مصر تحتجب والسعودية تمدد قدميها

مصر تحتجب والسعودية تمدد قدميها

10 اغسطس 2017
الوليد بن طلال يستثمر 800 مليون دولار بمصر(فرانس برس)
+ الخط -


أعلنت وزيرة التعاون الدولي سحر نصر أنها تلقت وعوداً من رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال بضخ 800 مليون دولار كاستثمارات في قطاع السياحة، وظفت تلك الوعود إعلاميا بوصفها إنجازاً اقتصادياً ودليلاً على انتعاش حركة الاستثمار، واتخذت موقعها ضمن حملة الدعاية المكثفة التي تمارسها المجموعة الاقتصادية بالحكومة، والتي كان منها على سبيل المثال إعلان طارق عامر مؤخرًا عن ارتفاع الاحتياطي النقدي إلى 36 مليار دولار.

وبعيدا عن كون عامر تناسى أن المصدر الأساسي لحصيلة الاحتياطي هي القروض وأذون الخزانة، إلا أن هذا الخبر تم إدراجه دليلاً على نجاح خطة الإصلاح الاقتصادي بما يعود بالمصلحة على المواطنين، لكن الحقيقة تتجلى في زيادة أزمات المصريين كنتيجة لإجراءات التقشف وقرارات غلاء أسعار السلع والخدمات، والتي كان آخرها ارتفاع أسعار المياه وتذاكر النقل العام، وأمام قرارات الغلاء المتصاعدة تتصور الحكومة أن قراراتها في مصلحة المواطن، وكما تعلن أرقاماً عن تحسن مناخ الاستثمار وزيادة المشروعات القومية والاستثمارية، عليها أن تلتفت إلى أرقام ومؤشرات أخرى شديدة الخطورة تتعلق بمستويات الفقر والبطالة والعوز وعدم قدرة نسبة كبيرة من المواطنين على توفير احتياجاتهم الأساسية، وأن تسأل المجموعة الاقتصادية الحكومية ونظام السيسي نفسه ومؤيديه عن مردود المشروعات التي يعلن عنها وعن المؤشرات التي يتم الاحتفاء بها.

الواقع والأرقام التي تنكرها الحكومة تشير إلى أن الشعب يدفع ثمن الإصلاح المزعوم في أشكال متنوعة من المعاناة والحرمان، كما تدفع الدولة ثمن الارتهان لشروط المقرضين والمانحين، ويتحكم فيها ويستغل مواردها رجال أعمال تحت بند تحفيز الاستثمار. ومن هذا المنطلق يمكن قراءة وتحليل مشهد مقابلة المستثمر السعودي الوليد بن طلال لسحر نصر في "يخت " الأمير، وهو متخفف من أي قواعد رسمية أو عرف أو برتوكول يليق بمقابلة وزيرة تمثل الحكومة المصرية.

قابل الوليد الوزيرة وكأنها مندوبة مبيعات أو كسكرتارية تنفيذية في إحدى شركات المقاولات، بينما الوزيرة حين زارت السعودية ارتدت الحجاب لتكسب ود مستقبليها انطلاقا من احترام أعراف الدولة المستضيفة، لكن فيما يبدو أن الملياردير السعودي يدرك أنه لا داعي لأي اعتبارات رسمية، أتت الصورة معبرة بنفس درجة القسوة التي حملتها لنا كمصريين.

فالنظام الذي يهين كرامة المواطنين يهين كرامة الوطن، يمكن تلخيص المشهد والصورة الكلية في أن مصر تحتجب من أجل السعودية وتتوارى وتصمت وتسمع وتأتمر بأمرها خارجياً، لأن السعودية تمد يدها بالعطايا والمنح للدولة وبعض المسؤولين والإعلاميين المتسعودين، وتمد السعودية قدميها باسم الاستثمارات، ويهدي النظام للسعودية جزيرتين، لتغير من خريطة الوطن، لا يكتفي النظام بتنازلات تتعلق بالحدود والمكان، بل يقوم بمغافلة الزمن والتاريخ، فيؤسس متحفاً سعودياً في القرية الفرعونية لعرض مقتنيات وملابس مؤسس الدولة السعودية بوصفها مقتنيات تاريخية في بلد تجمع ثلث آثار العالم وتمتلك حضارة من أقدم حضارات البشرية، ومع كل هذا التسعود أرضاً وتاريخاً وإعلاماً يمكن فهم لماذا جلس الملياردير السعودي بأريحية يستمع إلى رسائل السيدة الوزيرة بالاسترضاء ومطالبها بضخ استثماراته.

المشهد المستفز الذي أهان كرامتنا وقفت خلفه حكومة تريد تدليل الأمير، بعد أن تعرض لعدة مواقف أصابت صورته الرمزية بوصفه رجل الأعمال الناجح الخيّر، فبعد الثورة عدلت حكومة عصام شرف الاتفاق الذي حصل بموجبه الوليد عام 1998على 100 ألف فدان لم يزرع منها سوى 10 آلاف فدان، وعلى إثر ذلك طالبت حكومة شرف باسترجاع ما يقارب ثلثي الأراضي مما شكل صورة تشير إلى أن الوليد بن طلال غير جاد.

أما ثاني المواقف الإشكالية فيتعلق بما نشرته تقارير صحافية تفيد بتنازل الوليد عن أراضي توشكى لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، أضف إلى ذلك أن زيارة الوزيرة للوليد جاءت في جانب منها كرد على طلبه بسرعة إصدار قانون الاستثمار الجديد ولائحته التنفيذية، وهو ما أكدته سحر نصر معلنة أن الحكومة ملزمة بتقديم تسهيلات وحوافز للمستثمرين ضمن القانون الذي وقع على لائحته التنفيذية السيسي مؤخرا، وبالمناسبة فرسالة وزيرة التعاون الدولي هي امتداد للوعود التي أعطاها الرئيس عبد الفتاح السيسي للأمير أثناء لقائه معه في فبراير/شباط 2015.

ورغم الاختلاف مع توجهات هذه الحكومة ووزيرة التعاون الدولي التي وقعت اتفاقيات بقروض ستكبل كاهل المصريين مستقبلا، وكذلك منهجها في العمل الذي يعتمد على منح المستثمرين أراضيَ وإعفاءات ضريبة إلا أن مشهد الاستهانة التي قابل بها الوليد بن طلال الوزيرة غير مقبول ويدفع للغضب لا الشماتة، وأتصور أن هذا المشهد لن ينسى، وسيختزن في ذاكرة الشعب الذي يراقب ويشاهد الآن في صمت سيتبدد حتما، فلا بقاء لحكومات أو نظم تهدر كرامة الوطن والمواطنين مهما طال أمد حكمها.



المساهمون