مصر: مدينة الأثاث الجديدة بدمياط تعاني من عزوف الحرفيين

مصر: مدينة الأثاث الجديدة في دمياط تعاني من عزوف الحرفيين

24 فبراير 2020
الحرفيون يفضلون ورشهم الصغيرة القريبة من بيوتهم (Getty)
+ الخط -
أنشأت مصر، مدينة متخصصة في صناعة الأثاث بمليارات الجنيهات، بالقرب من مصبّ النيل، لتكون نموذجاً لسلسلة من المدن الصناعية المتخصصة الضخمة التي تريد إقامتها في شتى أنحاء البلاد، لكن المدينة الوليدة قد تواجه صعوبة في تعميرها.

تقع "مدينة دمياط للأثاث" مترامية الأطراف، التي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في شهر ديسمبر/كانون الأول، على بعد عشرة كيلومترات خارج مدينة دمياط الساحلية، والتي ظلت، منذ أمد بعيد، مركزاً لصناعة وتجارة الأثاث في مصر، وكانت مزدهرة ذات يوم، لكنها تكابد المصاعب حاليا.

يهدف المشروع، الذي تكلّف 3.6 مليارات جنيه (230 مليون دولار) وغيره من المدن الصناعية المتخصصة المزمع تنفيذها، إلى تعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل تشتد الحاجة إليها، في بلد يعيش ثلث سكانه، البالغ عددهم 100 مليون نسمة، في فقر.

وقال باسم نبيل، الرئيس التنفيذي لشركة مدينة دمياط للأثاث "دمياط مدينة عظيمة في صناعة الأثاث، وحاجة متوارثة أبا عن جد، وهم بارعون جدا في صناعة الأثاث، والأثاث المصري الدمياطي يتصدر العالم كله. من هنا جاءت الفكرة في تجميع الصانعين وأصحاب الورش لزيادة الإنتاج والتصدير".

ورغم ذلك، بيعت 400 ورشة فقط حتى الآن، من بين 1400 ورشة مشيّدة في المدينة الجديدة.

وقال عثمان خليفة، وهو صاحب ورشة نجارة في أحد الأحياء القديمة بمدينة دمياط "الصنايعي من عندنا لن يذهب إلى تلك المدينة هناك.. يجب عليه كان نزل استشار البلد".

وتحدّث ستة على الأقل من الحرفيين إلى وكالة "رويترز"، قائلين إنهم لن ينتقلوا إلى المدينة الجديدة بسبب قرب ورشهم الحالية من منازلهم، والتكلفة العالية نسبيا للانتقال إلى المدينة الجديدة، نظرا لأن شراء ورشة هناك يتكلف 300 ألف جنيه تُسدد على عشر سنوات.



وقال نجار آخر، اشترط عدم نشر اسمه "ما الذي سنستفيده من هناك؟". لكن أسامة صالح، رئيس مجلس إدارة شركة أيادي للاستثمار والتنمية‭‭ ‬‬الحكومية التي تساهم في تمويل المشروع وإدارته، أشار إلى أن الوقت ما زال مبكرا للحكم على المشروع. 

وقال إن شركة مدينة الأثاث تأمل في بيع الألف ورشة المتبقية على مدى العامين المقبلين، وتوقع أن تخلق المدينة 100 ألف فرصة عمل في غضون أربع سنوات.

وأكد صالح، وهو أيضا رئيس مجلس إدارة مدينة الأثاث، أن "أي حاجة في أولها تبدأ بداية غير سريعة.. الناس تحب تجرّب وتعرف ماذا حدث مع من جاء قبلهم، لكن عايز أقول لك إن معدل التسارع أعلى بكثير". وأضاف أن المدينة تكفي لاستيعاب 157 مصنعا كبيرا أيضا.

"معندكمش حلم؟!"

"من الناحية الجمالية، شتان الفارق بين المدينة الجديدة ومناطق صناعة الأثاث التقليدية في دمياط، حيث تصطف الورش في حوار ضيقة مكتظة تقع في الأغلب تحت منازل أصحابها ويعمّها ضجيج المناشير والمخارط، فيما تتناثر النشارة ومخلفات الخشب في الأرجاء".

أما مدينة الأثاث فتمتد على مساحة 1.39 مليون متر مربع، وتضم ورشا إسمنتية مطلية باللونين البيج والبرتقالي، ويعلوها سقف هرمي الشكل من الألومنيوم.

وخلال حفل الافتتاح في ديسمبر/كانون الأول، عبّر السيسي عن دهشته إزاء ضعف الطلب على الورش.

وشهدت صناعة الأثاث في مصر تراجعاً على مدار 20 أو 30 عاما، بسبب عوامل، منها تغيّر الأذواق ودخول واردات أرخص من تركيا والصين إلى السوق، وكذلك انكماش الإنفاق الاستهلاكي.


وتساءل السيسي "ايه يا بتوع دمياط؟! معندكمش حلم؟! هي الناس بطلت تحلم ولا ايه؟!... اللى انتوا بتشفوه دا حلم انا حلمته من سنين طويلة فاتت".

وأضاف "كنت متصور الـ1300 أو الـ1400 ورشة اللى موجودة هيقولك دا احنا محتاجين ألفين كمان... حد يقولى أصل السوق مريح شوية واحنا في مشاكل.. لن تنتهى المشاكل".


وشدد على أن الدولة تبذل جهودا لحل هذه المشكلات. ورغم ذلك، ما زالت المدينة الصناعية غير عامرة بالعمال والصنّاع. 

وخلال زيارة للمدينة، لم ير مراسلو "رويترز" سوى عدد قليل من الورش تعمل بالفعل.

وقال صالح إن معظم الورش في المدينة القديمة، والبالغ عددها 30 ألف ورشة، ستبقى في أماكنها، في حين ستساعدها المدينة الجديدة بالمشورة والتدريب.

مدن صناعية

تحتاج مصر، وفقا لصندوق النقد الدولي، إلى استيعاب أكثر من 3.5 ملايين من الملتحقين الجدد بسوق العمل، على مدى الخمس سنوات المقبلة، بسبب عدد سكانها الآخذ في التنامي.

وللقيام بذلك، يقول بعض الاقتصاديين إنها بحاجة إلى تعزيز النمو إلى 7.5 بالمائة، مقارنة بمعدل بلغ 5.6 بالمنئة سجلته في النصف الثاني من 2019.

ومن خلال تشييد هذه المدينة الصناعية، تأمل الحكومة في دعم النمو، بإعادة الازدهار إلى صناعة الأثاث.

وكان صنّاع دمياط، التي تقع في شرق الدلتا على ساحل البحر المتوسط، الوجهة المفضلة لراغبي شراء الأثاث في مصر لعقود، بفضل شهرتهم في صناعة قطع مزخرفة ومطلية باللون الذهبي، تشبه في تصميمها قطع الأثاث الفرنسية التي تعود للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

وافتتحت مدينة الأثاث الجديدة بعد ثلاث سنوات من العمل، في وقت غير موات بالمرة، وبالتحديد قرب نهاية برنامج لصندوق النقد مدته ثلاث سنوات، تضمّن إجراءات تقشفية تسببت في استنزاف القدرة الشرائية للمستهلكين وأضعفت الطلب على الأثاث.

لكن الكثير يتوقف على مصيرها، فإن نجحت ستشكل نموذجا لسلسلة من المدن الصناعية التي تركز على صناعات مختلفة في محافظات مصر، حسبما يقول صالح.

وتابع أن "الدولة بدأت بهذا المشروع كنموذج يستخدم في باقي المحافظات. ندرس الميزة التنافسية في كل محافظة، وننظر كيف يمكن أن نستثمرها".


وأضاف صالح أن مدينة الأثاث "بعيدة، لكن ليست بعيدة جدا"، مشيرا إلى أنها "تقع بالقرب من ميناءين رئيسيين، ستقدم دعما فيما يتعلق بالتدريب والتسويق والنواحي الفنية للحرفيين وصناع الأثاث. كما ستضمن أيضا أن الشركات التي ستنتقل إلى هناك ستدفع ضرائب وتأمينا اجتماعيا للعمال".

تجارب فاشلة

لكن التاريخ المصري الحديث في هذا المضمار لا يوحي بالثقة، إذ يعج بالعديد من المحاولات غير المجدية لتشييد مدن صناعية أقيمت في الأغلب في الصحراء نتيجة اتخاذ قرارات فوقية من دون مشاورات تذكر مع رجال الأعمال والعمال الذين من المتوقع أن ينتقلوا إلى هناك.

ومن بين المناطق الصناعية التي تكابد الصعاب حاليا وادي التكنولوجيا الذي صُمم في 2014 لاستيعاب 400 ألف شخص في الصحراء، إلى الشرق من مدينة الإسماعيلية، لكنه ما زال خاويا بشكل كبير.

وهناك أيضاً مدينة الروبيكي للجلود التي أنشئت في 2015 في الصحراء، على بعد 55 كيلومترا إلى الشرق من الحي الواقع بوسط القاهرة، وكان ذات يوم حاضنا لصناعة الدباغة والجلود، إذ تقول تقارير إعلامية إن المدينة الجديدة شهدت بداية بطيئة.

لكن ديفيد سيمز، وهو خبير اقتصادي مقيم في القاهرة، يقول إن قرب مدينة الأثاث الجديدة من دمياط يمنحها فرصة أفضل للنجاح من بعض المدن الصناعية الأخرى. وقال "إنها بعيدة لكنها ليست بعيدة جدا. بُعد المسافة يشكل عقبة، لكنها ليست بالعقبة الكبيرة بالمقارنة بمدينة الجلود التي تقع على بعد 55 كيلومترا".

(الدولار= 15.6 جنيها مصريا)


(رويترز)

المساهمون