شطب الأصفار الإيرانية... العقوبات الأميركية تُنهي رحلة الريال

شطب الأصفار الإيرانية... العقوبات الأميركية تُنهي رحلة الريال

01 اغسطس 2019
شطب الأصفار غير مؤثر في القيمة الشرائية (فرانس برس)
+ الخط -

بفعل الضغوط الأميركية الهائلة على إيران، نظاماً وشعباً، تتخبّط حكومة الرئيس حسن روحاني في خياراتها البديلة على مستويات متعدّدة، ووجدت نفسها أمام الخيار الصعب الذي لا تتخذه الدول عادة إلا في المآزق الشديدة: شطب 4 أصفار من عملتها، في تدبير لا يعدو كونه شكلياً معنوياً لا أثر له عملياً في القوّة الشرائية، وإنهاء رحلة عملتها الوطنية، الريال، تماماً، واستبدالها بالتومان الذي يعادل 10 آلاف ريال.

قرار الحكومة يوم الأربعاء صدر بعدما تراجع الريال إلى مستويات قياسية نتيجة العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إثر انسحابه من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018، خصوصاً على صادرات النفط والنظامين المصرفي والمالي، والذي تسعى طهران مع الإمارات إلى محاولة احتوائه بتعاون ثنائي تبلور بلقاءات علنية بين بعض مسؤولي البلدين هذا الأسبوع.

التلفزيون الإيراني كان أول من كشف، الأربعاء، أن الحكومة صادقت على مشروع اقترحه المصرف المركزي بشأن استبدال العملة بالتومان وشطب 4 أصفار منها، فيما أكد المتحدث باسمها، علي ربيعي، أنها وافقت على الخطوط العريضة لمشروع المصرف المركزي، قائلاً إن مجلس الوزراء سيخوض في التفاصيل خلال جلساته المقبلة، موضحاً أن الحكومة "ستسعى إلى إقرار هذه اللائحة في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) سريعاً".
وعلى وقع ارتدادات العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني طيلة العقد الأخير، وارتفاع وتيرتها بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في أيار/مايو من عام 2018، عاد موضوع شطب الأصفار من العملة الإيرانية إلى الواجهة مجدداً، كحل لمواجهة المشكلات الاقتصادية المتصاعدة، إذ كشف محافظ البنك المركزي، عبدالناصر همّتي، في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد 5 أشهر من توليه المنصب، أنه قدّم "لائحة إصلاح النظام النقدي" للحكومة، يتضمن شطب 4 أصفار من الريال، وتحديد عملة جديدة، مع إعادة النظر في الأوراق النقدية والمسكوكات الذهبية، علماً أنه قبل أن تُقرّ الحكومة المشروع الجديد خضع لنقاش لأشهر في اللجنة الاقتصادية التابعة لمجلس الوزراء.

آلية الانتقال إلى التومان

بحسب مشروع البنك المركزي، يساوي كل تومان 10 آلاف ريال بعد شطب 4 أصفار من العملة الجديدة، بغية تسهيل المبادلات النقدية الداخلية، وتخفيض تكاليف إصدار العملات الورقية والمسكوكات، وضمان استمرار فاعلية النظام النقدي الجديد خلال السنوات المقبلة، ورفع اعتبار وقيمة العملة الوطنية مقابل العملات العالمية.

واقترح البنك المركزي 24 شهراً المدة القانونية للفترة الانتقالية من الريال إلى التومان، لتُجمع خلالها الأوراق النقدية والمسكوكات القديمة ويتم استبدالها بالعملة الجديدة. وبعد بدء سريان القانون رسمياً، تحل عملة التومان محل الريال في جميع القوانين الخاصة والعامة السارية كالعملة الرسمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتتحوّل إلى محوّل أسعار صرف العملات.

كما يجب تسجيل المبالغ المالية الجديدة في كافة الوثائق والصفقات والاتفاقيات على أساس التومان، ومحاسبة الأرقام المالية المسجلة بالريال قبل تاريخ سريان القانون الجديد، على أساس التومان.
ولا يستخدم الإيرانيون عملة الريال في معاملاتهم اليومية منذ عقود مديدة، فالتومان هو عملتهم العُرفية المستخدمة منذ أن حوّل مؤسس الدولة البهلوية "رضا شاه" العملة من التومان إلى الريال عام 1929. وهم يفضلون التومان على الريال لكثرة أصفار هذا الأخير، فيشطبون صفراً واحداً تلقائياً لتتحوّل العملة إلى التومان، لتصبح الـ100 ريال 10 تومان، مثلاً.

في السياق، يقول محافظ البنك المركزي الإيراني السابق، ولي الله سيف، إن تداول "التومان" كعملة وطنية للدولة يسهّل المعاملات الاقتصادية، مضيفاً أنه "منذ أن بدأ استخدام الريال في النظام النقدي والمصرفي، خاصة طيلة العقود الماضية، قد شُطب عملياً من المبادلات الاقتصادية بسبب التضخّم المتراكم وحلّ التومان محله، لذلك فإن الانتقال إلى التومان يشكل خطوة لتسهيل هذه المبادلات نسبياً".

دوافع القرار الجديد

أرجع البنك المركزي في مشروع "إصلاح النظام النقدي" إلى أسباب عدة هي: التضخم الفاحش، تراجع القدرة الشرائية، تزايد ملحوظ في كميات النقد المتداول، استخدام أعداد كبيرة في المبادلات الصغيرة اليومية والمشكلات المحاسبية الناتجة منها، خروج المسكوكات من المبادلات الاقتصادية، تراجع اعتبار العملة الوطنية بالمقارنة مع العملات الأجنبية، وعدم استخدام اسم العملة الوطنية (الريال) في المعاملات اليومية واستبدالها بمصطلح "تومان" غير الرسمي.

الموقع الإعلامي للحكومة الإيرانية كان أفاد في 16 يوليو/تموز الجاري، بأنه "نظراً للتحولات الاقتصادية خلال العقود الأخيرة، من الضروري تعديل النظام النقدي للدولة واستعادة مكانة الأوراق النقدية والمسكوكات في المعاملات النقدية بين الناس".
وأضاف، في تقرير، أن "مؤشر أسعار المستهلك (السلع والخدمات) وصل من 0.056 عام 1971 وارتفع إلى 153.6 سنة 2018 (أي أنه تضاعف 2743 مرة)، في حين أن أكبر ورقة نقدية (إيران جك) لم يتم تعديلها خلال هذه الفترة بما يتناسب مع نسبة التضخم، بحيث ارتفعت من 10 آلاف إلى 500 ألف ريال، أي 50 ضعفاً فقط، الأمر الذي أدى إلى تراجع فاعلية العملة الوطنية في المبادلات الجارية بين النشطاء الاقتصاديين.