مصر..الغضب الشعبي يزداد مع الضغوط الاقتصادية المتفاقمة

مصر..الغضب الشعبي يزداد مع الضغوط الاقتصادية المتفاقمة

15 أكتوبر 2016
السلطة تستخدم الأمن لقمع الاحتجاجات (محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -

على مدى أسبوعين خَوت الأرفف في متاجر البقالة، في منطقة وسط القاهرة الصاخب، من أكياس السكر، السلعة الأكثر تفضيلا لدى المصريين.

وقال محمود سليمان، مجند سابق في الجيش من دلتا النيل ويعمل حاليا موظفا في متجر: "هذا لا يعد شيئا، أهلي ينقصهم الكثير من الأشياء. الناس ليسوا متضايقين، بل غاضبون".

تتفاقم الضغوط الاقتصادية على مصر، رغم الخطوات التي اتخذت خلال الأيام التي سبقت المساعي لضمان الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، في وقت تشهد فيه البلاد نقصا في السلع وارتفاعا في الأسعار، مما أثار غضبا شعبيا تجاه قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

الخلاف المتصاعد مع المملكة العربية السعودية، الداعم الرئيسي للنظام المصري، لا يتوقع أن يكون ذا أهمية في الوقت الراهن، بعد إعلان مصر تقديم المملكة تمويلات تشتد الحاجة إليها بالفعل للمساهمة في تلبية شروط مسبقة للحصول على القرض.

لكن أكبر دول العالم العربي من حيث عدد السكان لا تزال بحاجة إلى نحو ملياري دولار من الاحتياطيات الأجنبية للوصول إلى الوضع الذي اتفقت عليه مع صندوق النقد الدولي، قبل أن تبدأ تدريجيا تعويم عملتها مقابل الدولار وخفض دعم الوقود، الجزأين الرئيسيين لحزمة الإصلاح التي يشترطها البنك، الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرا له، لدعم الاقتصاد المصري.

ومع احتفاظ البنك المركزي باحتياطاته من أجل "دفعة قوية"، وصل نقص العملة الأجنبية إلى أبعاد غير مسبوقة، وتجاوز سعر الدولار 15 جنيها، مقابل 14 في الأسبوع الماضي، في حين يقف سعر الصرف الرسمي عند نحو 8.9 جنيهات للدولار.


تسبب الانهيار في ارتفاع أسعار مجموعة من المنتجات المستوردة، وعدم دخول بعضها - بما في ذلك قطع الغيار، والأدوية، والسلع الصناعية والمواد الغذائية - على الإطلاق.

وقال آنغوس بلير، من بنك فاروس في القاهرة، الذي يأمل أن تتمكن القاهرة من جمع الأموال اللازمة من المانحين الدوليين، الأسبوع القادم، حتى يقرر صندوق النقد الدولي الإفراج عن القرض: "إنها أشبه بالمريض الذي يحتاج إلى الدواء. وكلما طال التأجيل ازداد الوضع سوءاً".

تتنامى احتياطات النقد الأجنبي عبر المساعدات الخارجية بعد تضاؤلها، جراء انهيار صناعة السياحة بسبب المخاوف من الإرهاب، وانخفاض التحويلات المالية بسبب انخفاض أسعار النفط، وتقلص عائدات قناة السويس نتيجة تراجع التجارة العالمية، وارتفاع مستويات التضخم والبطالة.

تعتقد الحكومة المصرية أنها، من خلال إدارة تعويم العملة وخفض قيمة الجنيه تدريجيا مقابل الدولار لمعدلات أقرب إلى قيمته الحقيقية، ستحدث انفراجة في السوق السوداء ثم تختفي في نهاية المطاف ما إن يتم تحديد القيمة الرسمية من خلال العرض والطلب والعوامل الاقتصادية الأساسية.

الفكرة الأخرى هي تحديد سعر الصرف الرسمي بنفس سعر السوق السوداء، أو حتى تجاوزه، من أجل تدفق الاستثمارات.

وكجزء من خطة إصلاح صندوق النقد، يتوقع أن ترفع مصر تدريجيا الدعم عن الوقود والخدمات الأساسية والمنتجات الغذائية، وفي الوقت ذاته الاهتمام بالفقراء عبر برامج الرفاهية التي يديرها الجيش لتعويض الزيادة التي أعقبت حالة التضخم في مصر.

يتوقع أن تزداد بعض هذه الآلام خلال الفترة القادمة بالنسبة للمصريين، الذين يعيش قرابة نصفهم بالفعل تحت خط الفقر.

الجمعيات التعاونية، وخاصة التابعة للحكومة، بدأت في الحد من شراء سلع معينة مثل السكر والزيت والأرز، حيث شهد السكر نقصا حادا هذا الأسبوع. وكانت الكثير من المتاجر خاوية تماما من أية أنواع، فيما نشرت أخرى لافتات تدعو إلى الترشيد. الغضب الشعبي نادرا ما يجد فرصة للتعبير عن نفسه في مصر السيسي، الذي قمع المعارضة وكمم أفواه منتقديه من خلال حبس الآلاف منذ قيادته الجيش للإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي عام 2013.

لكن الانتقادات التي وجهها سائق توك توك في مقطع مصور الأسبوع الماضي للحكومة والفقر المستشري، لاقت انتشارا واسعا للغاية على الإنترنت، وحصد الفيديو قرابة مائة ألف مشاركة من ملايين المشاهدين عقب إذاعته ثم حذفه من قبل إدارة القناة الخاصة.

وعد السيسي بإصلاح الاقتصاد لدى تسلمه السلطة، وتحدث في خطابات عدة عن فضائل التقشف، داعيا المصريين إلى الاستعداد لشد الحزام والتبرع للدولة. لكن البعض رأى في هذا دليلا على عدم اطلاعه بأحوال أبناء الطبقة المتوسطة من المصريين، الذين يشعر الكثير منهم بأنهم لم يستفيدوا بشكل مباشر من مشترياته الواسعة من المعدات العسكرية، أو الخطط الضخمة لبناء مدن في الصحراء.

يكمن في الخلفية الخلاف مع المملكة العربية السعودية، التي استدعت سفيرها للتشاور، بعد غضب الرياض من تصويت القاهرة لصالح قرار في الأمم المتحدة حول سورية تقدمت به روسيا.

وقال السفير السعودي إن القرار لم يصادق عليه، لكنه وبّخ مصر علانية على هذا التصويت.

اضطرت القاهرة إلى التوجه لشراء النفط من الأسواق العالمية، بعد إلغاء السعودية تسليم إمدادات النفط الشهرية المتفق عليها في أكتوبر/تشرين الأول، والتي مُنحت لمصر بشروط سداد سخية.

وقد ذكرت وسائل إعلام محلية أن تكلفة إلغاء الشحنات تبلغ 500 مليون دولار، وهو مبلغ يشكل أهمية كبيرة لمصر التي تعول على كل سنت.

قلل السيسي من أهمية ذلك قائلا، في كلمته، إن القاهرة لا تزال ملتزمة بعلاقاتها الوثيقة مع حلفائها الخليجيين، لكن من غير المرجح أن ينسى المستثمرون ذلك، بالنظر إلى مليارات الدولارات التي يستثمرها السعوديون في مصر للحفاظ على اقتصادها المتعثر منذ تولي السيسي السلطة.

لم يتضح بعد كيف سيكون رد الفعل الشعبي على ارتفاع الأسعار الجنوني والنقص الحاد في السلع الذي سينجم عن الخطوات القادمة.

ولدى سليمان دليل على ذلك، فعرض مقاطع مصورة من جولة لحشود غاضبة تشق طريقها نحو شاحنات تسليم في قريته. وقال: "أتمنى ألا يحدث الأمر ذاته في القاهرة. فهناك الملايين من البشر هنا".

(أسوشيتدبرس)