التهرب الضريبي يشوه سمعة المصارف السويسرية

التهرب الضريبي يشوه سمعة المصارف السويسرية

27 ابريل 2017
كريدي سويس يواجه تهم إيواء المتهرّبين من الضرائب (Getty)
+ الخط -
سعت البنوك السويسرية على مدار العقد الماضي نحو التخلّص من حسابات عملائها المتهربين من دفع الضرائب، وغسل سمعتها السيئة، خاصة في مجال مساعدة عدد من رؤساء الدول السابقين واللاحقين في نهب أموال شعوبهم، لكن آخر تحقيق في تعاملات بنك "كريدي سويس" أظهر الحاجة لاتخاذ المزيد من الإجراءات بهدف تحسين صورة سويسرا والقضاء على سمعتها المصرفية السيئة.
وحسب مصادر، من المتوقع أن تُباشر البنوك السويسرية في مستهل العام المقبل 2018 بتسليم بيانات حسابات العملاء للدول الأوروبية، في محاولة منها لإبداء التعاون في مجال مواجهة جريمة التهرّب.

وفي السنوات الأخيرة، طالبت البنوك السويسرية عشرات الآلاف من عملائها بإيضاح وضعهم المالي، إما عن طريق إثبات تسديدهم الضرائب أو بإغلاق حسابهم البنكي، وأدت هذه السياسات إلى سحب مليارات الفرنكات من هذه البنوك، إذ إن هذه الأموال كانت تشكّل هامش الربح الأكبر فيها، وذلك حسب ما ذكر تقرير لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية. وعلى الرغم من هذه الإجراءات، ما تزال سياسات بعض البنوك غير واضحة.
وكانت هناك توقعات في عام 2017 بظهور تحديات جديدة في "الدول الغريبة"، فقد وقعت سويسرا على المزيد من الاتفاقيات الثنائية التي تسمح للسلطات الضريبية في عدد من الدول بتبادل المعلومات تلقائياً حول عملاء البنوك السويسرية.
وسنّت دول مثل إندونيسيا قانون العفو الضريبي لتحفيز المتهرّبين من دفع الضرائب على الإعلان عن أموالهم غير المودعة في حسابات سرية.

لكن المشكلة الحقيقية ظهرت في أوروبا على الرغم من المحاولات المكثّفة للقضاء على ظاهرة التهرّب الضريبي، إذ اكتشف محققون أثناء مداهمة مكاتب بنك "كريدي سويس" السويسري عشرات المشتبه في تهرّبهم من الضرائب وتورطهم في عمليات غسيل أموال في هولندا والمملكة المتحدة وفرنسا.
وقال الادعاء العام الهولندي إن البنك يخضع أيضاً للتحقيق الجنائي في أستراليا وألمانيا، وأعرب المسؤولون في مصرف "كريدي سويس" عن حيرتهم.
وقال إقبال خان، مدير قسم إدارة الثروات الدولي في البنك لصحيفة فاينانشيال تايمز مؤخراً "بذلنا الكثير من الجهد على مدار السنوات الفائتة للتعامل مع الماضي"، مؤكداً أن "البنك ملتزم بتسيير الأعمال التجارية بشكل يتوافق مع القوانين".

ولم تحدّد السلطات حتى الآن طبيعة التهمة الموجهة لمصرف "كريدي سويس"، لكن مراقبين صرّحوا بأن التحقيق ركز على طبيعة العمليات والإجراءات. وحسب مصادر قضائية لم يطلب المحققون أي معلومات عن العملاء الحاليين أو السابقين. ويرجح عدد من المصرفيين أن يكون التحقيق متعلقاً بعملاء سابقين في البنك السويسري العريق المتخصص في إدارة الثروات.
وتساءل أحد كبار المصرفيين السويسريين عن: "مغزى احتفاظ أي بنك سويسري بعملاء أوروبيين متهربين من الضرائب"، مشيراً إلى أن "كل المصارف السويسرية ستقوم اعتباراً من عام 2018 بتسليم بيانات عملائها بشكل روتيني إلى السلطات الضريبية في جميع أنحاء أوروبا، في إطار عملية تبادل المعلومات تلقائياً".
من جهته، قال مكتب المدعي العام الهولندي لصحيفة فايننشال تايمز إن المعلومات تتعلق بأشخاص كان لديهم في الماضي حسابات لدى كريدي سويس.

وأضاف: "اكتشفنا أن بعض هؤلاء العملاء الهولنديين ما يزال لديهم حساب مصرفي، كما أن مكتب الضرائب في أستراليا لديه معلومات استخباراتية تؤيّد وجهة نظرنا بأن بعض الحسابات ما تزال مفتوحة ويستخدمها أصحابها".
وتعتبر هذه الاتهامات، في حال ثبوت صحتها، ضربة موجعة للجهود المبذولة من طرف "كريدي سويس" على مدار السنوات الأخيرة.
من جهته، أكد إقبال خان، مدير قسم إدارة الثروات الدولي في المصرف السويسري، "طالبنا كل عميل بتقديم وثائق ثبوتية عن وضعه الضريبي وتخلصنا من العملاء الذين رفضوا تزويدنا بالوثائق المطلوبة".
وأوضح خان أنه جرى تنظيم الحسابات الأوروبية بشكل مهني، إذ تم تخصيص وحدة خاصة في البنك للتعامل مع العملاء الذين لم يزوّدوا البنك بالمعلومات المطلوبة، مشيراً إلى أنه "تم اتخاذ هذا الإجراء لضمان عدم وجود تضارب في المصالح لدى مدراء العلاقات وانعدام حافز الاحتفاظ بالأموال في البنك".

واتخذت البنوك السويسرية الكبيرة الأخرى إجراءات صارمة مماثلة للتخلص من عملاء التهرب الضريبي، ولكنها اعترفت في الوقت ذاته بأن نتائج هذه الإجراءات ليست مضمونة تماماً.
وقال مصرفي للصحيفة المالية: "نحن لسنا شرطة ضرائب ونفعل كل ما بوسعنا. سأجيب على سؤالك حول إمكانية أن يقع بنك ضحية لخديعة العملاء ويحتفظ بأصول غير خاضعة للضرائب، الإجابة هي: ربما، هذا ليس بالأمر المستحيل".
وفي بداية الشهر الجاري قالت السلطة الفدرالية للرقابة على المؤسسات المالية في سويسرا، في تقرير بشأن المصارف، إن حالات غسيل الأموال في المصارف السويسرية في تزايد.
وحسب التقرير، فقد شهدت الأشهر الأخيرة عدة تحقيقات جنائية في قضايا تتعلق بغسيل الأموال في عدد من المصارف، إلا أن السلطة الفدرالية للرقابة على المؤسسات المالية أكدت أنها "متفائلة بتحسن ثقافة الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة".

وأشارت على سبيل المثال، إلى أن مصرف "كريدي سويس" أضحى أخيراً في بؤرة اهتمام عدة دول في إطار حملة تهدف إلى ملاحقة أشخاص يُشتبه في تهرّبهم من دفع الضرائب في خمسة بلدان.
وحسب الهيئة السويسرية التي تراقب أداء المصارف فقد بلغ عدد الحسابات المصرفية المشتبه بها 55 ألفاً.
كذلك تم فرض عقوبات على مصرفي "بي سي أي ـ BSI" وفالكون السويسريين والفرع السويسري لمصرف "كوتس" في إطار التحقيقات الجارية حول تورط محتمل لهذه المصارف في فضيحة صندوق التنمية السيادي الماليزي.

وحسب وكالة الخدمات الصحافية السويسرية، فقد أشار مارك برانسون المتحدث باسم الهيئة، في المؤتمر الصحافي السنوي للسلطة الفدرالية للرقابة على المؤسسات المالية الذي عُقد هذا الأسبوع، إلى أنه يأمل "في أن يكون عام 2017 استثنائياً".
وكانت الهيئة قد فتحت 22 تحقيقاً في قضايا غسيل أموال خلال العام المنقضي، فيما لم يشهد عام 2015 سوى تسعة تحقيقات جنائية.



المساهمون