لماذا يُعاني المواطن العربي من الغلاء؟

لماذا يُعاني المواطن العربي من الغلاء؟

04 ابريل 2015
ارتفاع أسعار الغذاء في مصر (أرشيف/getty)
+ الخط -

كشف تقرير المؤشر الشهري لمنظمة الأغذية والزراعة، الفاو، لأسعار الغذاء، وهو مؤشر يقيس التغيرات الشهرية لسلة غذاء الحبوب والبذور الزيتية والألبان واللحوم والسكر، عن شهر مارس/آذار الماضي، عن مزيد من الهبوط بمقدار 40 نقطة عن مستوياته خلال العام الماضي.

وكان نص رسالة التقرير الرئيسية "واصلت أسعار القمح  والذرة والأرز تراجعها خلال فبراير/شباط نتيجة الإمداد العالمي الوفير والتنافس الكبير على التصدير، كما بقيت عروض الأسعار الدولية للأرز خاضعة لضغوطات خفض الأسعار، فكانت أسعار الحبوب أدنى بكثير من نظيرتها خلال فبراير/شباط من العام السابق".

وبلغت نسبة التراجع في القمح وحده 17% عن المدة نفسها العام الماضي و2% عن الشهر

الماضي. وتراجعت أسعار الزيوت النباتية 5 نقاط تقريباً (أي 3.1%) عن مستوياته في فبراير/شباط، مسجلاً بذلك أدنى مستوى له منذ سبتمبر/أيلول 2009.

كذلك تراجعت أسعار الأرز بنسبة واحد في المائة، مشكلًا التراجع للشهر السادس على التوالي. وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار السكر 187.9 نقاط في مارس/آذار، متراجعاً 19.1 نقطة (9.2 في المائة) عن مستوياته في فبراير/شباط، وسجل المؤشر بذلك أدنى مستوى له منذ فبراير/شباط 2009.

وبلغ متوسط المؤشر لأسعار اللحوم 177 نقطة في مارس/آذار، بانخفاض بلغ 1.8 نقاط (1%) عن قيمته المعدَّلة في فبراير/شباط. ونجم الهبوط أساساً عن انخفاض عروض أسعار لحوم الدواجن، في الوقت الذي انخفضت فيه أيضاً أسعار لحوم الأغنام.

وقالت المنظمة التابعة للأمم المتحدة في التقرير إن أسعار الغذاء العالمية تراجعت هذا الشهر إلى أدنى مستوياتها في نحو خمس سنوات، وأرجعت المنظمة سبب هذا التراجع إلى استمرار الإمدادات القوية والمعروض في السوق لمعظم السلع، خصوصاً الأساسية، بما فيها الحبوب من قمح وذرة وأرز وصويا، وكذلك اللحوم والأرصدة القياسية للمخزونات، إلى جانب قوة الدولار الأميركي وكذلك انخفاض أسعار النفط، الذي فقد نصف قيمته من أعلى نقطة في 19 يونيو/حزيران 2014 من 115 دولاراً للبرميل إلى قرابة 58 دولاراً للبرميل بنهاية العام الماضي، وبذلك يتراجع المؤشر إلى 173.8 نقطة الشهر الماضي وهو أقل مستوى له منذ يونيو/ حزيران 2010 ويقل 2.6 نقطة عن قراءة فبراير/ شباط الماضي، بحسب التقرير.

ومن المعلوم أن هذه الأسباب تصبح كافية لزيادة الإنتاج الزراعي في الدول المنتجة وكذلك انخفاض تكاليف الإنتاج، وهذا من شأنه زيادة الصادرات وبأسعار منخفضة رصدتها بالفعل مؤشرات المنظمة.

وفسر التقرير ذاته سبب استمرار أسعار الأغذية في الارتفاع خلال الأشهر الستة الأخيرة في بعض الدول، والتي منها منطقة الشرق الأوسط والدول العربية وأفريقيا، رغم هذا الرخاء العالمي، وربط هذا الارتفاع بسعر صرف الدولار الأميركي، الذي يمثل العملة المرجعية الرئيسية للسلع الزراعية التي يتم الاتجار بها في الأسواق الدولية، الذي شهد ارتفاعاً كبيراً مقابل العملات المحلية لهذه الدول لاسيما المستوردة منها، فتأثرت أسعار السلع بالعملة المحلية بشكل كبير.

وكان لانخفاض العملات الوطنية في تلك البلدان بصفة عامة تأثير في زيادة أسعار السلع المستوردة، على اعتبار أن البلد يحتاج إلى مزيد من عملاتها لشراء الكمية نفسها من السلع بسعر الصرف الجديد. كما يزيد فرص ارتفاع الأسعار جملة أمور أخرى مثل درجة الاعتماد على الاستيراد.

فقد أظهرت دراسة مشتركة بين البنك الدولي وشعبة مركز الاستثمار بالفاو أن البلدان العربية على وجه الخصوص تواجه عدداً من مخاطر الأمن الغذائي نتيجة اعتمادها إلى حد كبير على واردات القمح من الخارج، وهو الغذاء الرئيسي للمنطقة.

وتشير الدراسة إلى أن حجم الطلب قصير الأجل على القمح في العالم العربي يتسم بانعدام المرونة بشكل نسبي بسبب غياب فرصة التخزين الإستراتيجي، الذي يساهم في استقرار الأسعار المحلية والدولية ومواجهة الأزمات وتعثر الإمدادات، حيث لا يزيد عن 6 أشهر، ويعد نقص المخزون إلى معدل الاستهلاك أخطر ما يسبب ارتفاعاً في أسعار القمح المورد للدول العربية جميعها، فلا يكفي مخزون مصر ولبنان واليمن استهلاك 4 أشهر بالكاد، بحسب إحصاءات وزارة الزراعة الأميركية.

والسياسات المستمرة لخفض دعم المحروقات ورفع أسعار الأسمدة، وهي تمثل 25% من تكاليف الإنتاج، تزيد من تكاليف الإنتاج الزراعي في كل الدول العربية وتخفض كذلك من الإنتاجية، ففي مصر، زادت أسعار السولار بنسبة 63% والأسمدة بنسبة 33% هذا العام فقط.

أضف إلى ذلك أن معدلات الأسمدة المتاحة لدى المزارع العربي تقل عن المعدلات العالمية بنسبة 55% بسبب نقصها وارتفاع أسعارها، والنسبة ذاتها للمكننة الزراعية، بحسب ما جاء في تقرير المنظمة العربية للتنمية الزراعية.

ورغم استمرار انخفاض أسعار الذرة في السوق العالمي حتى 235 دولاراً للطن (1800 جنيه) فإن سعرها في مصر وصل 3250 جنيهاً (422 دولاراً) بسبب سياسات الاحتكار وانخفاض الإنتاج المحلي، فتضاعفت أسعار الدواجن البيضاء في مصر بسبب ارتفاع أسعار

العلف الذي يمثل 60% من تكلفة الإنتاج، وغاز التدفئة الذي وصل لعشرة أضعاف سعره الرسمي.

كذلك يطالب اتحاد منتجي الدواجن بزيادة رسوم الإغراق على الدواجن المستوردة، أسوة بصناعة الحديد، وهو ما يرفع السعر باستمرار رغم انخفاضه في السوق العالمي.

ومع انخفاض سعر العملة المحلية مقابل الدولار، وسياسات الاحتكار والجشع، وفرض رسوم على السلع المستوردة بحجة حماية المنتج المحلي من الإغراق، وانخفاض الناتج العربي من الغذاء بفعل إلغاء سياسات دعم المزارعين بالتقاوي والأسمدة والوقود، أصبحت الدول العربية مستورداً صافياً لمعظم الأغذية، فهي تستورد 55% من احتياجاتها من الحبوب والقمح، 70% من السكر، 60% من الزيوت النباتية، 45% من البقوليات، 34% من اللحوم البيضاء مع العلم أن الدول العربية تستورد 90% من مكونات صناعة الدواجن، 25% من الألبان، 20% من اللحوم، بإجمالي 60 مليار دولار كفجوة غذائية، بحسب المنظمة العربية للتنمية الزراعية.

و"بتقديري" أنه إذا لم تتغير السياسات الزراعية في الوطن العربي تجاه مزارعيها فسيظل المواطن العربي يعاني من إرتفاع اسعار الغذاء والمزيد من الفقر والعوز في الوقت الذي تنعم فيه شعوب العالم بالرفاهية والرخاء.


اقرأ أيضاً:
أسعار الغذاء في أدنى مستوى لها منذ 5 أعوام

المساهمون