يا غول عينك حمراء

يا غول عينك حمراء

01 ابريل 2022
سترفع مجموعة الدول السبع الكبرى أسعار الفائدة وينكمش الاقتصاد الروسي بنحو 10% (Getty)
+ الخط -

أصابت الحرب الروسية في أوكرانيا العالم بصدمة ثلاثية قاتلة. فلم يكد يخرج من أزمة سلاسل التوريد، وارتفاع الأسعار منذ انتشار وباء كورونا، حتى أشعل الغزو الروسي لأوكرانيا أسعار المواد الغذائية والطاقة، وعطل حركة التجارة الدولية.

يُتوقع استمرار الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء والمعادن والوقود وكل السلع والخدمات في 200 بلد و80 اقتصاداً رئيسياً بالعالم، وفقا لتحليلات وحدة الاستخبارات الاقتصادية لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، نهاية مارس/ آذار الماضي. سترفع مجموعة الدول السبع الكبرى أسعار الفائدة، وينكمش الاقتصاد الروسي بنحو 10% مع هبوط سعر الروبل.

وفقاً لتقديرات منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي، سيزداد عدد الفقراء ومعاناتهم. قبل الحرب أدى ارتفاع الغذاء والطاقة إلى إجهاد ميزانيات الأسر، وتباطؤ الاقتصاد العالمي. أصبح من المؤكد أنّ العالم المصاب بصدمة في التجارة والطاقة والغذاء حالياً، سينخفض نموه المتوقع بنسبة 0.5% ليصل إلى 3.4% بدلاً من 3.9% مع نهاية العام الجاري.

تداعيات الحرب التي أشعلها رئيس روسيا، الطاغية الذي يعيش في ثوب القياصرة، ستواصل تأثيرها على العالم لفترة زمنية لن تنتهي العام الحالي. بل هناك مخاوف من أن تستمر على دولة مثل مصر، للعام القادم على الأقل.

فمصر من أكبر مستوردي القمح والزيوت من أوكرانيا وروسيا. فرغم أنّ البلدين المتحاربين ليس لهما تأثير كبير في حركة التجارة الدولية، إذ تصل مشاركتهما إلى نحو 2.2% فقط من حجم تجارة السلع، إلا أنّهما يملكان 24% من القمح المتداول عالمياً، و73% من زيوت عباد الشمس، ويوفران معاً 80% من احتياجات مصر من القمح و90% من الزيوت و30% من عدد السائحين.

تمنح روسيا مصر 12.6% من واردات الأسلحة، ولديها اتفاقيات لإقامة منطقة تجارة حرة كبيرة على مدخل قناة السويس الشمالي، وهناك ارتباط بتمويل مشروع للطاقة النووية تبلغ قدرته 4800 جيغاوات، بقرض تبلغ قيمته 25 مليار دولار.

لم ترَ مشروعات روسيا الاقتصادية في مصر النور بعد، وبالتأكيد لن تبدأ العمل عما قريب، مع استمرار الحظر الغربي المفروض على روسيا وشركاتها وبنوكها. فالمصيبة التي حشرنا فيها طاغية روسيا، الذي ما زال البعض يعتبره نموذجاً يحتذى للحكام العرب، أدخلت الحكومة والعباد في "حسبة برما".

انفلتت الأسعار رغم ادعاء الحكومة المصرية بالسيطرة على تضخمها، وظهرت أزمة أخطر مع تعويم جديد للجنيه أفقده نحو 16% من قيمته في ليلة واحدة. أصابت تلك الأزمات السوق بحالة من الشلل التام. فشلت الحكومة في ضبط الأسعار، رغم التهديد والوعيد، ولن تستطيع التحكم في ذلك في ظل سوق مفتوح، بالرغم من التضييق على المستوردين والقبضة الأمنية الغليظة.

عرف الدولار طريقه للسوق السوداء، في وقت ارتفعت فيه الفوائد على الودائع بالبنوك على الجنيه المصري إلى 18% على شهادات الإيداع السنوية و13% لمدة 3 سنوات.

ساد الأسواقَ سكونٌ مميتٌ، فلا أحد يعلم ماذا سيكسب غداً، ولا على أي أرض سيبدأ نشاطه من جديد. فالدولة تتدخل في كلّ صغيرة وكبيرة، ومع ذلك لن تحمي الفقراء من الجوع، لأنّها فقدت في تلك الأزمة أهم مواردها، وهي زيادة الدخل من السياحة، مع هروب المستثمرين الأجانب إلى أسواق أكثر استقراراً، وشح في الأموال التي يمكن أن تستثمرها الدول الكبرى والغنية في الأسواق الناشئة كمصر.

الأزمة فرضها واقع دولي مرعب، بما يستدعي أن تمد الحكومة يدها لمن يرغب في مساعدتها على الحل، بدلاً من أن تظل ممسكة بالعصا الغليظة لتشهرها في وجه الجميع.

لن يستطيع أي نظام سياسي تحمل أعباء الكوارث التي نمر بها، ولا يعقل أن تظل الحكومة موجهة إعلامها المزيف في تقليب الناس على رجال الأعمال واتهام التجار والمواطنين بأنّهم وراء تلك الأزمة. فهذه الحيل العقيمة لا تتفق مع اقتصاد السوق الذي تتعامل به، وتفرض على أفراده خصائصه، وأهمها رفع أسعار السلع والخدمات، وفقاً لمبدأ الكلفة والربح والخسارة، والذي تطبقه بعنف منذ 7 سنوات.

في قطاع واحد يتبين حجم المشاكل التي صنعها النظام، وظهر أثرها بعد الحرب، وهو قطاع التشييد والبناء. فقد حول النظام أراضي الدولة إلى سلعة باهظة الثمن، بقدرته على توفيرها، متى يشاء، لمن يشاء، بالسعر الذي يحدده!

اعتبرت الحكومة الأرض هي القيمة النفيسة التي تملكها، فحجبت حرية البناء على المتخللات في المدن والأراضي القديمة، ورفعت الأسعار بطريقة مبالغ فيها بالمدن الجديدة، مع وضع شروط قاسية في البناء على المساحات والارتفاعات. خالفت الحكومة تلك الشروط، حيث تبني دون غيرها عمارات 12 طابقاً، وتمنع الناس من البناء لأكثر من 4 طوابق.

الحكومة تحصل على الأراضي مجاناً لشركاتها، فقضت على قدرة القطاع الخاص في منافستها على بناء عقارات للطبقات المتوسطة والبسيطة، بل شاركته في البناء الفاخر، الذي يحتاج إلى كثير من مكوناته من الخارج.

سيطرت الحكومة والشركات السيادية على صناعات الحديد والإسمنت والمحاجر. قد نجد مبرراً لرفع أسعار الحديد الذي تأثر بالظروف العالمية، إلّا أنّ مصانع الإسمنت بالغت في زيادة الأسعار. في ضربات متتالية ارتفع طن الإسمنت في بداية العام من 950 جنيهاً إلى 1100، ثم إلى 1800 جنيه، الأسبوع الماضي، عدا تكاليف الشحن التي تضاعفت 3 مرات.

مع تدهور قيمة الجنيه وارتفاع أسعار مكونات الإنتاج أصيب قطاع التشييد والبناء بالشلل، رغم أنّه يمثل نحو 60% من استثمارات الناتج الإجمالي في الدولة.

ارتبكت الأسواق وتوقفت الأعمال، فلا بيع ولا شراء حتى تنكشف الغمة التي لا يعلم الناس متى تنتهي. كل ذلك والحكومة ما زالت تعتقد أنها قادرة على بناء العقارات للمواطنين، بينما العجز السنوي يزداد بنحو 200 ألف وحدة على الأقل.

تدفع الأزمات الحكومات إلى التعاون مع شعوبها، بينما حكومة مصر تنافس المستثمرين، لعدم إيمانها بأنّ الدولة في ظل اقتصاد السوق هي مخطط وحكم بين الناس، وليست منافسة للشركات أو المستثمرين. يزداد الموقف سوءاً مع نظام يسد آذانه عن الناس، ويمنع غيره من الكلام في أمور سيتحملون تكاليفها.

في اجتماع حضرتُه أخيراً في جمعية رجال الأعمال المصريين، رأيت عقولاً لديها خطط للخروج بشركاتها ونشاطها من نفق مظلم.

في نهاية الأمر اكتفى المستثمرون برفع التماس للحكومة لإنقاذ الشركات، بعدة مطالب بسيطة، فهم يعترفون بأنّ الأزمة تتخطي قدرات الحكومة، التي تعصرهم، بينما المنظومة الحاكمة احتكرت الكلمة والقرار، ويعلمون أنّ الناس يخافون من مواجهة النظام بالحقائق، إذ لا يملك فرد أن يقول له: "يا غول عينك حمرا".

المساهمون