النادل بالمغرب.. أقصى درجات الحرمان

النادل بالمغرب.. أقصى درجات الحرمان

05 فبراير 2015
نادل في مقهى بالمغرب (أرشيف/Getty)
+ الخط -

ما زال النادل خالد محمد، الأربعيني، يتذكر حكاية "با محماد"، ولا يكف عن سردها كلّما سئل عن حال تلك المهنة، ففي المقهى المحاذي لذلك الذي يعمل به هذا الشاب بالدار البيضاء، كان يعمل با محماد، قضى في ذلك المحل عشرين عاماً، إلى درجة اعتقد معها الكثير من الزبائن أنه مالك المقهى، فهو الآمر والناهي.

يصوّب خالد نظره في اتجاه المقهى الذي كان يعمل به با محماد، ويتابع: "في يوم من الأيام

حل مراقبون من صندوق الضمان الاجتماعي بالمقهى. توجهوا إلى صاحبه، وسألوه عن الوضعية القانونية للعاملين، فهم أتوا كي يحققوا حول التصريح بالعمال".

يتوقف خالد عن بوحه، ويتوجه إلى محدثه بالسؤال: "أتدري ماذا كان جواب صاحب المقهى؟". يصمت كأنه ينتظر الجواب، ثم يواصل: "لقد قال للمراقبين إن هؤلاء العمال التحقوا للتو بالمقهى من أجل العمل. صُعق با محماد وأصيب بانهيار عصبي ألزمه الفراش مدة من الزمن".

لقد عمل بامحماد في ذلك المقهى عشرين عاماً دون أن يحصل على تغطية اجتماعية تتيح له معاشاً يحفظ له كرامته وحقه في تغطية صحية تكفل له مواجهة أمراض الشيخوخة بعد الستين. لقد خذله صاحب المقهى بعدما أوهمه أنه أدخله في صندوق الضمان الاجتماعي.

يؤكد خالد أن حالة با محماد لا تشكل استثناء بين أهل تلك الحرفة. هو نفسه يعمل دون أن يكون مصرحاً عنه لدى الضمان الاجتماعي. لقد قضى في تلك المهنة عشر سنوات ولم يفكر يوماً في المطالبة بحقه في التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعندما تسأله عن سبب عدم مطالبته بحقه، يجيب: "إذا عمت هانت، فالسواد الأعظم من النُدُل يعملون خارج القانون. الحق عند صاحب الحق".

أما سفيان، الذي بلغ الخامسة والثلاثين من عمره، فقد راكم تجربة كبيرة في العمل بالمقاهي، حيث استهواه العمل في تلك الفضاءات منذ كان صغيراً، لكنه اليوم يتحدث بالكثير من المرارة عن السنوات التي أضاعها في تلك الحرفة. عندما بدأ يتقدم به العمر، شرع يفكر في نوع من الأمان المهني، أدرك أنه يعمل بدون عقد، وعندما فاتح مشغّله في الأمر، أشاح عنه بوجهه وخيّره بين العمل أو الطرد.

فلم يجد بُدّاً من الإذعان. هو يعزي نفسه بالتأكيد على أن "بين رزق خارج القانون والمطالبة بتطبيق القانون، لا مناص من القبول بالأمر الواقع".

سفيان يعرف كثيراً عن هذه المهنة، فقليل من أصحاب المقاهي مَن يحترمون القانون. يحرصون كثيراً على عدم تكريس العلاقة مع الندل عبر عقد عمل، فذلك العقد يفرض عليهم التزامات يتهربون منها، كأن يصرحوا عن العامل لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي واستفادته من العطلة الأسبوعية والسنوية وتمكينه من التعويضات عند التسريح أو الطرد.

لكن هناك من يحتال عبر اعتماد عقود لمدة محدودة. يوضح سفيان: "في الكثير من الأحيان يختار بعض أصحاب المقاهي عقوداً لمدة ستة أشهر، بعد ذلك يمكنه أن يتخلى عن النادل دون أن يسأل عن حقوقه أو يتابع أمام القضاء". تلك حيلة يلجأ إليها بعض أصحاب المقاهي الذين يعمدون إلى إبرام عقد عمل جديد مع النادل نفسه، وكأنه التحق بالعمل لأول مرة.

الحد الأدني للأجور حلم صعب المنال في مهنة النادل، فقد جرت العادة على أن يتلقوا أجوراً زهيدة، إلى درجة أنهم لا يتفاوضون حول الأجور مخافة أن تضيع منهم فرصة العمل، ما دام

الباحثون عن العمل كثيرون في السوق. فتلك الأجور تراوح في غالب الأحيان بين ستين دولاراً ومئة وعشرين دلاوراً شهرياً، أي نصف الحد الأدنى للأجر.

عندما تحدث النادل حسن، الذي خبر هذه المهنة ما ينوف عن خمسة عشرة عاماً، يبدي نوعاً من الجهل بذلك الأجر، هو يؤكد أن أجره لا يتعدى ثمانين دولاراً في الشهر في مقهى تدر على صاحبها حوالي مئة دولار في اليوم. يعمل حسن 12ساعة في اليوم كي يتقاضى ذلك الأجر.

هو يؤكد أن أصحاب المقاهي "يعتقدون أن الندل يجنون ما يفيض عن حاجتهم عبر "البقشيش". ذلك اعتقاد واهم، فالناس في هذا الحي الشعبي بالكاد يجدون ثمن فنجان قهوة. أنّى لهم ترف التفكير في بقشيش النادل".

يشعر ياسين، الثلاثيني، بأنه محظوظ لأنه تمكن من الإفلات من فخ العمل في المقاهي التي لا تحترم حقوق العاملين. لقد تمكن من العمل في مقهى ينتمي لسلسة عالمية. صحيح أن ساعات العمل طويلة، والضغط مرتفع، فالمسؤولون في تلك المقاهي لا يؤمنون سوى بالمردودية، لكنه سعيد بأجره الذي يتجاور الحد الأدنى للأجور بكثير وبالحقوق التي يتمتع بها. هو يعتبر أن حالته تشكل استثناءً في تلك المهنة التي لا أحد يأبه لحال ممارسيها.

دلالات

المساهمون