مساحة سينمائية مطلوبة

مساحة سينمائية مطلوبة

06 مارس 2017
(فيسبوك)
+ الخط -
يجتهد منظّمو "أيام بيروت السينمائية" في إيجاد أفضل السبل الممكنة، لتقديم نتاجٍ سينمائيّ عربيّ، يُصنع في الحدّ الواقع بين اختباراتٍ متتالية لصناعات مختلفة، ورغبة شبابية في انفضاض جمالي على نُظمٍ إنتاجية، تستمرّ في ضخّ الاستهلاكيّ والعاديّ. يريدون الـ "أيام" مرآة شفّافة لنماذج مستقلّة في صناعة سينما، تُعاند في مواجهة أصنامٍ، تمنع على كلّ جديد حرية اختبار التجديد. 

والـ "أيام" جزءٌ من لعبة التصدّي لبهتان القديم، وصنميّته. وهذا، إذْ يُغريها في المواجهة والتحدّي، لن يدفعها إلى تغييب مسارات سينمائية عربية كثيرة، لبعضها فضلٌ في بلورة مشاريع التجديد المطلوب. تُدرك الـ "أيام" أن الماضي أساسيّ، لكنها منذورةٌ لراهنٍ يتفوّق، غالباً، في إنتاج المُبهر والجميل والصادم، وفي صناعة تخرج على قوالب جاهزة، كي تلتزم جمالية المتطوِّر والحديث.

لذا، لن يكون غريباً القول إن ولادة "أيام بيروت السينمائية" متزامنةٌ مع نهوضٍ ما، في الثقافة والفنون والعمران والاجتماع، يشهده البلد منذ البدايات الملتبسة لسلم أهليّ ناقص وهشّ، مطلع تسعينيات القرن الـ 20. ورغم أن هذا النهوض يُصابُ، لاحقاً، بعطب السياسة والاقتصاد والأمن والتبعية، إلا أن الـ "أيام" تحاول ـ كجزءٍ من حراكٍ ثقافيّ واجتماعي مدنيّ متنوّع ـ تأسيس ركائز ثابتة في عملية التجديد، عبر انفتاحٍ واضح على سينما عربية مستقلّة وشبابية، تغاير السائد أحياناً، وتتمرّد عليه أحياناً أخرى.

لن تقع الـ "أيام" في فخّ القطيعة مع ماضٍ، أو مع أحد. وهذا، إذْ يكون متوافقاً وحيوية الراهن في اشتغالات سينمائية مختلفة، يتكامل واستعادات تتمثّل بتكريمٍ أو بلقاء أو بندوةٍ، مع صانعي لغة مختلفة، في أزمنة سابقة. والـ أيام" تذهب دائماً إلى الآنيّ، فتُنظّم لقاءات/ ندوات تتناول آليات حديثة للإنتاج، ومفاهيم عصرية للاشتغال، وتقنيات جديدة في مهن الصناعة.

أما ورش العمل، فتُكمل بعض المطلوب من الندوات، باهتمامها بأصنافٍ شتّى في حرفية العمل ومتطلباته الفنية والتقنية والتسويقية. بهذا، تُزاوج "أيام بيروت السينمائية" بين النظريّ والعمليّ، فتعرض أفلاماً حديثة الإنتاج، وتطرح الأسئلة كلّها، المتعلّقة بالصناعة وحاجاتها وبُناها.

تُقدِّم الدورة الـ 9 (15 ـ 24 مارس/ آذار 2017) أفلاماً عربية يُثير بعضها، على الأقلّ، سجالاتٍ لن تبقى أسيرة المضامين الدرامية والسردية فقط، لانشغالها بالشكل السينمائيّ أيضاً. تأتي في لحظة تفعيل الرقابة الأمنية على النتاجات السينمائية، التي تختزل رقابات اجتماعية وسياسية وطائفية/ مذهبية، سلطتها مُنبثقةٌ من قانون قديم أولاً (1947)، ومن قبضة حديدية لقوى متحكّمة بالبلد وشؤونه، وبالناس وأحوالهم، ثانياً.

رغم هذا، تبقى "أيام بيروت السينمائية" مساحةً واضحةً لتفاعل إبداعيّ مطلوب، ولنقاشٍ ثقافيٍّ يتناول السينما وهواجسها. وهذا، وحده، كافٍ لاكتشاف الجديد، ولمتعة اكتشافه ومشاهدته أيضاً.


دلالات

المساهمون