احذروا التخلف الروسي

احذروا التخلف الروسي

23 يناير 2018
حكومة الأسد تولي إعادة تأهيل قطاعاتها لـ"حلفاء الحرب"(فرانس برس)
+ الخط -

لم أر، وأنا في عقدي السادس، أي أدوات منزلية أو كهربائة أو تكنولوجية روسية، لا في بيت أهلي ولا في مدينتي، ولا حتى في سورية. ولا أبالغ في القول إنني لم أر منتجات روسية، عدا العسكرية، في أكثر من ثلاثين بلداً زرتها في القارات الأرضية الست.

وحينما بلغ الانفتاح السوري الروسي ذروته، مطلع تسعينيات القرن الفائت، لم تغزُ الأسواق السورية أي منتجات روسية تذكر، بل كان العكس هو الصحيح، إذ نشط تصدير الإنتاج السوري باتجاه الاتحاد السوفييتي وقتذاك، كما نشط تجار "الشنطة" الذين كانوا يؤكدون حين عودتهم من تجاراتهم الرابحة، أن الأسعار مرتفعة، والبلاد الباردة تفتقر لأي منتجات، اللهم عدا القمح وما يصنّع منه وبعض المشروبات الكحولية والمأكولات البحرية، فضلاً عن السلاح والصناعات الفضائية.

وربما يذكر السوريون، وقت أن قايضت روسيا ديونها بمنتجات سورية، فيما سمي "اتفاقية المدفوعات"، وكيف أساء بعض أشباه التجار السوريين للصناعة، بتصديرهم "ستوكات" لبلد متعطش لكل إنتاج، إلى الحد الذي رفع خلاله أصحاب المحال "احذروا المنتج السوري".

قصارى القول: في واقع الدمار الذي تعيشه سورية اليوم، إثر حرب الأسد ولنحو سبعة أعوام، باتت جميع قطاعاتها بحاجة إلى إعادة تأهيل أو بناء من جديد. وبدل أن تلتفت حكومة الأسد إلى البلدان المتطورة صاحبة التراكم والتكنولوجيا والموثوقية الصناعية، بدأت تولي إعادة تأهيل قطاعاتها لـ"حلفاء الحرب"، طهران وموسكو، فعهدت إليهما قطاعات الكهرباء والزراعة والنفط والغاز والمياه، ما خلق جملة من الأسئلة، ربما الإجابة عليها تكمن في سعي الأسد إلى تمليك أنصاره سورية، وإيفاء الديون التي تراكمت خلال سني الثورة.

وأما أن يتم تعهيد قطاع السيارات لروسيا وإيران، اللتين لا تملكان أي شهرة وحضور دولي في هذه الصناعة، ومن ثم استئثار روسيا بقطاع الاتصالات والتكنولوجيا، فهذا ما يؤكد حرص نظام الأسد على إبقاء التخلف في سورية ولعقود، وعن سابق إصرار وترصّد.

إذ كشف وزير الاتصالات الروسي، نيكولاي نيكيفوروف، خلال اجتماع قبل أيام، مع نظيره السوري عماد خميس، أن روسيا ستعيد بناء خطوط الاتصالات بسورية، وستتكفل بتدريب الكوادر الفنية، لتأتي الدعابة بخبر اجتماع الوزيرين، من خلال "الاستفادة من الخبرات الروسية في مجال تقنيات المعلومات وإدارة الأعمال".

نهاية القول: قد يخال للبعض أن الاقتصاد الروسي المتماسك وامتلاكه احتياطيا نقديا مرتفعا، يأتي من جراء قوة وتنوع الإنتاج، في حين أن الاقتصاد هناك لا يختلف عن اقتصاد السعودية، على سبيل المثال، بمعنى أنه عند نضوب النفط والغاز، ستضطر روسيا، في اليوم التالي، إلى مد اليد للدول والمؤسسات المانحة.

لذا، من الضرورة القصوى، ربما، أن تتحرك المعارضة السورية، وعبر جميع الإمكانات والأقنية القانونية الدولية، لإيقاف نزيف الاتفاقات التي يوقّعها نظام بشار الأسد مع حلفائه في الحرب على الثورة والسوريين، لأن الاستمرار في الصمت بذريعة أن الأسد رئيس معترف به في الأمم المتحدة، ومن حقه أن يبرم ما يشاء من اتفاقات مع من يشاء، سيضع السوريين في واقع تخلّف وارتهان، لن يخرجوا منه، ربما لعقود، لأن شهية الروس في السيطرة على مقدرات سورية مفتوحة. فبعد عقود الطاقة والمياه اتجهت إلى التكنولوجيا.. وتحضّر، في الآن نفسه، لدخول قطاع العقارات، عبر شركات بدأت تتجلى تباعاً، للتحضير لصفقة إعادة الإعمار.


المساهمون