الشركات الأسرية أو العائلية

الشركات الأسرية أو العائلية

16 اغسطس 2017
بعض الشركات العائلية تسعى لإدراج أسهمها بالبورصات تفادياً للخسائر(Getty)
+ الخط -
مستقبل الشركات الأسرية غامض، والأرجح أن معظمها يختفي أو يتغير شكله أو طبيعة عمله أو ملكيته بعد الجيل الثاني. وإن صمد إلى الجيل الثالث، فإنه قطعاً سينتهي ويزول.

وكم من شركاتٍ عرفناها، بدأها أخوان أو أكثر، وشهدت في عهدهما ازدهاراً ونمواً، وكان الأخ الأكبر على الأرجح هو الرئيس، وأخوه الأصغر نائبه. ويتزوج الأخوان، وينجبان أولاداً، ولا تلبث أن تحتدم المنافسة بين أبناء العم.

وإذا استطاع أولاد العم أن يجدوا طريقة للتعاون داخل الشركة، فإن أبناءهم، أو الأحفاد، لا شك لهم حساباتهم وأولوياتهم، وسرعان ما يحصل الخلاف. وهكذا يتفكّك العمل الأسري، ويتحول إلى شركات أخرى، أو أنه يفلس ويذهب أدراج الرياح.

إذا زرت دول الخليج، سترى أن معظم الشركات المعروفة، وبخاصة التجارية منها، أسرية.

وقلّما تجد شركةً، سواء في مجال الوكالات الرئيسية، أو شركات المقاولات، أو السياحة أو الإنشاءات والعقار، أو الشحن، أو الخدمات الرئيسية مثل التعليم والصحة والخدمات الأخرى، من دون أن تجد أنها بأسماء أفراد أو أسر معروفة في هذه الدول. وبعد ارتفاع أسعار النفط في أوائل سبعينيات القرن الماضي، صارت بعض هذه الشركات عملاقة وكبيرة، ونجح بعضها في التفوق، والمنافسة، والانتقال إلى دول أخرى. وبرزت ظاهرة "الفرانشايز" في الفنادق، والمطاعم، وبعض الصناعات الغذائية.

وينطبق الحال نفسه على الدول العربية كلها، حتى في الدول التي طاولها المد الاشتراكي، وصودرت فيه الشركات، وأعيد تنظيمها، إلا أن كثيرا منها حافظ على اسمه الأصلي مثل مصر، واليمن الجنوبي (لما كان اليمن منفصلاً)، وسورية والعراق.

ومن الصعب تقدير نسبة شركات الأعمال إلى عدد الشركات المسجلة والعاملة في مختلف الأقطار العربية.

ولكن حصة هذه الشركات لن تقل عن 80% من مجموع الشركات الفردية، والشراكة البسيطة، والشركات المساهمة الخصوصية محدودة المسؤولية.

ولا تقف أهمية هذه الشركات عند عددها، أو عند نسبة رأس المال المستثمر فيها إلى مجموع رؤوس أموال الشركات العاملة، لكن أهميتها أن هذه الشركات هي التي تخلق الفوائض من الأرباح التي تحققها، وتعيد استثمارها بعد ذلك في قطاعاتٍ أخرى.

ويجب أن نتذكر هنا أن الشركات المساهمة العامة، والتي من المفروض أن تكون شركات يملكها أعداد كبيرة من الناس، فإنها في الوطن العربي إما مملوكة، في معظمها، لأفراد من أسرة ممتدة واحدة يتحكّمون في قراراتها، وعطاءاتها، واستثماراتها. البنوك وشركات التأمين وشركات الإسكان في معظمها مملوكة لأسرةٍ أو اثنتين. وينطبق عليها في التحليل المبادئ والمصائر نفسها التي تنطبق على الشركات العادية الأخرى.

وقد بدأت دول عربية تنتبه إلى أهمية هذا الموضوع، وإلى مدى تأثيره على مستقبل الاستثمار والنمو فيها، وسط طرح الأسئلة التالية: كيف تضمن استمرار هذه الشركات، والحفاظ عليها، وضمان أرباحها، ومنع تفككها إلى وحدات صغيرة؟ وبمعنى آخر، هل من سبيل إلى إدخال مفاهيم جديدة تعين هذه الشركات على الاستمرار والديمومة؟

وتتعلق القضية الأخرى ذات العلاقة بضمان إدخال مفهوم الحكمانية على الشركات المساهمة العامة بفعل القانون، مثل البنوك، وشركات التأمين، والشركات ذات الامتياز.

وقد وضعت في الأردن مشروعات قوانين لإدخال مفهوم الحكمانية إلى المصارف وشركات التأمين، ولكن القانون لم يصدر حتى الآن بسبب الخلاف عليه.

ولا يرى بعض أصحاب البنوك حاجةً إلى تدخل السلطة النقدية إلى التركيبة الإدارية للمصارف، ولا إلى آلية صنع القرار فيها.

أما البنك المركزي فيرى أن ترك أسرٍ بعينها تتحكم في الودائع والقروض، سوف يؤدي إلى الإخلال بالمبادئ المصرفية السليمة، خصوصا إذا كان فيها محاباة لبعض المقربين أو الأقارب، ما يضع المصارف، عند فشل السداد، في وضع لا يمس المصرف وحده، بل والاقتصاد كله.

وفيما يتعلق بالشركات الأسرية العادية، برزت بعض الترتيبات المؤسسة التي تهتم بالأمر. وقد صدرت عدة مؤلفات حول المنهجية، وكتبٌ تلخص أوراق مؤتمراتٍ تبحث في جوانب مختلفة للموضوع. ولكنها في معظمها دراسات أولية غير كافية، وتركز على الجوانب القانونية والسياسية للموضوع.

أما فيما يتعلق بمعالجة قصر أعمار هذه الشركات، فقد لجأ رجال أعمال في الوطن العربي إلى دور محاماة دولية، بهدف تحويل الشركات وأسهمها إلى "وقف"، أو ثرست بالإنكليزية، والذي له مجلس أوصياء، يضمن تطبيق الشروط الموضوعة في النظام الأساسي لهذا الوقف.

ولكن معظم الذين أنشأوا هذا الوقف كانوا مدفوعين إليه لسببين. الأول يعود إلى خشية مؤسسي الشركة من انفراط عقدها نتيجة الخلافات بين الشركاء من الأبناء أو الأحفاد.

والثاني منع حملة الأسهم من خارج أفراد الأسرة عن طريق الوراثة من أن يكون لهم قوة تأثير على قرارات الشركة. ونحن نعلم أن نظام الإرث يسمح للأبناء البنات المتزوجات من خارج الأسرة، أو الزوجات من خارج الأسرة بالإرث.

ويوضع عادة في نصوص عقد تأسيس الوقف شرط يمنع حملة الأسهم من خارج الشركة أن يتولى إدارتها، أو التصويت على مشروعات قرارتها. وهكذا يحيّد تأثيرهم على مستقبل الشركة.

والسبب الرئيس في تفسخ الشركات الأسرية هو الخلاف بين الشركاء على اختيار واحد من بينهم ليدير الشركة، بعد تقاعد مديرها الأب أو الجد، ويترك عادة هذا القرار ليؤخذ وفق معايير واضحة تختار الشخص الأنسب والأفضل، ويتولى مجلس الأوصياء على الوقف مراقبة الاختيار.

وإن لم يوجد شخصٌ من داخل العائلة قادر على إدارة الشركة بالكفاءة المطلوبة، فيتّفق على اختيار شخص من خارج العائلة، ليتولى مهمة الإدارة موظفا وليس شريكا.

وقد أتيحت لي الفرصة لأقدم الاستشارة في هذا الموضوع لواحدة من أكبر الشركات الأسرية في دول الخليج، وكذلك اطلعت على أكثر من تجربة في الوطن العربي. وعادة ما يقوم أصحاب الشركات بتسجيل هذا الوقف في دولةٍ خارجية، مثل المملكة المتحدة أو سويسرا، أو غيرهما، وتصل كلفة الاستشارة والتسجيل إلى ملايين الدولارات.

آن الأوان أن نعطي هذا الموضوع الأهمية التي يستحقها في الوطن العربي، فدور هذه الشركات، وخصوصا الكبيرة والناجحة منها، مرشح لتحدياتٍ بيئية جديدة، في ظل حاجة الدولة إلى القطاع الخاص، ليستثمر ويشارك الحكومة، وفي حاجة الدول إلى ضرائب ورسوم.

بيئة الأعمال ومجتمعها في الوطن العربي آخذان في التغير. وما لم تجدّد الشركات الأسرية نفسها، فإنها مرشحة للاستبدال بأفراد جدد ينشئون شركات في مجالات جديدة . ومن لا يتغير، فالأرجح أنه سوف يغير.

المساهمون