أيسلندا... 100 عام من السيادة والانفصال عن التاج الدنماركي

أيسلندا... 100 عام من السيادة والانفصال عن التاج الدنماركي

01 ديسمبر 2018
طبيعة أيسلندا خلابة (Getty)
+ الخط -
تحتفل أيسلندا، اليوم السبت، الأول من ديسمبر/ كانون الأول، بالذكرى المئوية الأولى لبداية استقلالها عن التاج الدنماركي لتشكل جمهورية برلمانية بعد 6 قرون من الحكم الخارجي. في 1918 حصلت على الاتفاق الأول الذي منحها السيادة، قبل أن تتوج في 1944 باستقلال تام عن كوبنهاغن، بعد تاريخ طويل من نمو المشاعر القومية لدى شعبها الذي استوطنها في فترة مبكرة من القرن التاسع الميلادي. ورغم قسوة طبيعتها البركانية وعزلتها، حولها شعبها إلى دولة حديثة ومتقدمة.
في أقصى شمال أوروبا، حيث يلتقي المحيط الأطلسي مع المتجمد الشمالي، وعلى بعد ألفي كيلومتر من الدنمارك، تقع دولة أيسلندا، المكونة من 103 آلاف كيلومتر مربع كجزيرة معزولة، تضم أهم براكين العالم وينابيعه الكبريتية والحارة. يقطن دولة أيسلندا نحو 348 ألف إنسان، أغلبيتهم من شعوب النوردية والغالية، ونسبة من المهاجرين، وخصوصا عمال بولندا.

تاريخ أيسلندا
يعتبر الأيسلنديون أنفسهم أحفاد الفايكنغ النرويجيين، ويعتزون كثيراً بتاريخ أجدادهم. فاكتشاف هذه الجزيرة يربط في السياق العام لتاريخ الفايكنغ التوسعي نحو مناطق شمالية غير مأهولة. ووفقاً للتاريخ الذي يسرده "كتاب الأيسلنديين" (المعروف بين شعبها باسم Íslendingabók)، فإن "الوطنية الجامعة للأيسلنديين أدت مبكرا، في عام 930، إلى تأسيس مجلس شورى، أو جمعية عامة مشتركة تسمى ألتينغي". ويتفاخر الأيسلنديون بتاريخهم باعتبار مجلسهم الأول شكل أقدم شكل من أشكال العمل البرلماني في العالم. فقد كان لـ ألتينغي سلطة تشريعية وقضائية، لكن بدون سلطة تنفيذية، وعبر هذا المجلس عن اتحاد مثّلَ البلد بتحالف 36 زعامة قبائلية - مجتمعية كانت تمثل السلطة الحقيقية. بعد نحو 70 سنة من تشكيل "البرلمان"، أي عام 1000 ميلادية، تبنت أيسلندا المسيحية كديانة استعيض بها عن الديانات الشمالية القديمة، دون مقاومة تذكر، كما كان الحال في بعض أجزاء شمال أوروبا. استطاعت السلطة القبلية، للزعامات المتحالفة، تقوية نفوذها وتسلطها عبر تبنيها المسيحية وأدخلت العقيدة في 1097 إلى مجلسها، الذي فرض جباية المال إلى الكنائس والأساقفة، بداية في جنوب الجزيرة وبعدها بعشرين سنة في شمالها.
لم يمر تاريخ أيسلندا بسلاسة، بل أدت الصراعات بين أكثر الأسر تنفذا إلى تدخل نرويجي جعل الجزيرة خاضعة لملكها في 1264. وألغيت بعدها بعامين سلطة زعامات القبائل (الإقطاعيين)، ما فتح الباب أمام الطبقة العليا (الثرية) في مجتمع أيسلندا للتنفذ أكثر. ومنذ ذلك التاريخ بدأ تدوين ما يسمى "أدبيات الساغا" أو أدبيات الملحمة الأيسلندية.

التاج الدنماركي
في 1380 أصبحت أيسلندا والنرويج تتبعان للتاج الدنماركي ضمن اتحاد سمي "اتحاد كالمار"، الذي قضى بوجود مملكة اسكندنافية واحدة وقوية (الدنمارك والنرويج والسويد) تحت حكم مارغريتا الأولى، كأحد الحالات النادرة في اتحاد ممالك، ومنذ ذلك التاريخ بقيت تتبع كوبنهاغن، كما هي اليوم جزر الفارو وغرينلاند. فرضت الدنمارك على شعب أيسلندا ضرائب وجباية للكنيسة، وحولتهم إلى البروتستانتية، وأضحت الدولة مسيرة مركزيا بقوانين وقرارات من كوبنهاغن.
دفع الانهيار والفقر بالكثير من سكان أيسلندا إلى الهجرة نحو العالم الجديد، في أميركا الشمالية. تطورت في بداية القرن الماضي مدن وقرى أيسلندا، متأثرة بالتطور التقني وهجرة أبنائها وإدخال تحديث على نظام الصيد والزراعة، ما أدى إلى تحديث نظامها السياسي. ولكن أيسلندا بقيت تابعة للدنمارك، وأدى ذلك إلى رفض الناخبين في 1908 اتفاق الموازنة والأجور مع كوبنهاغن، ما فتح مجددا الطريق أمام نمو المشاعر القومية، حتى جاءت معاهدة الوحدة في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 1918 على وقع انتهاء الحرب العالمية الأولى لتشكل بداية الاستقلال. وأصبحت أيسلندا في يونيو/ حزيران 1944 جمهورية ديمقراطية مستقلة، بعد شهر من استفتاء شعبي فضلت فيه الأغلبية الانسحاب من الوحدة مع الدنمارك.

بذرة الاستقلال
بعد نحو 600 عام من الارتباط بالدنمارك شقت أيسلندا طريقها الأول نحو طلب الاستقلال، وخصوصا أثناء حروب نابليون وهزائم كوبنهاغن في حربها مع ألمانيا، والاختلافات الدامية مع الشقيقتين السويد والنرويج. يسجل التاريخ الموثق لـ"الثورة الأيسلندية"، للباحث والمؤرخ الدنماركي سورن مينتز، Søren Mentz، أن الحكم الملكي المطلق أدى إلى تصاعد "الروح القومية" لدى شعب الجزيرة في أوقات مبكرة، وحتى قيام شخصية دنماركية، يورغن يورغنسن، بالثورة الأولى على الجزيرة في 1848، طلبا لاستقلالها التام، أثناء تحول الدنمارك إلى ملكية دستورية.
حضر يورغنسن مع بعض البحارة على متن سفينة تجارية إنكليزية في بدايات 1800، حاملا معه أفكارا ثورية فرنسية وإنكليزية للتغيير، وليعمل بصمت على إحداث ثورة ضد حكم كوبنهاغن للجزيرة على طريقة الانقلاب العسكري بـ12 رجلا مسلحا ببنادق قديمة. ووفقا للمؤرخ مينتز، فإن "تحرك الشاب يورغنسن شكل الإطار الأول لانتقال أيسلندا نحو دولة دستورية. فلتحركه يعود الفضل في أن لأيسلندا اليوم علمها الخاص وبرلمانها، رغم أن الأيسلنديين في البداية لم يؤيدوا حركته، وهو أمر سيترك أثره حتى 1918، حيث حصلت الدولة على سيادتها".

ازدهار
تطورت أيسلندا اقتصاديا وشهدت ازدهارا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصا في مجال تحديث صناعة الصيد وتشييد محطات توليد الطاقة، حيث استغلت بشكل كبير وضعها الجيولوجي في مجال الطاقة الكهرومائية. وبعد انضمامها للأمم المتحدة في 1946 أصبحت عضوا في منظمة التعاون والتنمية (أو إي سي دي) في 1948، وبعدها بعام في 1949، أصبحت الجزيرة عضوا في حلف شمال الأطلسي، وفي عام 1952 في "مجلس الشمال" (إلى جانب دول إسكندنافيا وفنلندا في مجموعة دول الشمال)، ومنذ 1951 تستضيف أيسلندا قاعدة عسكرية أميركية قرب عاصمتها ريكيافيك. ولعبت الجزيرة دوراً كبيراً خلال فترة الحرب الباردة، واحتضنت عاصمتها مفاوضات إنهاء تلك الحرب في أواسط ثمانينيات القرن الماضي.
تواجهت أيسلندا في أكثر من مناسبة مع المملكة المتحدة (1958 - 1976) حول صيد الأخيرة قرب مياهها، وأدت فترة "حرب سمك القد" إلى رضوخ بريطانيا لمطالب أيسلندا باتفاق يشمل توسيع حدود الجزيرة البحرية إلى 200 ميل بحري حولها. ما زالت أيسلندا خارج منظومة الاتحاد الأوروبي، ورغم ذلك هي متعاونة معه كما جارتها النرويج، خصوصا في المجال الاقتصادي. وحملت الأزمة المالية العالمية أيسلندا إلى حافة الإفلاس، ما تسبب بقلاقل اجتماعية وسياسية ما زالت آثارها ماثلة حتى اليوم.
يقصد هذه الجزيرة البركانية السائحون من الدول الإسكندنافية، وهي تعرف بسياحتها الشتوية بفضل ينابيعها الحارة، ويقصدها السائحون من مختلف دول العالم بفضل موقعها وجغرافيتها الخلابة، رغم انحسار غاباتها التي تميزت بها عبر التاريخ.​

المساهمون