الفرصة السكانية العربية

الفرصة السكانية العربية

06 ديسمبر 2017
المنطقة تتوفر على طاقة بشرية هائلة (العربي الجديد)
+ الخط -
يشكل عدد السكان العرب، وحتى بعد موت الآلاف قبل أوانهم، حوالي 5% من سكان العالم. ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة خلال السنوات المقبلة، وفقاً لتقديرات المنظمات الدولية التي تنشر جداول بأعداد سكان العالم المتوقعة. ومن المقدّر أن يصل العدد عام 2030 إلى 537 مليوناً، وسوف يكون حوالي 30% منهم في عمر الشباب

وهذه النسبة في عمر الشباب ستكون قد وصلت إلى أقصى مدى يمكن أن تصل إليه، وبعدها تأخذ في التراجع لحساب الأكبر سناً، خصوصاً إذا تطورت الخدمات الصحية والطبية، وتحسّنت معهما نوعية الحياة، والغذاء، والعناية والوعي. وإذا صدقت الأرقام الإجمالية، سوف يشكل العرب عام 2030 حوالي 6.5% من سكان العالم.

هذه الأعداد الكبيرة من السكان، والمتزايدة من الشباب القادرين على العمل، وبهذه النسبة المرتفعة التي تقارب 70% من عدد السكان، هي ما يطلق عليه أهل الاختصاص من الديمغرافيين "الفرصة السكانية"، وهذه الفرصة إما أن تكون فعلاً فرصة أو تكون تحدّياً كبيراً.

ويخيفنا واضعو التنبؤات أحياناً، فإن عدد فرص العمل المطلوب توفيرها لهذه الأعداد سوف يصل إلى مائتي مليون عام 2030. وهذه أرقام مذهلة في ضوء الوضع المتردّي للوطن العربي، وتضاؤل آماله بالوحدة والتكامل، أو حتى التنسيق والتعاون، وارتداد التوقعات بالنمو إلى حدودها الدنيا.

ولكن الفرصة تتمثل في أن العالم الذي يشيخ بحاجةٍ إلى هذه الطاقات البشرية. وسوف يبدأ في ابتكار الوسائل لاجتذابها.

في عام 2030 سيكون متوسط عمر الإنسان العربي حوالي 24 سنة، بينما سيكون مثيله الأوروبي قد تجاوز 44 سنة، وتشكل هذه الطاقة الشبابية الفرصة المرجوّة.

في الوطن العربي طاقات هائلة غير مستغلة. ولنبدأ باحتساب معدّل نصيب الفرد العربي من ساعات العمل المبذولة فيه، فبينما نرى في دول أوروبا عموماً أن نسبة الالتحاق بسوق العمل من الرجال والنساء تصل إلى 60% من أعداد السكان، نرى أنها بالكاد تصل إلى 28% في الوطن العربي. وبينما لا تتجاوز البطالة في أوروبا معدل 6%، فإنها تصل في الوطن العربي إلى أكثر من 30%.

وإذا حسبنا إنتاجية العامل العربي إلى إنتاجية المواطن الأوروبي، بما في ذلك كثرة الإجازات والغيابات، وتدني ساعات العمل الفعلي في موقع العمل، والتفوق الآلي والتكنولوجي المتاح للأوروبي، فإن النتيجة النهائية ستكون مذهلة.

وإذا حولنا كل هذه النسب إلى أرقام، فإن معدل نصيب الفرد الأوروبي إلى الفرد العربي سيبلغ على الأقل أربعة إلى واحد. وإذا ضربنا هذا الرقم بالتفوق في مجال الإنتاجية والفاعلية بمعدل ثلاثة إلى واحد، فها يقودنا إلى الاستنتاج بأن نصيب الفرد الأوروبي من ساعات العمل الفعلية المبذولة في أماكن العمل ومواقع الإنتاج يساوي نسبة اثني عشر إلى واحد، وهذا يساوي تقريباً الفرق في معدلات الدخل السنوية للأفراد بين العرب عامة وأوروبا.

فالعاملان المهمان في تدّني دور العمل في الناتج المحلي الإجمالي في الوطن العربي هما البطالة والإنتاجية. ولذلك، أمامنا شوط بعيد لكي نقطعه، لكي نرتقي باقتصاداتنا إلى المستوى الأوروبي. فالتركيز يجب أن ينصبّ، في بداياته، على الاستثمار بصفته هو الوسيلة الفضلى لإيجاد فرص العمل، وعلى التدريب والإعداد المهني والإتقان، ورفع مستوى الأداء لكي نزيد الإنتاجية.

ولعلنا في الوطن العربي بحاجة ماسة إلى دراسةٍ مهمةٍ من أجل توضيح حقائق مبسطة أمام واضع السياسات الاقتصادية. وأولها مساحة الفقر والتهميش التي تعاني منها الفئات السكانية المختلفة، فالفقر يكاد يكون كفراً. فهل تعرف تماماً أين الفقر، ومن هم أهله، فالتركيز على محاربة الفقر والتهميش على العاطلين من العمل، وإعدادهم ليكونوا فاعلين في المجتمع، ومستردّين كرامتهم فيه، هو الذي يدفع هؤلاء ليكونوا أكثر انضباطاً، وأقل جنوحاً إلى الجريمة أو التطرّف، أو الإغراق في صناعة النسيان والتأسي المتمثلة باستهلاك المخدرات والكحول، وما يجره ذلك على المجتمع من عنف وهدر.

والمسألة الثانية المطلوبة هي معرفة أسلوب إدارة الدولة، بكل مؤسساتها، عناصر الإنتاج كلها. فالأرض زراعية كانت أم رعوية، برية أم بحرية أم جوية، صحراء قاحلة أو جبلية، غنية بالموارد الطبيعية أم فقيرة بها، يجب أن تنظم وتستخدم وفق معايير واضحة.

ولو تأملنا في استخدامات الأرض، وفق خرائط واضحة، لوجدنا أنها، على وفرتها، لا تستثمر استثماراً صحيحاً، بل ويكاد الآخرون يستفيدون من أكثرها مردوداً، بينما نحن قابعون في الأرض الأدنى فائدة والأكثر كلفة.

وكذلك الحال في وضع العمالة، فنحن لدينا طاقات بشرية متميزة، نخسر المتعلمين منهم للآخرين، بعدما أنفقنا على تدريسهم وتربيتهم ما أنفقنا، ثم يأخذهم الآخرون منا جاهزين بأدنى الأسعار. ومما يساهم في تعميق هذه الظاهرة هي ازدواجية التعلم، فالدكتور طه حسين الذي أسس لمجانية التعليم في مصر، عندما عمل وزيراً للتربية والتعليم فيها، كان يسعى إلى زيادة الأعداد من الدارسين، وتقليل نسبة الأميين المتفشية في الوطن العربي آنذاك.

ولذلك صار التعليم في معظم أقطار الوطن العربي وسيلةً من أجل اختراق الصفوف، وتحريك المجتمع ليكون أكثر عدالةً من دون أن تستأثر بالمناصب والدخل فئة واحدة لا تتغير.

أما الآن فقد أصبح التعليم يعاني من تدني النوعية، خصوصا في المدارس الحكومية، باستثناء دول الخليج، وأصبحت المدارس الخاصة المكلفة هي التي تعد الدارسين فيها لمواجهة العالم، فصار أسهل على أصحاب التعليم المتميز أن يتفاهموا مع الأجانب أكثر من قدرتهم على التفاهم مع أقرانهم في وطنهم، فهل هذا الواقع، بالإضافة إلى البطالة وقلة الإنتاجية واتساع الاقتصاد غير الرسمي، يعكس استثماراً حسناً لرأس المال البشري. وحدث الشيء نفسه من رأس المال، وبصفته العنصر الثالث من عناصر الإنتاج. وماذا فعلنا بفوائض أموالنا واستثماراتها من الحكومة أو القطاع الخاص.

وأخيراً هل نحن مشجعون للإبداع والريادة والتطوير والمخاطرة المحسوبة، بصفتها الصفات التي يتحلى بها الرياديون والمجدّدون عنصرا رابعا وأساسيا من عناصر الإنتاج. كل هذه تتطلب العودة إلى الأساسيات لتفحصها، وأن نجد لأنفسنا، بعد كل ما عانينا منه، وسيلة للتفاهم على فتح أسواقنا لحركة البشر والمال. ولم يعد الوطن العربي قادراً على تحمل الفرقة والهدر وانعدام الحيلة.