الإصلاح السياسي والاقتصادي

الإصلاح السياسي والاقتصادي

18 يونيو 2015
ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في مصر(أرشيف/Getty)
+ الخط -

هل يمكن للدول العربية ذات الاقتصادات الهشة أن تتخلص من مشكلاتها، وأن تواجه معضلاتها الأساسية وخياراتها الصعبة بدون ديمقراطية؟ هذا هو السؤال الصعب المطروح عليها.

وتواجه دول، مثل تونس والأردن ومصر، تحديداً، هذا السؤال بكل قوة. فخلال السنوات التي سبقت عام الأزمة المالية العالمية (2008)، حققت هذه الدول معدلات نمو مرتفعة خلال الفترة (2002-2008)، وصلت إلى أكثر من 6% في العام.

ولكن، لم يؤد هذا إلى تحقيق الرفاه الاقتصادي المنشود أو المستدام، بل أدى إلى قلق وبلبلة، تجلت في أحداث الربيع العربي وما تلاه من إرهاصات وتحولات وانعكاسات مضادة.

ولقد تبين بعد ذلك أن النمو الذي جرى، بفعل ارتفاع أسعار المواد الخام، وخصوصاً النفط والغاز، وبفعل الثورة العقارية وسهولة التمويل المتاح، أن هنالك انتفاخاً أكثر منه نمواً فعلياً يكسو عظام الاقتصاد لحماً، ويخلق فرص عمل منتجة.

وكذلك نتج عن هذا النمط من النمو السريع بروز أنماط سلوكية شاذة، اقتبست من العالم المتطور، مثل المشتقات النفطية، والمبالغة في الإقراض، وخلق الشركات الوهمية، والمتاجرة بالأصول المالية، وكأنها ستستمر في الصعود إلى الأبد.

ولما تكشفت الحقائق، تبين أن في الوطن العربي فساداً، وجشعاً، ورغبة جامحة في الثراء السريع. وقد استفاد بعض رجال الأعمال الجدد من اقترابهم من الحكومات وصناع القرار، فأوجدوا لأنفسهم مكانة اقتصادية اجتماعية وحماية سياسية، ظنوا أنها ستر لهم، لا يمكن خرقه أو انتزاعه.

ولذلك، بقيت ثمرات النمو حكراً على أقليةٍ ما أعادت استثمار ما جنته من أموال داخل الاقتصاد الذي أخذته منه، ولا ولّدت قيماً حقيقية. ومما ساهم في تأزيم هذه المشكلة أن الإيرادات العامة استفادت. ولذلك، بدت الحكومات ظاهرياً أغنى، وأكثر قدرة على الإنفاق على مشروعاتٍ، أفادت المتحلقين حول صانع القرار، أكثر مما أفادت عامة الناس.

ولما بدأ الناس في الحراك احتجاجاً، وتأثرت المراكز بفعل انحسار الاقتصاد الدولي، وتراجعت أسعار النفط، وصارت مصادر التمويل أكثر بخلاً وانتقاء وكلفة، وتفجرت البالونات والفقاعات، تبين أن الغنى الذي حصل لم يكن سوى وهم مالي. لذلك، ذهب الوهم وحلّ هم الدين والانكشاف، وتساءل الناس ما الذي حصل.
 
وقد نشط الأردن، بقيادة الملك عبد الله الثاني، في وضع برنامج للإصلاح السياسي. فتعدل الدستور، وعدّل معه قانونا الانتخابات والأحزاب، وأنشئت محكمة دستورية، وهيئة رقابة على الانتخابات، وغيرها.

اقرأ أيضاً: بنكيران: الإصلاح صعب.. والفساد يقاوم

والأهم أن الملك أطلق خمس ورقات نقاشية عامي 2012 و2013، يقدم فيها تصوراته لمستقبل الأحزاب ومجلس النواب، ومجلس الوزراء، وأسلوب الوصول نحو حكومات برلمانيةٍ وأحزاب معارضة فعالة، وجعل المواطن الفاعل الأساس في هذه العملية.

والسؤال الذي بات واضحاً اليوم في مصر وتونس والأردن:

* كيف سنوزع الغنم والغرم بين الناس؟

* ما هو أسلوب التوفيق بين حاجات الموازنة من ناحية ومتطلبات التنمية المستدامة من ناحية أخرى؟

* كيف نرسم استراتيجية توفق بين الضغوط والنفقات المطلوبة في المدى القصير وتحقيق الأمنيات والأهداف العريضة في المدى الأطول؟

ويشكل توزيع فرص العمل بين جيل الكهول المسيطر على صنع القرار وجيل الشباب الذي يعاني من نسب عالية من البطالة التحدي الأكبر.

هذه كلها تبدو متناقضات. ولذلك، يصبح الخيار الشعبي الحر الوسيلة الفضلى للفصل فيما بينها. وحتى يتحقق ذلك، لا بد من تجسير الفجوة بين الناس وصانع القرار. وليس الناس مستعدين لتحمل التضحيات، إلا إذا كان ذلك عبر الحوار المفتوح، والمعلومة الصحيحة، والرؤية الواضحة، والقرار الحر في اختيار من يتخذ ذلك القرار.

ولإنجاز هذه المهمة، المطلوب أمران أساسيان.

* الأول، آلية حزبية تعتمد على حرية الاختيار، وحرية التصويت، لكي يختار الناس من يظنون أنه الأفضل لتمثيلهم، والدفاع عن رأيهم. وهذه هي آلية الديمقراطية ووسيلتها.

* الثاني، الشفافية في تقديم المعلومات، وتوفيرها للباحثين والدارسين ومراكزها، من أجل أن يجري هؤلاء، كل حسب دوره واختصاصه وفرضياته، دراسات حول بدائل القرار وتبيان أثر كل واحد منها بدقة وأمانة.

وإذا توفرت للناس البدائل ونتائجها، وتمتعوا بحرية اتخاذ القرار، وسمح لهم بالنقاش والتداول، سوف يمكّن الحوار المجتمعي المستند إلى المعلومة الصحيحة والدراسة المضبوطة الرأي العام من اختيار البديل الأصلح.

وسيكون لكل قرار صعب رابحون وخاسرون. وعلى الرابحين أن يؤدوا دورهم بمثابرة، وأن يعترفوا بما قدمه لهم المجتمع، وألا يصمتوا حيال مكاسبهم. أما الخاسرون فعليهم العمل لإثبات صواب رأيهم، وألا يكتفوا بالصراخ والشكوى. وما يحصل، الآن، في غياب الديمقراطية والقرار المختار عبر الإدارة الحرة أن الكاسبين يصمتون، والخاسرون يصيحون، ما يعقّد من عمل الحكومات.

أما عبر الديمقراطية، فإن الخاسر يعلم أن خسارته لن تدوم إلى الأبد. وأن له فرصة للعودة إلى الكسب، إذا فاز في انتخابات الدورة المقبلة، والكاسب يعمل بجد، لكي يحافظ على مكاسبه عن طريق الاعتراف بها، ومشاركة الناس فيها.

القرارات المطلوبة مستقبلاً صعبة جداً، وكلفة اتخاذها في غياب الديمقراطية ستكون كبيرة على الحكومات.


اقرأ أيضاً: الاقتصاديات العربية ضحية غياب المساءلة

دلالات

المساهمون