موازنة الجزائر الجديدة... امتداد للسنوات العجاف

موازنة الجزائر الجديدة... امتداد للسنوات العجاف

13 سبتمبر 2018
تصاعد معاناة الجزائريين المعيشية خلال الفترة الأخيرة (فرانس برس)
+ الخط -
أظهرت مسودة الموازنة العامة الجزائرية للسنة المقبلة تشاؤماً غير مسبوق، فالأرقام التي قدمتها حكومة رئيس الوزراء أحمد أويحيى تنبئ بسنة صعبة، تعدّ استمراراً لسنوات "عجاف" يعيشها الجزائريون وقد تتواصل في المستقبل، بسبب استمرار انخفاض عائدات النفط وارتفاع فاتورة الواردات، ما يؤدي إلى استمرار نزيف الاحتياطي النقدي.
وقررت الحكومة الجزائرية بداية من العام المقبل العودة إلى سياسة ترشيد النفقات وضبط الإنفاق العام، بعد الزيادة الكبيرة للنفقات هذه السنة والمقدر ارتفاعها بـ21% مقارنة بالعام الماضي، حسب تقديرات وزارة المالية.

وحسب مسودة مشروع الموازنة العامة الجديدة للعام المقبل، سينخفض الإنفاق العام إلى حدود 8500 مليار دينار (75 مليار دولار)، مقابل 8650 مليار دينار هذه السنة (76.5 مليار دولار)، ما يعني تراجعا بنسبة 1.5% وما يعادل 150 مليار دينار، وبذلك رأت الحكومة تأجيل قرار خفض الإنفاق بشكل أكبر إلى عامي 2020 و2021، وهي السنة التي حددتها الحكومة الجزائرية لبلوغ التوازن المالي.
قرار خفض النفقات ما كان ليتخذ من دون موافقة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي طالب بتقليل العجز والحد من الأزمة المالية التي تواجه البلاد، حسب مراقبين.

وحسب الخبير المالي فرحات علي، فإن "قرار التوسع في الإنفاق الذي سلكته حكومة أويحيى، كان معاكسا للاستراتيجية التي رسمتها حكومة سلفه عبد المالك سلال، والتي باشرت في سياسة خفض الإنفاق لمواجهة توسع عجز الميزانية منذ 2015، ولكن يبدو أن هذا التوجه لن يستمرا طويلا مع قرار حكومة أويحيى العودة إلى سياسة ترشيد الإنفاق والتمسك بالانضباط المالي".
وقال الخبير المالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "العودة نحو ضبط الإنفاق العام تنبأت بها تقارير صادرة عن هيئات مالية دولية، حيث أشار تقرير صادر عن البنك الدولي في إبريل/ نيسان الماضي، إلى أن الحكومة الجزائرية ستواجه صعوبات للحفاظ على مستوى مرتفع من النفقات".

ويضيف "ستكون الحكومة الجزائرية مضطرة لمواجهة إشكالية أخرى، تضاف إلى الدين الداخلي المتراكم، وهي توفير العملة الصعبة لتغطية فاتورة الإيرادات، وهنا تجد الحكومة نفسها أمام حل واحد ووحيد وهو استنزاف احتياطي الصرف لتغطية طلبات الجزائريين".
وقد تكون هذه الاستراتيجية بمثابة سياسة الهروب إلى الأمام وتنذر بتآكل متسارع لاحتياطيات النقد الأجنبي، كما يؤكد فرحان علي، فحسب أرقام الحكومة للسنة القادمة والسنتين اللتين تتبعانها فإن عجز الميزان التجاري سيكون في حدود 17.2 مليار دولار في عام 2019، و14.2 مليارا في عام 2020، ثم 14 مليارا في 2021، ما ينذر باستنزاف متواصل لاحتياطي الصرف الذي بلغ 90 مليار دولار في نهاية مايو/ أيار الماضي.

وفي هذا السياق، يقول أستاذ الاقتصاد النقدي بجامعة الجزائر، عبد الرحمن عية، لـ"العربي الجديد"، إن "تواصل تهاوي احتياطي الصرف حسب الوتيرة التي توقعتها الحكومة، يعني أن الاحتياطي سينفد سنة 2022، وهذا خطر، لأننا لن نجد ما نغطي به فاتورة الواردات".
وحسب عية، فإن "الحكومة سترسم العودة إلى الاستدانة الخارجية بعد 2019 لتغطية الواردات على الأقل، إلا أن الإشكال الذي سيطرح هو من سيقرض الجزائر التي ترهن حقول النفط التي لم تعد تغري الدائنين اليوم؟".
وتظهر توقعات الحكومة الجزائرية للسنوات المقبلة التي جاءت بها موازنة 2019، بداية انحسار هامش المناورة بالنسبة للحكومة، التي نجحت في تسيير الأزمة المالية منذ بدايتها منتصف 2014، بالاعتماد على احتياطي الصرف الذي كان عند 190 مليار دولار قبل أربع سنوات، وتجميد الاستيراد ورفع الضغط الضريبي، بالإضافة إلى الاعتماد منذ نهاية السنة الماضية على آلية "التمويل غير التقليدي" التي سمحت للبنك المركزي الجزائري بطباعة أكثر من 20 مليار دولار وإقراضها للخزينة العمومية، إلا أن هذه الحلول بلغت أقصى ما يمكن بلوغه في تفادي هزات الأزمة المالية.

واللافت أن إقرار الحكومة بدخول البلاد "المنطقة الحمراء" يتزامن مع استحقاقات سياسية مهمة تنتظر الجزائر السنة القادمة، منها الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر إبريل/ نيسان، ما جعلها تتراجع عن إلغاء الدعم المباشر للأسعار والخدمات الذي كان مقررا سنة 2019، بل رفعت ميزانية الدعم إلى 16 مليار دولار مقابل 15 مليارا السنة الحالية، في خطوة اعتبرها الخبراء محاولة لعدم استفزاز الشارع قبل موعد سياسي مهم ومؤثر في مستقبل البلاد، خاصة في ظل ضبابية المشهد بفعل عدم فصل بوتفليقة في ترشحه لولاية رئاسية خامسة من عدمه.

ويرى عبد الرحمن بن خالفة، وزير المالية الأسبق (2015 - 2016)، ورئيس جمعية البنوك سابقا، أن "سنة 2019 هي سنة العبور السياسي والاقتصادي بامتياز، وبالتالي نجد أن الحكومة فضلت استعمال خطاب الصراحة، بوضع توقعات متشائمة، تنبئ بوصول (السكين إلى العظام) كما يقول المثل الجزائري".
وأضاف بن خالفة، لـ"العربي الجديد"، أن "السنوات العجاف قد تكون حقيقة وهي الأقرب إلى الحدوث، إلا أن التوقعات في الأسواق الدولية تشير إلى إمكانية ارتفاع أسعار النفط، ما قد يوسع هامش المناورة مستقبلا".


المساهمون