مصر... بلاد الأرز تتحول للاستيراد خوفاً من نضوب المياه

مصر... بلاد الأرز تتحول إلى الاستيراد خوفاً من الاحتكار ونضوب المياه

24 يوليو 2018
+ الخط -

فتحت الحكومة المصرية باب استيراد الأرز من الخارج بعد عقود من الإنتاج والاكتفاء الذاتي للسلعة الأبرز محلياً وعالمياً إلى جانب القمح، وبينما رحب تجار ومستهلكون بمساعي الحكومة لاستيراد الأرز، تخوفا من الاحتكار وزيادة الأسعار، انتاب المزارعين خوف من القضاء على زراعة الأرز في البلاد.

ويعيش المستهلكون في ظل قلق من ارتفاع الأسعار بسبب تكلفة الاستيراد، في حين تخوف خبراء اقتصاد من انعكاسات القرار على سوق الصرف والاحتياطي الأجنبي والميزان التجاري، حيث سيزيد الضغط على النقد الأجنبي لأغراض استيراد الأرز.


تدمير الزراعة


رفض نقيب الفلاحين المصريين حسين عبدالرحمن أبو صدام، قرار السماح باستيراد الأرز، مؤكدا أن اتجاه الحكومة لاستيراد الأرز بعدما كانت مصر تصدره للخارج، نكسة.

وأشار في بيان أصدره في وقت سابق إلى أن "حيتان الاستيراد" يحركون مركب الحكومة نحو الغرق، مؤكداً وجود بدائل أخرى عن الاستيراد منها ما يعرف بالأرز الجاف، وهو صنف مستحدث من أصناف الأرز يُسقى كل خمسة عشر يومًا، وينضج مبكرًا في غضون 120 يومًا.

وحذر نقيب الفلاحين من أن "استيراد الأرز من الخارج يعد بداية لتدمير زراعة هذا المحصول الحيوي في مصر". وأضاف في تصريحات صحافية مؤخرا، أن مصر كانت تصدر الأرز للخارج حتى العام الماضي، لكن بعد قرار تقليص مساحة زراعة الأرز أصبحت دولة مستوردة للأرز.

ووافق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في 8 يوليو/تموز الجاري، على السماح باستيراد الأرز.

وكانت مصر تنتج من الأرز 4.5 ملايين طن سنويا، تستهلك منها 3.5 ملايين، والباقي يتم تصديره، لكن الإنتاج سيقل مع تقليص المساحات المزروعة بهذا المحصول، وفق وزارة الزراعة.


ويعد الأرز من السلع الغذائية الأساسية للمصريين مثل الخبز تماما؛ لذلك تضعه الحكومة ضمن السلع التموينية المدعمة.

ومطلع مايو/أيار الماضي، أقر البرلمان المصري، بشكل نهائي، تعديلات قدمتها الحكومة لبعض أحكام قانون الزراعة، بما يمنح وزيري الزراعة والري سلطة إصدار قرار بحظر زراعة محاصيل حسب استهلاكها للمياه.

وأصدرت الحكومة المصرية بالتزامن مع التعديلات القانونية، قرارا يسمح بزراعة 724 ألف فدان من الأرز، الذي بدأت زراعته مطلع مايو/أيار الماضي مقابل 1.8 مليون فدان في 2017.

وتأتي تلك القرارات في وقت تتخوف فيه مصر من تداعيات سد "النهضة" الإثيوبي (قيد الإنشاء)، وأن يكون لسرعة ملء خزانه آثار مدمرة على المزارعين المصريين، خشية أن يقلل من حصتها من نهر النيل (55.5 مليار متر مكعب سنويا)، مصدر المياه الرئيسي في البلاد.


مشاكل غذائية


حذر خبراء اقتصاد من مخاطر تقليص المساحة المزروعة بالأرز، والتوجه إلى استيراده، ومن بين هؤلاء الباحث والمحلل الاقتصادي، أشرف إبراهيم، الذي قال إن الحكومة "ترى استيراد الأرز من الخارج، أرخص من زراعته محليا، لكن هذا الوضع خطير ويضع الدولة في مأزق كبير".

وأوضح: "اعتماد الاقتصاد على استيراد الغذاء الأساسي يجعله عرضة لتقلبات أسعار الغذاء العالمية، كما أن الطقس السيئ عند بعض الدول سيؤثر سلبا على إمدادات الغذاء لضعف الإنتاج وبالتالي ارتفاع أسعاره".

وأبدى إبراهيم تخوفه من أن الاعتماد على استيراد الغذاء الأساسي "يضع ضغوطا على موارد النقد الأجنبي للدولة، لا سيما مع مصر التي تعاني من محدودية العملات الصعبة".

ورأى أن "استهلاك الأرز للمياه كان يمكن السيطرة عليه من خلال الاستعانة بالمراكز البحثية الزراعية في جميع الجامعات والمعاهد والمؤسسات المصرية، من أجل إنتاج سلالات أقل استهلاكا للمياه".

ومنذ الأزل، يعتمد المصريون على نهر النيل في زراعة المحاصيل المختلفة، وفي 10 يوليو/ تموز 2017، حظرت الحكومة المصرية تصدير الأرز إلى الخارج، وذلك للموسم الثاني على التوالي، لحين تأمين احتياجات السوق المحلية.


قرار جريء

في المقابل، أشادت أطراف قريبة من الحكومة بقرار السماح باستيراد الأرز، وقال رئيس شعبة الأرز باتحاد الصناعات المصرية (تشرف عليه وزارة التجارة والصناعة)، رجب شحاته، إن "الرئيس فاجأ الجميع بالقرار الجريء بفتح باب الاستيراد الذي نبحث عنه منذ 2008".

وأوضح أن قرار استيراد مصر الأرز من الخارج يهدف إلى "ضبط الأسواق ومنع رفع الأسعار"، واصفا هذا القرار بأنه "هام لعمل التوازن المطلوب".

ولفت إلى أن حجم محصول الأرز المقرر بدء حصاده من الشهر الجاري، يكفي حاجة السوق المحلية بنسبة 90%، والكميات المتوقع استيرادها من الأرز لا تتجاوز 500 ألف طن.


وأشار إلى أن مصر يمكن أن تستورد الأرز من عدة دول تضم تايلاند والهند وروسيا والولايات المتحدة والبرازيل وميانمار.

وتوقع وزير التموين والتجارة الداخلية المصري علي المصيلحي، الأسبوع الماضي أن تستورد بلاده ما بين 500 و700 ألف طن من الأرز، لتوفير احتياجات السوق المحلية، في بيانات تتخطى الكثير من التوقعات حول الكميات المنتظر استيرادها، بعد أن قررت الحكومة تقليص المساحات المزروعة بهذا المحصول بأكثر من النصف.

وقال المصيلحي في تصريحات صحافية، إن الوزارة بصدد الإعلان عن ضوابط استيراد الأرز، خلال ثلاثة أشهر، عقب تحديد الدول التي يسمح بالاستيراد منها.

وفي مطلع مايو/أيار الماضي قال المصيلحي، إن الاحتياطي الاستراتيجي من الأرز يكفي البلاد حتى ديسمبر/كانون الأول 2018.

واعتبر عضو لجنة الزراعة في البرلمان، عبد الحميد الدمرداش، أنه "لا بديل عن استيراد الأرز من الخارج في ظل تقليص المساحة المزورعة به".

وأضاف الدمرداش، في تصريحات تلفزيونية قبل أيام، أن "فتح باب الاستيراد بجانب الإنتاج المحلي سيخلق توازنا في سعر الأرز".

وتجاهل فلاحون مصريون في دلتا النيل (شمال) لسنوات طويلة قيودا على الزراعة، تهدف إلى ادخار المياه، واستمروا في زراعة الأرز، لكن تغليظ العقوبة للحبس يوشك أن يغير هذا الوضع، وفقا لمراقبين.

وكان "العربي الجديد" قد استعرض رحلة الأرز المصري من التصدير إلى التهريب ثم الاستيراد منذ 2013 وحتى 2018 في الفيديوغراف التالي:



(العربي الجديد، الأناضول)

ذات صلة

الصورة
الدرس انتهى لموا الكراريس

منوعات

أحيا مصريون وعرب على مواقع التواصل الذكرى الـ54 لمذبحة مدرسة بحر البقر التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي يوم 8 إبريل/نيسان عام 1970 في مدينة الحسينية.
الصورة
المؤرخ أيمن فؤاد سيد (العربي الجديد)

منوعات

في حواره مع " العربي الجديد"، يقول المؤرخ أيمن فؤاد سيد إنه لا يستريح ولا يستكين أمام الآراء الشائعة، يبحث في ما قد قتل بحثاً لينتهي إلى خلاصات جديدة
الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.
الصورة

سياسة

نقلت وكالة "رويترز"، اليوم الجمعة، عن أربعة مصادر أن مصر بدأت تمهيد منطقة على الحدود مع قطاع غزة يمكن استخدامها لإيواء لاجئين فلسطينيين.

المساهمون