لماذا لا تثور الشعوب؟

لماذا لا تثور الشعوب؟

23 ابريل 2019
تعاني الدول العربية من عجز تجاري بحبوب القمح(فرانس برس)
+ الخط -
ارتفع عدد العرب الذين يعانون من سوء التغذية الناتج من نقص التغذية للسنة الثالثة إلى 52 مليون إنسان وبما يوازي 14% من سكان المنطقة، وبزيادة 20% عما كان عليه الوضع في 2016، وهو العدد الأعلى خلال العشر سنوات الماضية، والذي يزيد عن المعدل العالمي الحالي وهو 11% من تعداد سكان العالم.

ووصف التقرير الذي صدر بالاشتراك بين منظمة الأغذية والزراعة، فاو، التابعة للأمم المتحدة، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، الإسكوا، في نهاية 2018 تحت عنوان "الأفق العربي 2030: آفاق تعزيز الأمن الغذائي العربي" هؤلاء الذين يعانون من نقص التغذية في المنطقة العربية بـ "الجياع".

تختلف أعراض نقص التغذية باختلاف الجنس والفئة العمرية للسكان، إذ إنه يسبب الأنيميا للأطفال والنساء الحوامل والمرضعات والمسنين، والإجهاد لدى البالغين، وانخفاض الإنتاجية وزيادة أيام الانقطاع عن العمل لدواعي المرض لدى الأفراد العاملين.

ويمثل تراجع النمو و"التقزم" وتخلف التحصيل الدراسي عند الأطفال الصغار الوجه القبيح للجوع والذي يهدد الأمة ويضرب مستقبلها. وبذلك، تتجاوز الكلفة الاقتصادية للمخاطر الصحية الناشئة عن نقص التغذية تكلفة توفير الأغذية للسكان من البداية.
فجوة غذائية
تعاني دول المنطقة بلا استثناء من فجوة غذائية متنامية بين صادرات وواردات المنتجات الغذائية والحيوانية، وصلت إلى 75 مليار دولار في 2013. فهي تستورد 55% من احتياجاتها من القمح، و70% من السكر، و60% من الزيوت النباتية، و45% من البقوليات، و34% من اللحوم البيضاء. وتستورد 90% من مكونات صناعة الدواجن، و25% من الألبان، و20% من اللحوم. وتستورد غالبية دول المنطقة أكثر من نصف احتياجاتها من الطعام بإجمالي 60 مليار دولار.

وتعاني الدول العربية من عجز تجاري في حبوب القمح، وهي مادة إنتاج الخبز الذي يمثل السلعة الرئيسية في سلة الأغذية العربية، تجاوزت قيمته 30 مليار دولار. وبحسب آخر إحصاء صادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية، تراجع إنتاج القمح، وبلغت نسبة الاكتفاء الذاتي منه على مستوى الدول العربية نحو 42%. والقمح هو أهم مكونات سلة الحبوب والمادة الأساسية لصناعة الخبز والذي كان نقصه سبب رئيس في اندلاع ثورات الربيع.

وبلغت واردات سبع دول عربية فقط من القمح أكثر من 40 مليون طن في 2017، بما يعادل 27% من المتاح للتجارة العالمية. أربع منها اندلعت فيها ثورات ضمن الربيع العربي بسبب شح الخبز وغلاء الغذاء وهي مصر واليمن والجزائر والسودان، والثلاث الباقية ليست أفضل حالاً وهي المغرب والسعودية والعراق.
إلغاء دعم المزارعين
شح الاستثمار في مجال الزراعة، والتساهل في استيراد الأغذية الزراعية بدلًا من استيراد التكنولوجيا الزراعية وتوطينها، وتشجيع الاستيراد ورفع القيود الجمركية بدلًا من حماية المنتج الوطني، بعكس ما تفعله حكومات الدول الغنية والفقيرة، أدت إلى تراجع الإنتاج الزراعي وتخلفه عن المعدلات العالمية.

وتبلّدت الحكومات العربية وأوقفت دعم المزارعين وتوفير تقاوٍ عالية الإنتاج والأسمدة، وأهملت البحوث الزراعية والإرشاد ما فاقم أزمة إنتاج الغذاء. وعجز الإنتاج الزراعي المتخلف عن مواكبة الزيادة السكانية في منطقة تعرف بمعدلات الخصوبة المرتفعة، وارتفعت أسعار الغذاء واختفت سلع أساسية مثل الخبز والأرز والسكر من عواصم عربية كبيرة وزاد عدد الجياع.

في مصر، ألغى الجنرال السيسي ميزانية دعم إنتاج القمح، وتشتريه الحكومة من المزارعين بأسعار تقل عن مثيله في الجودة في السوق الدولية، وأصبح مزارع القمح هو من يدعم الحكومة وليس العكس، حتى ترك المزارعون زراعته، وتراجعت المساحة والإنتاجية، وانخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من 70% في عهد د. محمد مرسي، إلى 35% في 2018.

وتربعت مصر على مقعد أكبر مستورد للقمح في العالم، بمعدل 12.5 مليون طن. ومن سنة إلى أخرى، تتزايد الفجوة الغذائية من القمح في مصر بمعدل 350 ألف طن سنويًا، وهو ما يوازي 2.8% من الواردات.

وفي الجزائر، لم تتجاوز الميزانية التي خصصتها الحكومة لدعم الإنتاج الزراعي 254 مليار دينار (2.3 مليار دولار) خلال سنة 2016، ثم قلصتها إلى 212 مليار دينار (1.9 مليار دولار) في 2017، ما يفسر استيراد الجزائر أكثر من ثُلثي احتياجاتها من القمح ونصف احتياجاتها من الأغذية من الأسواق الدولية.

وبسبب هذه السياسة، حلت الجزائر كثالث أكبر مستورد في العالم بإجمالي 7.5 ملايين طن، وفق تقرير صادر عن وزارة الزراعة الأميركية.

وفي السودان، رفعت جامعة الدول العربية شعار "السودان سلة غذاء الوطن العربي"، لكن الشعارات الجوفاء لا تغير الواقع المرير إذا لم تصدر عن إرادة سياسية صادقة وتُرصَد لها استثمارات جادة وخطط متكاملة. ولا يزال أمين عام الجامعة، أحمد أبو الغيط، يهاجم ثورات الربيع العربي ويعتبرها السبب في ما تعانيه الشعوب من جوع وفقر، وليس سياسات الإفقار التي ينتهجها الزعماء العرب خلال أكثر من نصف قرن.

وبخلت السعودية والإمارات بتمويل خطط الحكومة السودانية لتحقيق الأمن الغذائي وتوفير الوقود، وهي التي تشاركهما بجيشها في حرب اليمن. واختفى الخبز من مخابز الخرطوم العاصمة واندلعت الثورة الشعبية في وجه النظام الذي سقط يوم أن عجز نظامه عن توفير الخبز كما فشل في بناء الديمقراطية.

ومن العجيب أن السعودية التي حققت الاكتفاء الذاتي من القمح لثلاثة عقود منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ودخلت نادي مصدري القمح بفضل سياسات دعم شراء القمح من المزارعين بأسعار تحفيزية وأصبحت حجة على حكومات تدعي استحالة الاكتفاء الذاتي، وضعت خطة في 2008 لخفض إنتاجها المحلي بنسبة 12.5% سنويا حتى تعتمد كليا على الواردات في 2015 بحجة توفير المياه لزراعة محاصيل العلف وهي التي تستهلك مياها أكثر من القمح نفسه!
وفي 2016، أعلنت المؤسسة العامة للحبوب عن انضمامها لنادي الدول البائسة باستيراد كل احتياجات المملكة من القمح بنسبة 100 في المائة، وبلغت وارداتها 3.1 ملايين طن، وزادت إلى 3.4 ملايين طن في 2018. وبذلك خضعت السعودية لسياسة القمح مقابل البترول أو السلاح الأخضر مقابل سلاح البترول، التي أسس لها السياسي الأميركي المخضرم، هنري كسينجر، بعد حرب 1973.
علاج الجوع العربي
وضع نهاية للجوع وسوء التغذية في المنطقة العربية ممكن، وليس من المستحيلات، بشرط أن تتوفر الإرادة السياسية عند رأس الدولة، وتنفك من فلك التبعية والارتهان للدول المتحكمة في تكنولوجيا إنتاج الغذاء والشركات العابرة للقارات ومافيا الاستيراد ورجال الأعمال المتزاوجين بالسلطة والمتاجرين بقوت الشعب.

زيادة إنتاج الغذاء في المنطقة العربية بنسبة 50% عن المعدلات الحالية ممكنة من خلال استثمار 5 مليارات دولار فقط في مجال تكنولوجيا البذور عالية الإنتاج. ومن المؤسف أن الدول العربية النفطية تستثمر 6 تريليونات دولار في دول غير عربية، في حين لا تزيد حصة استثمارات هذه الدول في قطاع الزراعة العربية على 0.3%، ما يفسر تخلف الإنتاج الغذائي وتوطن الجوع في المنطقة.

يقول مدير عام منظمة الفاو، جوزيه غرازيانو دا سيلفا، إن القضاء على الجوع في المنطقة العربية يتطلب أولًا: الإرادة السياسية المستقلة، ثانيًا: إنهاء النزاعات في المنطقة، ثالثًا: بناء نظم دعم صغار المزارعين، رابعًا: توفير الإرشاد الزراعي والتقاوي المحسنة والأسمدة، خامسًا: توفير التكنولوجيا الزراعية.

إنها إدانة من مدير المنظمة لسياسات الإفقار والتجويع التي يتبناها الزعماء العرب الذين يقصرون عن عمد في دعم الزراعة في بلادهم، ويشجعون الاستيراد من الدول الداعمة لكراسي حكمهم على حساب الاستقلال السياسي والاكتفاء الذاتي من الغذاء.

 

دلالات

المساهمون