شذى المنلا...طفلة سورية لاجئة تأسر حواس الهولنديين بموسيقاها (فيديو)

شذى المنلا...طفلة سورية لاجئة تأسر حواس الهولنديين بموسيقاها (فيديو)

25 يناير 2017
حملت مقطوعتها الفائزة عنوان (لا يهمّ) (يوتيوب)
+ الخط -

استطاعت الطفلة السورية شذى المنلا (13عاماً) أن تأسر حواس الهولنديين، وهي تنقل إليهم ما أبدعته مخيلتها من ألحان، بأناملها الفتية، التي تتقافز برشاقة على أوتار آلتها الموسيقية الشرقية، القانون. 


لفتت شذى الأنظار إليها مؤخراً، بعد فوزها بمسابقة للتأليف الموسيقي للأطفال والشباب تحت سن الـ 18، وهي مسابقة سنوية تطرحها واحدة من أهم الفرق الموسيقية وأعرقها بهولندا (NEDERLANDS BLAZERS ENSMBLE)، ويتقدم إليها كثير من الموسيقيين تحت سن الـ 18 من كافة أرجاء هولندا، وتتم التصفية على ثلاث مراحل.



الجدير بالذكر أن الفرقة الهولندية تطرح كل عام "تيمة" محددة يدور حولها موضوع القطع الموسيقية المؤلفة، وكان هذا العام عن "المعاناة"، سواء من خلال مشكلة شخصية أو عامة، بمعنى أن تحمل القطعة الموسيقية معنى منسجماً مع "التيمة" المطروحة وليس مجرد لحن موسيقي.

وكانت المقطوعة التي قدمتها شذى المحاولة الأولى لها في التأليف الموسيقي وحملت عنوان "لا يهمّ"، وقدمت عرضها ضمن الحفل السنوي للفرقة، في دار الأوبرا بأمستردام. وشاركت في توزيع مقطوعتها واختيار الآلات وطريقة التوزيع.




المكانة التي حجزتها شذى كانت نتيجة سنوات طوال من المثابرة، بدأتها في سن السابعة، حيث درست في معهد "صلحي الوادي" بدمشق، واختارت آلة القانون، ولأن أهلها لمسوا موهبتها وحماسها، قرروا دعمها بزيادة عدد ساعات التدريب، وهكذا بدأت تتلقى دروساً إضافية في معهد موسيقي خاص، إضافة إلى التدرب على يد معلم في المنزل.

اضطرت شذى إلى ترك سورية مع أهلها عام 2012، وهي ابنة الممثل السوري والأستاذ الأكاديمي سابقاً في "المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق"، عبد القادر المنلا. وفي القاهرة سجلت في دار الأوبرا المصرية (مركز تنمية المواهب)، وتابعت دراستها عند واحد من أهم أساتذة القانون، الدكتور صابر عبد الستار، والذي نقل شذى نقلة نوعية بعد أن تأكد من موهبتها وحماسها ومواظبتها.

في "بيت العود العربي" واظبت شذى على الانتظام في دروس "الصولفيج" مع الدكتور أحمد يوسف، واستمرت لسنتين في هذه الدراسة المكثفة، ثم درست على يد أستاذ قانون سوري مقيم في مصر، أحمد صعب، لتنتقل معه إلى المدرسة، ومن خلاله تعرفت على مقطوعات "جوكسيل" وغيره من العازفين الأتراك، وعلى تكنيك جديد وروح مختلفة.

شاركت شذى في مصر بكثير من الحفلات كعازفة أساسية، مع فرقة "بيت العود" التابعة لوزارة الثقافة المصرية، ويديرها الفنان نصير شمه، وفي عام 2015 أسس لها والدها ولأختها جوى عازفة العود فرقة موسيقية، "قاسيون"، رفقة عازف إيقاع مصري ،علي ندا، وقدموا معاً بعض الحفلات في القاهرة والمحافظات المصرية.



وقبل نهاية عام 2015 انتقلت شذى وأهلها إلى هولندا، وخلال إقامتها المؤقتة في مخيم اللاجئين، تعرف الموسيقيون الهولنديون على شذى وجوى، وطلبوا مشاركتهما في كثير من الحفلات. وزاد الاهتمام بهما لاختيارات جوى وشذى للقطع الموسيقية، حيث كانت من النوع المعقد على مستوى التكنيك، من مقطوعات (منير بشير، نصير شمه، ومقطوعات تركية) بالإضافة إلى الألحان العربية القوية، مثل بعض مقدمات أغاني أم كلثوم.

بعد ذلك رُشحت الأختان لفرقة "نيدرلاند بلازرس"، واختيرتا من بين مجموعة كبيرة للعزف مع الفرقة، وشاركتا في حفل رأس السنة 2016، وبثه التلفزيون الهولندي، فجاء الصدى طيباً بين الهولنديين. ثم قدمتا باسم الفرقة "قاسيون" عشرات الحفلات في معظم أقاليم هولندا بالاشتراك مع الباركيشن المحترف وخريج المعهد العالي للموسيقا مضر سلامة، الذي انضم للفرقة كعضو ثالث.





تعتبر شذى الموسيقى جزءاً أساسياً في حياتها، ولديها موقف نقدي صارم من الموسيقا التقليدية، وتؤكد لـ"العربي الجديد، أنها لا تميل إلى الأغاني بل إلى الموسيقى الصرفة، ولا تستهويها الألحان المكررة والمتشابهة، ولذلك تهتم بالعازفين الأتراك على آلة القانون وخاصة جوكسيل، وطموحها أن تصل إلى مستوى عال بالتكنيك، ومستوى معرفي عال بعلم الموسيقى، وهي الآن مهتمة بإيجاد خلط واع بين الموسيقى العربية والتركية والغربية، كما أنها تتعلم على آلة الكمان كآلة رديفة.


تتابع شذى اليوم دراستها للغة الهولندية، لتنتقل بعدها إلى المدرسة الإعدادية (الصف الثامن) بداية السنة القادمة. وبحسها العفوي تحدد وظيفة الفن قائلة لـ"العربي الجديد": "إنها صناعة الإنسان الحضاري والراقي، والخيّر، فمن يحب الموسيقى لا يمكن أن يكون شريراً أو سلبياً، ولا يمكن إلاّ أن يكون إنساناً مفيداً لمجتمعه".

وفي تصريح لـ"العربي الجديد" يقول الفنان عبد القادر (والد شذى): "هولندا بلد منفتح ويستثمر المواهب بشكل كبير ويشجعها، ولكنه أيضاً مجتمع مباشر، بمعنى أنه لا يجامل، ولا يشفع سن الطفل له إن لم يكن موهوباً ودؤوباً، تشجيع الطفولة شيء وتشجيع الموهبة شيء آخر".


ويتابع: "في المسابقة الأخيرة -على سبيل المثال- لم يؤخذ سن شذى بالحسبان، أي لم تتم مراعاتها لسنها الصغيرة، بدليل أنه كان في المسابقة أطفال بعمر 9 سنوات، كما لم يؤخذ وضعها كلاجئة بالحسبان، فالمعايير كانت موسيقية صرفة، ولكن حينما يجدون الموهبة يقدمون كل شيء".

يضيف المنلا موضحاً: "على سبيل المثال ترسل الفرقة الهولندية لجوى وشذى أحد كبار موسيقييها إلى منزلنا لتدريبهما على نوتات المقطوعات الجديدة التي تضمها الحفلات.. كما أن الصحافة والتلفزيون والإعلام عموماً لا يهدأ، فقد كتبت عنهما كثير من المقالات، وأجريت معهما عشرات اللقاءات التلفزيونية والإذاعية في أقل من سنة، وأصبحت فرقة قاسيون معروفة تماماً في الأوساط الموسيقية الهولندية، وكذلك عند الجمهور الهولندي المهتم بالموسيقى".






حتى الآن ألّفت شذى مقطوعة واحدة (سبق الإشارة إليها) ولكنها وجدت بداية الطريق لمشروعها الموسيقي في التأليف، أما عن تأثيرات الحرب في سورية التي عاينتها شذى مباشرة، فيقول والدها: "خرجت شذى من سورية وعمرها 8 سنوات، حاولنا إبعادها تماماً عن الأجواء القاتمة، ولكن فضولها المعرفي يدفعها دائماً لمعرفة تفاصيل الحدث، هي واعية بكل ما حدث، وواعية أيضاً بسبب خروجها من بلدها ولماذا تركت بيتها ومدرستها وغرفتها وكل تفاصيل حياتها لتلتحق بحياة جديدة، مهما كان نوعها ومهما حققت فيها من نجاحات، لن تنسيها طفولتها في بلادها التي صارت بعيدة".





المساهمون