نصير شمّة: أحلم بالعزف للفرح لا للموت والحروب

نصير شمّة: أحلم بالعزف للفرح لا للموت والحروب

28 سبتمبر 2016
شمة في مهرجانات بيت الدين (أنور عمرو/فرنس برس)
+ الخط -
لا يمكن للحديث مع نصير شمّة أن يقتصر على الموسيقى، بل ينتقل من العود إلى الأغاني، إلى الأوضاع في العالم العربي، وتحديداً في بلده العراق، وإلى الثورة السورية التي وقف بجانبها وبجانب مطالب السوريين المحقة.

آخر حفلاته في بيت الدين اللبنانية، عزف فيها إلى جانب اللبناني شربل روحانا، مع غناء الفنانة السورية لينا شماميان، هناك غنوا وعزفوا للوجع السوري ومختلف الدول العربية، وقبل أيام قليلة وبالتزامن مع اليوم العالمي للسلام، أطلق نصير شمّة حملة تدعو إلى السلام في بلده العراق. الحملة تتضمن نشاطات ترفيهية ورياضية وثقافية وموسيقية، اختتمت بإحيائه حفلا ضخما على خشبة المسرح الوطني في العاصمة العراقية بغداد. في ما يلي نقرأ حوارا مع الموسيقي العراقي الأشهر نصير شمّة حول الموسيقى والفن والسياسة. 


*قبل الموسيقى لنبدأ بالسياسة، ماذا تقول لحب اليوم، وللثورة السورية التي خذلها العالم كله؟

كنت قد قلت منذ بداية الثورة السورية النبيلة إن اقتلاع دكتاتورية الحكم العسكري والأمني في سورية لن يكون إلا بسنوات من الدم، لقد قلت هذا لأننا عرفنا صدام حسين. الآن وبعدما قدم السوريون أغلى تضحية يمكن أن يقدمها شعب في هذا العالم من أجل الحرية، لقد قدموا أولادهم، حياتهم، نسيجهم الاجتماعي، عشرة ملايين سوري مهجر الآن، مئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين، الآن وبعد تخاذل كل العالم، نجد أن الخسارة صارت فادحة جداً وقد نحتاج إلى مئة عام كي تعود الروح السورية الحقيقية وتتعافى. لا أدري ما الذي يمكن أن تحمله الكلمات وتستطيع الموسيقى أن تقوله عن الجرح السوري الذي ينزف منذ خمس سنوات كل يوم في روحي وفي وتري، الجرح الذي هو جرح ذاكرة الإنسانية، إن الوجع السوري يؤلم قلبي بمجرد الحديث عنه.


*هل تشعر بأنك قدمت موسيقياً ما يكفي للتضامن مع الشعب السوري ومع ثورته، خصوصاً أنك قدمت أكثر من مقطوعة أهديتها للشعب السوري الصامد منذ انطلاق الثورة، نذكر بينها مقطوعة "باب عمرو"؟

لا بالرغم من أنني قد عملت أربعة أعمال غنائية للثورة السورية وألفت ثلاث قطع موسيقية عن هذا الوجع العميق، لكني مازلت أعتقد أني لم أقدم ما يكفي، لم أوف هذا الجرح حقه وهذا لم يزل هاجسي الأول.

*هل تعتقد أنك ستؤلف شيئاً اسمه حدث في حلب، مثلما ألفت رائعتك حدث في العامرية؟

لا أدري، لقد حلمت بأن أكتب عن الفرح، كنت أتمنى أن أكتب موسيقى للإنسان أينما كان، لكن ما يحصل في سورية يعيد الى أوتاري موسيقى المجازر والفاجعة، موسيقى الموت الصاعدة من وجوه الأطفال الذين ذهبوا مبكراً جدا للقبور، لا أدري عن أية مدينة وأية مجزرة سأكتب مقطوعاتي المقبلة. المؤلم والقاتل هو أن تتعود يومياً حدوث المجزرة، أنا أخاف أن نعتاد المجزرة، وإعادة استحضارها بالموسيقى هو أكثر وجعاً، لذا فداخلي يؤجل الآن مواجهة هذا الوجع، ولكنه سيواجهه يوماً أنا واثق بذلك.

*لنترك حلب قليلاً ونسأل عن تجربتك أنت في التعاون مع الشاعرة السورية لينا الطيبي وكيف أثرت هذه العلاقة على اعمالك الفنية؟

لينا تملك صوفية وشاعرية وأناقة في المفردة، وأنا تأسرني الصوفية، لذا فأنا أحس أن تجربة لينا قد أثرت بكل نظرتي للموسيقى التي يمتلكها النص الشعري الحديث، وقد جعلني أفكر وأنجز ألحانا لقصائد نثرية وقد تم هذا أيضاً مع تجربة أمجد ناصر التي أيضا قد أثرت في روحي وفي موسيقاي وجعلت تلحين قصيدة النثر يشكل تحديا جديداً لي.


*ما الذي تعنيه الصوفية لنصير شمة ولماذا كل هذه العلاقة المميزة معها؟

لقد أعطى الفكر الصوفي بعداً إنسانياً شاملاً لعلاقة الإنسان بالكون، لعلاقته بالخالق، وللحب كأعلى قيمة وأعلى تجلّ، أعطاه بعداً يتجاوز الدين بحد ذاته، فقد تجاوزوه إلى فكر آخر، تجاوزوه إلى فكر مختلف تماماً إلى فكر منفتح مع الآخر، هذه الصورة التي عليه أن يعود لها الإنسان الآن، لقد تأثرت كثيراً بالحلاج و بالنفري وبابن عربي، تأثرت بأشعارهم وبالموسيقى الصوفية التي غنت بها هذه الأشعار، لذا فقد أقمت ثماني حفلات موسيقية خاصة لهم.

من هم الشعراء الذين أثروا عميقاً جداً في نصير شمة؟

الكثيرون أثروا في روحي وفي رؤيتي للحياة لكن أكثرهم كان الشاعر المصري أمل دنقل الذي أعتقد أنه لن يتكرر، هو مختلف تماماً عن بوصلة الشعر، ولم يأخل أمل دنقل حقه من الشعر ولا من الحياة وهذا ما يجرحني، كما أن محمود درويش ترك في داخلي زلزالاً عميقاً دائماً، أما السياب فقد كان شيئا ممتزجا بي بشكل غريب، لقد جعلتني محاولتي لتقديم رؤية موسيقية لنصوصه أكتشف في كل مرة عمقا جديدا للنص وفي كل مرة أكتشف في نفسي شيئا جديدا كأنه الضوء إلى داخلي.

*إذا عدنا لوجعنا السوري والعراقي والفلسطيني، هل تعتقد أن الموسيقى العربية المقبلة ستستطيع أن تنقل فعلاً انكسار قلوب السوريين والعراقيين والفلسطينيين المهجرين بنفس الطريقة؟

هناك عدد كبير جداً من الموسيقيين الذين يعيشون على الهامش، وهم غير قادرين لأن وعيهم لم يستطع أن يصور هذه المأساة، لأن حجم المأساة كان أكبر منهم، وبالتالي من الصعب جداً أن تطلب من أحد يفتقد العمق أن يعطيك شيئاً عميقاً وهاماً. لذلك سيبقى هذا المشروع حكراً على بعض الموسيقيين الذين أوتي لهم بأن يتمتعوا بموهبة مع ثقافة والذين سعوا أيضا بتطوير ثقافتهم وتطوير مهارتهم الموسيقية، والذين يستطيعون تحويل حقيقة إحساسهم ومعرفتهم إلى موسيقى، وهؤلاء أعتقد أنهم سيستطيعون ذلك حتماً، لأن حجم المجزرة البشرية السورية هو أكبر من أن تتحمله الروح. وهذا لابد أن يجعل من الموسيقى الطالعة منها بنفس القوة، ولكن قلت لك هذا يعتمد على ثقافة ووعي وتمكن الموسيقي الذي سيقدمها، أنا سأقدم يوما عملا عن الطفل عيلان الذي يمثل موت المستقبل العربي على وجهه هكذا مرميا. نعم لن يهدأ ما بداخلي حتى أستطيع أن أعيده موسيقياً.

المساهمون