مستقبل العلاقات الأردنية الإيرانية

مستقبل العلاقات الأردنية الإيرانية

03 سبتمبر 2015
ناصر جودة ومحمد جواد ظريف (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
عقدت في عمّان، قبل أيام، ندوة عن "مستقبل الأردن في محيط متغير". وقد طلب مني مدير مركز القدس للدراسات السياسية ومنظم الندوة، عريب الرنتاوي، أن أتحدث عن مستقبل العلاقات الأردنية الإيرانية، مع تركيز على الجانب الاقتصادي منها.
وشاركني في الجلسة أحد أساتذة جامعة طهران من كلية الدراسات العالمية، والباحث الأردني الدكتور نبيل العتوم، الحاصل على الدكتوراه من جامعة طهران، ويتحدث الفارسية بطلاقة.
وقد ذكر الباحث الإيراني، الدكتور حسين الوريوري، أن بلاده استفادت من عقد الاتفاق النووي مع قوى العالم الخمس، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وألمانيا، وأكد أن الفائدة ليست حكراً على إيران وحدها، بل استفاد الجانب الآخر منها أيضاً.
وذكر الوريوري، أن آية الله الخميني المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، أصدر فتوى بتحريم إنتاج أسلحة الدمار الشامل، ولذلك، لم يكن في نية إيران إنتاج أسلحة نووية، على الرغم من أن إسرائيل تملك بين 200 إلى 400 رأس نووي، حسب تقديراته.
وقال إن لإيران مواقفها وسياساتها، ومرجعياتها أيضاً. أما الدول العربية فليس لها مرجعية واحدة. وأفاد الوريوري بأن الاتفاق النووي لن يغير من ثوابت السياسة الإيرانية الخارجية تجاه إسرائيل، أو تجاه حركة حماس التي أوضح أن مكتبها في طهران ما يزال مفتوحاً.
واعتنت ورقة الدكتور العتوم بالأبعاد الثقافية والتربوية، وقال إنه أجرى دراسات للكتب التي تدرس في جامعات إيران ومدارسها، فوجد فيها هجوماً سافراً على العرب، وعدم احترام لهم. وقال إنّ كتباً لأشخاص مهمين، مثل صادق لاريجاني، تعتبر العرب سياجاً لإيران ودرعاً بشرياً لحمايتها. ويدرّس كتاب له في الجامعات الإيرانية. وحسب العتوم، فإن الجيل الإيراني في عهد الثورة الإسلامية يربى على كره العرب، والنظر إليهم بدونيّة.

أما ورقتي فأكدت أن مستقبل العلاقات الأردنية الإيرانية مرهون بسياسات إيران مع دول الجيران العربية، فالأردن الذي يقع في منطقة ملتهبة، يعتمد كثيراً في علاقاته الاقتصادية مع دول الجوار، ولا يمكن أن يعيد تلك العلاقات إلى زخمها طالما أن المنطقة باقية على حالة التوتر والتحارب.
ويرى الأردن أن إيران ذات النفوذ في بعض الدول العربية، والمرتبطة مباشرةً ببعض أطراف الصراع في دول عربية أخرى، تبقى، إلى حد ما، مسؤولة عن الوضع الاقتصادي في الأردن.
وقد وقع الأردن مع العراق اتفاقات للتعاون الإستراتيجي الاقتصادي، من أهمها ربط البلدين، عبر محافظة الأنبار العراقية والمفرق الأردنية، بسكة حديد للركاب والبضائع. كما وقعا اتفاقاً لبناء أنبوبين، واحد للنفط ينتهي في العقبة مع مشرع مصفاة بطاقة 450 ألف برميل في اليوم، والأنبوب الآخر لتصدير الغاز عبر العقبة. وهذان مشروعان مهمان في الأردن، قدرت عوائد الأردن المباشرة وغير المباشرة منهما بحوالي ملياري دولار سنوياً، عدا عن الوظائف التي سيوفرها لمئات الأردنيين.
وبسبب التوتر في العراق، فإن المعبر الحدودي (إطريبيل) بين البلدين مغلق حالياً بسبب الحرب مع تنظيم داعش. ولذلك، توقفت صادرات العراق إلى الأردن. وهو أيضاً يخدم حلقة وصل إلى إيران، ومنها إلى الأردن، لو استقرت الأمور في العراق وهدأت.

اقرأ أيضا: انتزعوا العرب الشيعة من إيران

وفي سورية، الحرب دائرة ومشتعلة، وكثيراً ما تقع قذائف مدفعية أو صاروخية من الحدود السورية على المدن الأردنية الحدودية. كما أن مشاركة الأردن في الحرب ضد الإرهاب، وخصوصاً ضد تنظيم داعش، أدى إلى مقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة بوحشية. وعلى المستوى الاقتصادي، كانت سورية واحدة من كبار الشركاء التجاريين للأردن.

ومع أن بعضاً من السلع ما يزال يدخل إلى سورية، وخصوصاً الخضار، إلا أن الحرب هناك جلبت، حتى الآن، حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري إلى الأردن، وأثقلت كاهل البنى التحتية والخدمية في الأردن، وأحدثت واقعاً جديداً. واستمرار الحرب في سورية يعني أن اللاجئين لن يعودوا إلى ديارهم من الملاذ الأردني قبل سنوات، إن رجعوا كلهم. ولذلك، بدأت دول غربية ومنظمات دولية تدعو الأردن إلى إدماجهم في اقتصاده، ما يعني إحداث حوالي 200 ألف فرصة عمل لهم.
ويعتمد الأردن في حوالي 60% من دخله بالعملات الأجنبية على حوالات العاملين في دول الخليج، والمساعدات والقروض الخليجية، الصادرات من السلع والخدمات إليها. كما أن الأردن الذي يستقبل حالياً أكثر من خمسين ألف مواطن يمني، كان يقدم خدمات طبية وتعليمية عالية لبلدهم المنكوب.
لذلك، إن استمرار الوضع الحالي من كلف حربية، واستعدادات أمنية، وتراجع في أسعار النفط، وتقلبات في أسواق البورصات والعملات، قد ينطوي على خسائر كبيرة لدول الخليج، وهذا سيكون له أثر على مواقف الأردن من الحروب الدائرة، ومن علاقاته مستقبلاً مع إيران التي كانت عمّان قد رحبت بالاتفاق النووي معها، وقالت إنه يجب أن يدفع إيران إلى تغيير سياساتها نحو الوطن العربي، بالسعي للتهدئة بدلاً من سياسة التسعير وإذكاء الفتن.
وكذلك، إن إيران ترتكب خطأً جسيماً إذا استهانت بقدرات الوطن العربي وإمكاناته. ومن هنا، هي مدعوة إلى أن تكون جزءاً من الحل، لا جزءاً من المشكلة.
والأردن بدوره الوسطي، وبصفته مكاناً حصل فيه إجماع بين المذاهب الإسلامية الثمانية على عدم تكفير بعضهم، طالما أنهم يؤمنون بوحدانية الله وبرسوله وخاتم الأنبياء، ويتمسكون بالصلاة والزكاة والحج، فلا داعي لهذا الصراع المذهبي المسموم. وقد تبنت القمة الإسلامية هذا الأمر.
كما أن رسالة عمان التي تبناها الأزهر الشريف تؤكد على نبذ العنف والتطرف، وتدعو إلى حرية العبادة والمذهب، واحترام كل أصحاب مذهب للآخرين وحقوقهم. وكذلك، فإن رسالة عمان عاصمة الأردن تدعو إلى التآخي بين الأديان، والحوار المستمر، تعميقاً للود، لا للتبشير ضد بعضهم.
وبذلك، تصلح عمان لأن تكون مكاناً لحوار عربي إيراني صريح مفتوح، يهدف إلى الوصول إلى حلول ناجعة. والأردن جاهز لأن يأخذ مخاطرة محسوبة بهذا الاتجاه. ومن غير المعقول أن تتفاوض بعض الدول العربية مع إسرائيل، وتجد غضاضة من التفاوض مع إيران، إن أرادت إيران ذلك.

اقرأ أيضا: الغرب ..اقتصاده وشركاته أكبر مستفيد من الاتفاق النووي

المساهمون