مهرجان دبي السينمائي...بساطة الترفيه

مهرجان دبي السينمائي...بساطة الترفيه

09 ديسمبر 2016
سيتم تكريم الأميركي صامويل أل. جاكسون (العربي الجديد)
+ الخط -
لا تحتاج حفلات افتتاح "مهرجان دبي السينمائي الدولي" الدورة 13، عادةً، إلى أكثر من 40 دقيقة، لإعلان بدء دورة جديدة، لأن لمنظّمي دوراته السنوية قناعةً بأولوية السينما، وأهمية الصورة، ورغبة معظم الضيوف والمدعوين في المُشاهدة. ومع أن الاحتفال السابق للافتتاح، المتمثّل بـ"السجادة الحمراء" الممتدّة من مدخل مدينة أرينا إلى باب مسرحها الكبير، يمتلك مفرداته الدولية، فيُستَقبل النجوم، وتُجرى معهم حوارات إعلامية، وتُلتَقط لهم صُوَر فوتوغرافية، إلّا أن الافتتاح نفسه، داخل الصالة الكبيرة للمسرح (نحو 3000 مقعد)، لن يكون أكثر من تقديمٍ وتكريمٍ، يسبقان الإعلان الرسميّ ببدء دورة جديدة، تزخر بعناوين ونشاطات ولقاءات سينمائية، مثيرة للاهتمام والنقاش.

في مناخٍ كهذا، تُفتَتَح الدورة الـ 13 مساء 7 ديسمبر/ كانون الأول 2016. أضواءٌ وضيوفٌ قادمون إلى دبي من أنحاء مختلفة في العالم، واستعراضٌ راقصٌ مختَصَر ومُبسَّط، وكلمةٌ مقتضبةٌ لرئيس المهرجان ،عبد الحميد جمعة، وتكريمٌ لـ 3 عاملين في السينما الدولية، وعرضٌ لفيلمٍ أميركي صادم بجماليته السينمائية، في مقاربة جانب من أحوال أميركا، بعنوان "الآنسة سلون" (2016)، للإنكليزي جون مادن (1949).

ومع أن الدورة الجديدة تحمل رقماً يثير تشاؤم كثيرين، إلّا أن عبد الحميد جمعة يُحوِّله إلى لحظة تأمّل، هادئة ومختصرة، في أحوال مهرجانٍ، يُثبت مكانته الدولية بتفعيله برامج ولقاءات وحراكاً إنتاجياً، ويتقدّم بخطواتٍ مدروسة ودقيقة، باتّجاه مزيدٍ من الفعل الإبداعي والاقتصادي لصناعة سينمائية عربية، يُراد لها أن تعثر على منافذ أخرى للإنتاج، وعلى أدواتٍ عصرية للتعبير، وعلى استمرارية طرح الأسئلة كلّها في الاجتماع العربي. كما أن جمعة يتوقّف، ولو سريعاً، عند إحدى أبرز ركائز المهرجان، وهي "مبادرة إنجاز" التي تُساهم عملياً في تحقيق شيء أساسي من هذا كلّه، علماً أن الدورة الـ 13 تتضمّن 10 أفلام حاصلة على تمويل من المبادرة تلك.

وإذْ يؤكّد جمعة، في كلمته المعروضة المترجمة إلى الإنكليزية على الشاشة الكبيرة (وهذا لم يحدث سابقاً)، على أن منظّمي المهرجان ينظرون إلى الرقم 13 "من زاوية الحب والأمل"، فإنه يبني الدورة الجديدة هذه على 5 كلمات، يعتبرها أساسية: السينما والتسامح والسلام والابتكار والمستقبل.

تكمن إحدى السمات الإيجابية في حفلات افتتاح "مهرجان دبي السينمائي الدولي" في تكثيفها زمنياً، ما يؤدّي إلى تحرير الخطابات، القليلة أصلاً، من كلّ ثرثرة وإطالة. فالخطاب الأساسيّ يتفرّد به جمعة، والشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم يكتفي برعايته الحفلة، وبتسليم دروع التكريمات وشهاداتها إلى المُكرَّمين: بينما يُقدِّم المدير الفني، مسعود أمر الله آل علي، فيلم الافتتاح. كما أن المُكرَّمين أنفسهم، وهم الموسيقيّ اللبناني الفرنسي غبريال يارد، والممثلَان الهندية ريكّاه والأميركي صامويل أل. جاكسون، يختصرون كلماتهم بتحية المهرجان والإمارة، وبمحاولاتٍ لطيفة لإثارة بعض الضحك في مناسبة مُفرِحةٍ كهذه.

في الإطار نفسه، وبهدف عدم الوقوع في الثرثرة الكلامية والإطالة، يُقدَّم أعضاء لجان التحكيم في شريط بصري، بدلاً من دعوتهم إلى خشبة المسرح. وهذا جزءٌ من حيوية التنظيم ومفرداته المعتمدة منذ دورات قليلة سابقة. وهو مُنسحبٌ على المُكرَّمين أيضاً، وإنْ بشكل مختلف، فمع أن كلّ واحد منهم يُلقي كلمة مختصرة، إلّا أن أشرطةً تُعرَض على الشاشة الكبيرة، تتضمن مقتطفات من أفلامهم فقط (ريكّاه وجاكسون)، وشهادات عنهم، وحوارات معهم، بالإضافة إلى بعض أعمالهم (يارد).


لن يمنع امتلاء مسرح مدينة أرينا بالضيوف والمدعوين حلول صمتٍ مطلوبٍ أثناء عرض "الآنسة سلون". صمتٌ تفرضه مناسبةٌ كهذه، ويزيد فاعليتَه مضمونُ الفيلم، وآلية تحقيقه، وأسلوب مخرجه في تشييد عمارته الفنية، جاذباً مُشاهديه إلى أعماق صراعات تعرفها الحياة السياسية الأميركية، بفضائحها وعنفها ووحشية علاقاتها. وإذْ يختار جون مادن أساليب عمل "جماعات الضغط"، فإنه يُفكِّك شيئاً من أنماط الاشتغال السياسي، عبر أناس يعملون في جماعات كتلك، ومُطالبين بالتلاعب الانفعالي بالناس، لمواجهة مشروع قانون يَحدّ من انتشار الأسلحة الفردية في المجتمع الأميركي، في ظلّ تنامي حالات القتل والعنف في شرائح المجتمع، وبين فئاته المختلفة.

تُقام الدورة الـ 13 للمهرجان في لحظة تحوّل دولي خطر في مستويات العيش، كما في السياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام والثقافة. ومع أن "الآنسة سلون" مُنجَزٌ قبل وقتٍ على انتخاب الأميركيين رئيساً جديداً لهم، يُدعى دونالد ترامب، إلّا أن اختياره لافتتاح الدورة هذه يتلاءم مع الموقف السينمائي للمهرجان، والذي يتمثّل باهتمامٍ ملحوظ بنوعية سينمائية لا تُهادن على حساب الصورة، بل تضع الصورة في موضعها الفعلي: أن تكون مرآة راهنٍ، وأداة كشف وفضح.

وإذْ يُشدِّد منظّمو المهرجان على كونه "ملتقى للثقافات والإبداعات"، فإن الخيارات المُتّخذة في المسابقات (المهر الطويل، المهر الإماراتي، المهر الخليجي للأفلام القصيرة، والمهر القصير) والبرامج (ليالٍ عربية، سينما العالم، سينما الأطفال، واقع مختلف، الشاطئ)، تؤكّد توجّهاً ثقافياً وإنسانياً كهذا، وتسعى إلى نوعٍ من تساوٍ بين نتاجٍ عربيّ يحاول صانعوه استكمال مشروع "نهضته الإبداعية"، وأعمالٍ أجنبية تزداد اهتماماتها الجمالية والدرامية بأحوال الناس والبيئات المقيمين فيها، وبأشكالٍ تجديدية في مقاربة الحكايات، وتصوير الانفعالات.


المساهمون