"أيام بيروت السينمائيّة الـ9": راهنٌ مثقلٌ بأسئلة معلّقة

"أيام بيروت السينمائيّة الـ9": راهنٌ مثقلٌ بأسئلة معلّقة

20 مارس 2017
جيرار يبارديو وصادق بورقيبة في "جولة في فرنسا"(المركز الإعلامي)
+ الخط -
لن يكون سهلاً اختيار أفلام عربية، حديثة الإنتاج، لتقديمها بالتزامن مع "أيام بيروت السينمائية"، التي تُقام دورتها الـ 9 حالياً (15 ـ 24 مارس/ آذار 2017). فالعدد وفير، والتنويع البصريّ (روائي، وثائقي، تجريبي) أشبه بدعوة إلى اكتشاف اختباراتٍ، بعضها تجديديّ، يُعوَّل عليه في مساراتٍ لاحقة. والمهرجان نفسه، المعنيّ بسينما عربية مستقلّة، يُلحّ في طرح سؤال هذين الجديد والتجديديّ، في صناعةٍ تواجه تحدّيات الواقع والراهن معاً، في السياسة والاجتماع والسلوك والانقلابات، كما في أحوال الصورة ومقارباتها.

لكن الاختيار ضروريّ، وتقديم نماذج لن يعني، أبداً، إلغاء جماليات تتمتّع بها أفلامٌ أخرى. فالنتاج السينمائيّ العربي مستمرٌّ في حركته الإبداعية، التي تسعى إلى ابتكار صُورٍ تتلاءم والمفاهيم الحديثة لصناعة السينما، وتواكب عصر التقنيات المتطوّرة، وتعثر في تواضع إمكانياتها (المالية، الإنتاجية، التمويلية) على منافذ لصناعة الأجمل والأفضل.

والمواضيع كثيرة، وإنْ بدت متداولة ومُعالَجَة سابقاً. فالاختلاف يظهر في كيفية تقديم المعروف، وفي المقاربة الجمالية والتأملية لصانع العمل، كما في رؤيته ونظرته ومشاعره ووعيه.


"جولة فرنسا" لرشيد دْجَيْداني:
بعد تصفية حساباته في أمور مختلفة، يُضطرّ فارهوك (صادق بورقيبة)، مغني الـ "راب" الذي يبلغ من العمر 20 عاماً، لترك باريس، والبدء بنوع من إجازة، يستريح فيها من ضغوط كثيرة، ولو لبعض الوقت. هكذا يُقدِّم "جولة فرنسا" (2016) للفرنسي رشيد دْجَيْداني شخصية فارهوك، الذي يستمع إلى نصيحة منتج أعماله، بلال (نيكولا ماريتو)، فيوافق على مُرافقة والد هذا الأخير، سيرج (جيرار ديبارديو)، في جولةٍ على موانئ فرنسا، على خطى الرسّام كلود جوزف فيرني (1714 ـ 1789)، الذي رسم سلسلة لوحاتٍ بعنوان "مشاهد من موانئ فرنسا"، بين عامي 1754 و1765.

وبلال مبتعدٌ عن والده، بسبب التزامه الإسلام، وهو الدين نفسه الذي ينتمي فارهوك إليه. لكن، رغم الاختلافات العديدة في السلوك والتفكير وأمور الحياة، ستنشأ ـ بين الشاب، عازف الـ "راب" الواعد، والبنّاء الصموت ابن الشمال ـ علاقة صداقة، شيئاً فشيئاً. ومعاً، سيُكملان رحلة طويلة، تقودهما إلى مارسيليا لإقامة حفلة. وربما ستقودهما إلى أبعد من ذلك أيضاً.


"ميّل يا غزيّل" لإليان الراهب:
في الوثائقيّ الجديد لها، "ميِّل يا غزيِّل" (2016) ـ الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصّة بـ "مسابقة المهر الطويل"، في الدورة الـ 13 (7 ـ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2016) لـ "مهرجان دبي السينمائيّ الدولي" ـ تذهب اللبنانية إليان الراهب إلى مرتفعات عكار، المتاخمة للحدود مع سورية، حيث يُقيم هيكل، المزارع المسيحي الستّيني، كي تُنقِّب في أحوال منطقة تتقاطع فيها الحدود والطوائف والطبقات الاجتماعية، من خلال سيرة الرجل، في مزرعته ومطعمه، والبيئة التي ينتمي إليها ويُقيم فيها.

في آن واحد، يواجه هيكل غبار الكسّارات المجاورة، وكساد المواسم الزراعية، والتوتّرات الطائفيّة، وتداعيات الأزمة السورية على السياسة والاقتصاد، فيشعر أنّ دوره "أكبر من أيّ وقت مضى"، إذْ عليه أن يبقى، وأنْ يُبقي مشروعه الخاص ويحميه، ويدافع عن العيش المشترك فعليّاً، بيديه اللتين لا تملّان من العمل في الأرض التي يحبّ.

يُشكِّل "ميِّل يا غزيِّل" أحد الأفلام اللبنانية، التي توثِّق الحكايات الفردية، في عالم متوتر ومرتبك وتائه.


"غدوة حي" للطفي عاشور:
يعود التونسي لطفي عاشور، في "غدوة حي" (تمثيل: عيسى حراث ولطيفة القفصي وأنيسة داود) إلى ليلة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، إحدى ليالي الرعب والعنف السلطويّ ضد الناس، في ظلّ "ثورة الياسمين"، كي تنطلق أحداث الحكاية إلى ما هو أبعد من الراهن. يلتقي مراهقٌ (15 عاماً) بامرأتين (صحافية ومتخصّصة بتدريس لغة الإشارات للصُمّ والبكم)، أثناء هروبهم من مطاردات رجال الأمن في تلك الليلة. عنف واعتداءات جسدية ومعنوية ومطاردات، أمورٌ تتشكّل في لحظة سينمائية أرادها عاشور مدخلاً إلى قراءة الواقع بأحداثه، للتوغّل أكثر فأكثر في مرحلة ما بعد الحراك المدنيّ الذي تواجهه السلطة ببطش وقمع واعتقالات. وهي مرحلة تستدعي طرح أسئلة حول الثورة ومسارها ومصيرها، وحول المشاركين فيها وأحوالهم. يكشف عاشور، من بين أمور أخرى، مسألة انقطاع العلاقة، إلى حدّ كبير، بين سكّان المناطق النائية وسكّان المدينة والأحياء الراقية والمتوسطة والفقيرة المحيطة بالعاصمة.


روائيان متوسّطا الطول:
في فقرةٍ مستقلّة بحدّ ذاتها، يُعرض فيلمان في أمسية واحدة: "فيما بعد" (2016، 34 د.) للّبناني وسام شرف، و"قنديل البحر" (2016، 40 د.) للجزائريّ داميان أونوري. في الأول، حكاية شابّ يعود إلى قريته، فيكتشف تحوّلاتٍ كبيرة لن يكون سهلاً عليه فهمها ومواكبتها. وفي الثاني، حكاية شابّة تتعرّض لاعتداء جسدي على شاطئ البحر، وتختفي، فإذا بأفراد عائلتها يبحثون عنها من دون جدوى، قبل أن تبدأ "جثث" شبانٍ عديدين في الظهور في المكان نفسه.



المساهمون