تحول في الفكر السعودي بشأن النفط يعمق انقسام أوبك

تحول في الفكر السعودي بشأن النفط يعمق انقسام أوبك

06 مايو 2016
من آخر اجتماع لمنظمة أوبك (فرانس برس)
+ الخط -

عندما اجتمع مسؤولون من منظمة الدول المصدرة (أوبك) هذا الأسبوع لصياغة استراتيجية طويلة المدى توقع عدد قليل من الحضور أن تنتهي المناقشات دون صدام، لكن حتى أكثر المندوبين تشاؤما حصلوا على أكثر مما راهنوا عليه.

ونقل مصدران حضرا الاجتماع، الذي عقد في فيينا، أو اطلعا على ما جرى فيه، عن أحد المسؤولين المحبطين قوله إن "أوبك ماتت".

وهذا بعيد عن أن يكون المرة الأولى التي يعلن فيها زوال أوبك في تاريخها، الذي مضى عليه 56 عاما، كما أن المنظمة نفسها قد تنعم بعمر مديد في عهد النفط الرخيص.

ولا تزال السعودية، أقوى أعضاء أوبك نفوذا، متمسكة بموقفها بأن التحرك الجماعي لكل المنتجين هو الحل الأمثل لسوق النفط التي هوت فيها الأسعار بشكل كبير منذ منتصف 2014.

غير أن ما حدث في اجتماع محافظي أوبك، يوم الاثنين الماضي، يشير إلى أنه إذا مضت المملكة في نهجها، فسيؤدي هذا إلى كتابة شهادة وفاة لإحدى الاستراتيجيات الرئيسية للمنظمة، والمتمثلة في إدارة أسعار النفط العالمية من خلال تنظيم المعروض.

وفي تحول كبير في الفكر، تعتقد الرياض حاليا أن استهداف مستوى محدد للأسعار بات بلا فائدة، لأن ضعف السوق العالمية يعكس تغيّرات هيكلية أكثر من كونه اتجاها مؤقتا، وذلك وفق ما ذكرته مصادر مطلعة على وجهات النظر السعودية.

وأوبك منقسمة بالفعل بشأن كيفية التعامل مع انخفاض أسعار النفط. وتسبب التوتر بين السعودية وإيران في انهيار أول اتفاق في 15 عاما لتثبيت إنتاج الخام للمساعدة في تعزيز الأسعار في الأسواق العالمية.

وطفت تلك التوترات على السطح مجددا في اجتماع مجلس محافظي أوبك، الذي يضع الاستراتيجية طويلة المدى، ويشارك فيه مندوبو الدول الأعضاء، الذين يرفعون تقاريرهم إلى وزراء النفط في بلدانهم.

وقالت المصادر إن المندوب، الذي أعلن موت أوبك، كان من بلد غير دول الخليج العربية، وكانت تصريحاته موجهة إلى ممثل السعودية، بينما كانا يتجادلان بشأن ما إذا كان ينبغي للمنظمة مواصلة سياسة استهداف مستويات سعرية.

وتقول إيران، التي مثلها محافظها لدى المنظمة حسين كاظم بور أردبيلي، إن هذا بالتحديد هو ما تأسست المنظمة من أجله، وبالتالي فإن "الإدارة الفعالة للإنتاج" ينبغي أن تكون أحد أهدافها طويلة الأمد.

لكن المصادر تقول إن محافظ السعودية في أوبك، محمد الماضي، قال إنه يعتقد أن العالم تغيّر كثيرا في السنوات القليلة الماضية إلى درجة أن محاولة فعل هذا أصبحت أمرا لا طائل من ورائه.

ونقلت مصادر مطلعة على المناقشات عن الماضي قوله لنظرائه أثناء الاجتماع: "ينبغي لأوبك أن تدرك حقيقة أن السوق شهدت تغيّرات هيكلية، وهو ما يتضح في أن السوق تصبح تنافسية أكثر من أن تكون احتكارية".

وأضاف: "تطورت السوق منذ فترة الأسعار المرتفعة في 2010-2014، والتحدي أمام أوبك الآن وأيضا أمام (المنتجين) خارج أوبك هو استيعاب التطورات التي شهدتها السوق في الآونة الأخيرة".


وعلى مدى عقود، كانت السعودية تتبنى مستوى مستهدفا لسعر النفط، وإذا لم يكن المستوى السائد في السوق يروق لها، فإنها كانت تحاول تنسيق خفض أو زيادة في إنتاج أوبك. وكانت المملكة تساهم بنصيب الأسد في الزيادة أو النقصان وتتسامح مع الأعضاء الأصغر والأفقر إذا تقاعسوا عن الالتزام باتفاق المنظمة.

وفي 2008، حدد العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله السعر "العادل" للنفط من وجهة نظر المملكة عند 75 دولارا للبرميل، وكان ذلك على الأرجح عقب مشاورات مع وزير البترول، علي النعيمي.

وعندما رتب السعوديون آخر خفض للإنتاج في 2008 لدعم الأسعار أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية، قفز سعر الخام بسرعة كبيرة ليتجاوز 100 دولار للبرميل من أقل من 40 دولارا. وأعلنت الرياض مجددا السعر الذي تفضله في بضع مناسبات، لكنها توقفت فعليا في السنوات القليلة الماضية عن إرسال أي إشارات بشأن هذا الأمر.

ويأتي هذا عقب التغيّرات الجوهرية في أسواق النفط. ففي السنوات الخمس الماضية، تطور إنتاج النفط غير التقليدي من مكامن النفط الصخري الأميركية ومصادر أخرى مثل الرمال النفطية في كندا، وهو ما جعل فكرة أن الخام مورد نادر ومحدود فكرة غير مؤثرة. وساهمت روسيا، غير المنتمية لأوبك، أيضا في تخمة المعروض العالمي.

والتخلي عن الأهداف السعرية يمثل تغيّرا هائلا في الفكر السعودي. وهذا التغيّر يحركه حاليا إلى حد بعيد ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عاما، والذي أصبح في العام الماضي صانع القرار النهائي لسياسات الطاقة والسياسات الاقتصادية بالمملكة.

وقالت مصادر مطلعة على الفكر السعودي إنه عندما كان الخام يعتبر موردا نادرا كانت المملكة تعتقد أن عليها تعظيم إيراداتها في المدى الطويل حتى إذا كان هذا يعني خفض الإنتاج والتخلي عن حصة في السوق لمنتجين منافسين.

وذكرت المصادر أنه مع تراجع أهمية النفط رأت المملكة أن من الأفضل إعطاء الأولوية للحصة السوقية. وتعتقد الرياض أن زيادة الإنتاج بالأسعار الحالية المنخفضة ستكون أفضل من خفض الإنتاج، وهو ما يؤدي إلى بيع الخام بأسعار أقل في المستقبل مع انحسار الطلب العالمي.

وعلاوة على ذلك، تواجه المملكة احتياجات ملحة في المدى القريب، منها التصدي لعجز في الميزانية بلغ 367 مليار ريال (97.9 مليار دولار)، ما يعادل 15% من الناتج المحلي الإجمالي في 2015.

وقال مصدر مطلع على وجهة النظر السعودية في اجتماع محافظي أوبك: "نسبيا، قطاع النفط لم يعد قطاع نمو".

وكان انخفاض أسعار النفط في السابق يرفع في العادة الطلب العالمي، لكن تزايد كفاءة استهلاك السيارات في الوقت الحالي والتكنولوجيا الجديدة والسياسات البيئية وضعت حدا للنمو.

ورغم انخفاض الأسعار إلى مستويات قياسية في العام المنصرم، فمن غير المتوقع أن ينمو الطلب بأكثر من مليون برميل يوميا في 2016، ما يشكل 1% فقط من الطلب العالمي.

وتقول مصادر سعودية إن الشيء المؤكد هو أن المملكة لن تعود قريبا إلى النمط القديم القائم على خفض الإنتاج لدعم الأسعار من أجل مصلحة جميع المنتجين.

ونقلت المصادر عن الماضي قوله في اجتماع الاثنين الماضي إن "النتيجة الحاسمة هي أنه لن تكون هناك مكاسب مجانية (للآخرين) بعد الآن"، وأضاف: "ينبغي لبعض أعضاء أوبك أن يفعلوا أولا ما يطالبون الآخرين بفعله".

وحتى منافسي الرياض، يشككون في إمكانية أن تتراجع عن موقفها. وقال مصدر في أوبك من خارج دول الخليج: "لم تعد السعودية تلقي بالا لأوبك. إنهم يركزون اهتمامهم على النفط الصخري الأميركي والرمال النفطية الكندية وروسيا".