذه الصورة، تقول كعدان: "لقد كنت مشاركة بورشة عمل أقامتها Search for common ground بالشراكة مع Madani، وهي ورشة دعت مخرجين سوريين من خلفيات متعددة، منهم رامي حنا وحاتم علي وآخرون. نتج عن هذه الورشة 10 أفلام، من بينها فيلمي "عزيزة"، وكان قد تم الاتفاق على ميزانية معينة لإنتاج الأفلام المختارة، ولكن بعد أن قطعنا شوطاً كبيراً من العمل تفاجأنا بحصولنا على نصف الميزانية المتفق عليها فقط، مما جعلنا نبحث عن تمويلات مستقلة صغيرة جداً. وفعلياً عندما عرفت أن ميزانية الفيلم هبطت إلى النصف، حاولت أن أعمل بشروط إنتاجية تتناسب مع الأمر، فضبطت العمل بما يتناسب مع تكاليف إنتاجه، ليكون قائماً على ممثلَيْن فقط وموقعين للتصوير. ولأنني كنت أحضّر بذات الوقت لفيلمي الطويل الجديد "نزوح"، كان لدي رغبة بأن أرسم ملامح الشخصية الأساسية في "عزيزة" بصورة تشبه ملامح شخصية فيلمي الطويل، لأختبر إمكانية نقل الكوميديا السوداء بها؛ ما يعني أن الشخصية الأساسية في "عزيزة" تعتمد برسمها على فيلمي الآخر الطويل، الذي سأقدمه في "كان" يوم 15 مايو/ أيار. هذه الأمور كلها تجعلني أصف ظروف الإنتاج بأنها كانت صعبة".

المساهمون