دان غيلّروي والفن: غضبٌ وارتباك

دان غيلّروي والفن: غضبٌ وارتباك

13 فبراير 2019
جايك غيلّينهال: أداء رائع (فيسبوك)
+ الخط -
عام 2014، فاجأ الكاتب والمخرج دان غيلروي (1959) العالم بفيلمه Nightcrawler، الذي قدّم معالجة مثيرة ومختلفة ونقدية جدًا لعالم الصحافة ومحطات التلفزيون، ولكيفية التعامل مع الأخبار وبثّها لتحقيق النجاح، عبر شخصية مُربكة، أدّاها جايك غيلّينهال بشكل مثالي. لذا، كان Velvet Buzzsaw، أول الإنتاجات المهمّة لمنصّة "نتفليكس" لعام 2019، عملًا منتظرًا، لا فقط بفضل اللقاء الجديد بين غيلروي وغيلّينهال، ولا لأن شريكتهما هي رينيه روسّو، لكن أيضًا لأن هناك تشابهًا في الموضوع لكن في عالم مختلف، إذْ يُقدِّم هذه المرة نظرة مقرّبة ونقدًا حادًّا لمجتمع الفن المعاصر.

القصة بطولةٌ مشتركة لأطراف عديدة في المشهد الفني: مورف (غيلّينهال) ناقد مُقدَّر للغاية، يستطيع في مقالة واحدة إما رفع فنانين إلى الأعلى، وإما تدميرهم؛ ورُدُورا (روسّو)، صاحبة المعرض التي تحاول بشتّى الطرق تحقيق مكاسب أكبر من بيع اللوحات والقطع الفنية؛ وجوزفينا (زاوي آشتن)، الموجودة في المشهد الفني، والتي تحاول استغلال الأمر إلى أقصى حدّ. هناك أيضًا الفنان بيرز (جون مالكوفيتش)، الذي يشعر بفقدان الإلهام، ويسعى إلى إبداع عمل أصيل. بالإضافة إلى شخصيات أخرى مرتبطة بالفن وعالمه.

بعد تمهيد طويل، ومَشَاهد يجمعها هجاء الشخصيات أكثر من بناء القصة، يقع حدث مؤثّر يتمثل باكتشاف جوزفينا منزل فنان يدعى ديز، أوصى بحرق لوحاته وأعماله كلّها بعد وفاته. لكنها والآخرين يتجاوزون الوصية لاستفادة تصل إلى مئات ملايين الدولارات الأميركية في حال تمّ بيعها. وهذا قبل أن تلاحقهم لعنة ما، فتقتلهم بشكل متتال. لعنة مرتبطة بروح ديز، التي تركها في فنّه.

يظهر بوضوح ضيق دان غيلّروي من التعامل الحالي مع الفن، إذْ يمكن قراءة فيلمه كنقد مستتر لهوليوود أيضًا: منتجين وموزّعين وعاملين في الصناعة، وصولًا إلى نقّاد يبغضهم بوضوح مُظهرًا هذا البغض في الفيلم.


هذا العالم والشكل الهجائي ظهرا قبل عامين في (The Square 2017) للسويدي روبن أوستلند، الفائز بـ"السعفة الذهبية" في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ"، الذي تدور أحداثه في العالم نفسه للمعارض والفنانين. لكن الفرق بينهما كامنٌ في أن للفيلم السويدي بناءً وتطويرًا حقيقيًا لشخصياته وأحداثه، وعبر ذلك يظهر هجاء الادعاء والزيف الحاصلين في عالم الفنون. أما في Velvet Buzzsaw، فلا يملك غيلّروي غير الغضب، فيصنع شخصيات كرتونية للغاية، لا شيء في حياتها سوى علاقتها بالفن والمعارض، ولا مساحة لفهمها أو التعاطف معها، فهو نفسه ـ ككاتب ومخرج ـ يكرههم جميعًا. والأسوأ، أن غضبه أفضى إلى مشاهد خاوية تحتلّ النصف الأول من الفيلم، الضعيف جدًا.

في النصف الثاني، تتحسّن الأمور كثيرًا، إذْ تخفّ حدّة الأفكار النظرية، ويبدأ سرد القصة فعليًا، كعمل رعب مختلف، تكمن خطورته في لوحات الفنان التي ترك فيها "روحه" و"دمه" (حرفيًا)، وتلاحق المدّعين والمنافقين جميعهم، وتُسبِّب لهم حوادث قتل مختلفة، كان ممتعًا متابعتها، ومتابعة علاقتها بالشخصيات، كهذا المشهد الجميل الذي تسيح فيه ألوان اللوحات وتتمدّد على الأرض، وتبتلع الشخصية الأكثر احتقارًا للفن؛ أو كالوشم القديم الذي يعبّر عن فترة كانت فيه شخصية أخرى مؤمنة بما تفعله، فيُسبِّب الوشم نفسه الآن موتها، بعدما أصبحت مرتزقة ومتكسّبة. من الجيد متابعة مورف أيضًا، السائر إلى الجنون بسبب رؤيته اللوحات وهي تتحرّك، في مشهدٍ تفوّق فيه غيلّينهال أدائيًا، كاشفًا موهبة استثنائية يمتلكها كممثل.

في النصف الثاني أيضًا، يُخرج غيلّروي مشاهد تكتم الأنفاس، إلى درجة التساؤل عن سبب إهداره نحو ساعة من الزمن، أثقلها بأفكارٍ نظرية وهجاء غاضب، كان يُمكن أن تكون ذات أثر أقوى لو أخلص الفيلم إلى نفسه كفيلم رعب، يحكي عن لوحات مسكونة.

المساهمون