رحيل آنييس فاردا: سيرة قرن وحياة

رحيل آنييس فاردا: سيرة قرن وحياة

29 مارس 2019
آنييس فاردا: عين الواقع (كارلوس ألفاريز/Getty)
+ الخط -
توفيت المُصوّرة الفوتوغرافية والمخرجة السينمائية، آنييس فاردا، اليوم الجمعة، قبل شهرين اثنين فقط على ذكرى ولادتها الـ91، هي المولودة في إيكْسال (بلجيكا)، في 30 مايو/ أيار عام 1928، وغادرتها مع والديها (أب يوناني وأم فرنسية) إلى سيت في فرنسا، قبل انتقالها لاحقًا إلى باريس، حيث درست التصوير الفوتوغرافي في "مدرسة الفنون الجميلة"، وتاريخ الفن في "مدرسة اللوفر".

وبفضل معرفتها بزوجة جان فيلار (أحد أبرز المسرحيين والسينمائيين الفرنسيين) أيام مراهقتها، تمكّنت من العمل مصوِّرة فوتوغرافية في "المسرح الوطني الشعبي" الذي كان مديره حينها.

عام 1954، أنجزت أول روائي طويل لها، بعنوان La Pointe Courte الذي شكّل حينها لحظة تحوّل في صناعة السينما الفرنسية، بلغته التجديدية في مقاربة حكاية قرية صيادين، ما أدّى لاحقًا إلى اعتباره أحد أبرز معالم سينما "الموجة الجديدة".

بعد 4 أعوام، التقت المخرج جاك ديمي (سيُصبح زوجها فيما بعد) عام 1958، قبل 3 أعوام على تحقيقها "كليو من 5 إلى 7"، عن مغنية شابة تعيش حالة توتر وقلق وهي منتظرة ظهور نتائج فحوصات طبيّة. أما "السعادة" (1965) و"المخلوقات" (1966)، فكانا ـ بالإضافة إلى أفلام عديدة أنتجتها في تلك الفترة ـ سببًا لضمّها إلى لائحة من صاروا "أوائل ممثلي السينما الفرنسية الشابّة". إلى جانب "الموجة الجديدة"، بات النقد يتحدّث عنها كما يتحدّث عن جاك ديمي وكريس ماركر وآلان رينيه وسينما "الضفّة اليسارية"، للقول إن هناك فرقًا سوسيولوجيًا وسياسيًا في الإنتاجات السينمائية الجديدة حينها.

بين عامي 1968 و1970، أقامت آنييس فاردا في لوس أنجليس، وحقّقت فيلمًا وصف بأنه "هوليوودي هيبّي"، عنوانه Lions Love، إلى أفلام وثائقية قصيرة عديدة. بعد عودتها إلى باريس مطلع سبعينيات القرن الـ20، صوّرت فيلمًا نسويًا ومتفائلاً بعنوان "إحداهنّ تُغنّي، الأخرى لا" (1977)، استعادت فيه فترة ممتدة بين عامي 1962 و1976، تناولت فيه علاقة حبّ بين امرأتين، سمحت بإطلاق موجة النسوية والمطالبة بحقوق المرأة. وهذا منبثقٌ من التزامها تلك القضايا، فهي وقّعت على "بيان 343" في فرنسا الذي كتبته سيمون دو بوفوار، ونشرته المجلة الأسبوعية الفرنسية "لو نوفيل أوبسرفاتور" في 5 إبريل/نيسان عام 1971، المتعلّق بحقّ المرأة في الإجهاض.

عام 1979، عادت أنييس فاردا إلى لوس أنجليس التي بقيت فيها لغاية عام 1981، بهدف إنجاز فيلم سيُصبح أحد أهمّ الأفلام الوثائقية المعنيّة برسوم الجدران، بعنوان "جدار جدران"، وروائي طويل مستوحى من حياتها في فينيسيا، بعنوان Documenteur، وهذا تلاعب على كلمتين فرنسيتين هما الوثائقي والكذب.

في رحلتها الأميركية الأولى، تعرّفت على جيم موريسون، مغنّي فرقة "ذا دورز" الذي حصل على ديبلوم سينمائي من "جامعة كاليفورنيا لوس أنجليس" عام 1965. كانت من قلّة تضم مقرّبين منه كانوا معه لحظة وفاته في منزله الباريسي، في 3 يوليو/ تموز عام 1971، وشاركت في مراسم دفنه في مقبرة "بيار لاشيز" في العاصمة الفرنسية.


لديها أفلام سينمائية كثيرة، روائية ووثائقية، طويلة وقصيرة، بالإضافة إلى أعمال تلفزيونية ومعارض تشكيلية وصُور فوتوغرافية، آخرها "فاردا بحسب آنييس" (2019)، وهو وثائقي يغوص في ذاكرتها وحياتها وأعمالها. هناك مثلاً: "كليو من 5 إلى 7" (1962) و"من دون سقف ومن دون قانون" (1985) و"جاين ب. بحسب أنييس ف." (1987) و"مائة ليلة وليلة لسيمون سينما" (1995).

عمرها الطويل أتاح لها فرصة مراقبة التحوّلات الكثيرة التي عرفتها البشرية خلال قرن من الزمن، فكانت شاهدة ومؤثّرة وصانعة تبدّلات.

المساهمون