هل يقضي التضخم على الطبقة الوسطى في الدول الرأسمالية؟

هل يقضي التضخم على الطبقة الوسطى في الدول الرأسمالية؟

18 اغسطس 2022
جزيرة مانهاتن مصنع الثروات في العالم (Getty)
+ الخط -

أدى الغزو الروسي لأوكرانيا، وجائحة كورونا، وحلول الحكومات الغربية لأزماتها المالية عبر توسيع الكتلة النقدية بضخ تريليونات الدولارات في الأسواق العالمية، إلى تداعيات اقتصادية خطيرة، حيث رفع كل ذلك أسعار السلع والخدمات، وزادت فجوة الدخول بين الأثرياء وأفراد الطبقة الوسطى في معظم دول المعمورة.

وهذه التداعيات تتبدى منذ بداية العام الجاري بشكل أكبر في الارتفاع المرعب بكلف المعيشة وتآكل الدخول والعائد على الادخار، وبالتالي تهديد الاستقرار السياسي العالمي.

وحسب بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن التضخم تضاعف في 37 بلداً من بلدان الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة خلال العام الجاري، وبات تراجع الدخل الحقيقي يهدد باختفاء الطبقة الوسطى في بعض البلدان وتحوّل مجتمعاتها إلى طبقتين فقط: طبقة ثرية صغيرة جداً تملك المال وتواصل تراكم الثروات، وأخرى فقيرة تقاتل يومياً من أجل تلبية متطلباتها المعيشية الضرورية.

ويرى محللون أن النمو الكبير الذي شهدته الطبقة الوسطى منذ الحرب العالمية الثانية أدى دوراً كبيراً في استقرار النظام السياسي والاجتماعي العالمي ونمو الحريات الفردية وحقوق الإنسان، ولكن هذه المكاسب أصبحت على وشك التبخر ودخول العالم مرحلة جديدة من الصراع الطبقي بين الأثرياء والفقراء، وربما حدوث تفتّت واضطرابات سياسية في دول الاقتصادات الرأسمالية ذات الأنظمة الديمقراطية.

ويشير تقرير لمعهد بيو للأبحاث الاقتصادية الأميركية في هذا الصدد، إلى أن الطبقة الوسطى تقلصت عالمياً منذ بداية العقد الماضي، وتواصل التراجع بسرعة أكبر خلال العقد الجاري.

وحسب "بيو" تراجع حجم الطبقة الوسطى في العالم من 899 مليون نسمة في عام 2011 إلى 1.38 مليار نسمة حتى نهاية العام الماضي. وهذه الدراسة لا تشمل الصين التي شهدت ارتفاعاً في عدد أفراد الطبقة الوسطى بسبب التوسع الاقتصادي والتجاري الضخم، أفقياً ورأسياً خلال أكثر من عقد من النمو الاقتصادي المتواصل، وبنسبة فاقت 10% في المئة.

ويقول تقرير "بيو" الصادر في مارس/ آذار الماضي، إن الطبقة الوسطى العالمية تقلصت بنحو 54 مليون شخص منذ بداية عام 2020، وإن دخل الطبقة الوسطى الحقيقي يواصل التراجع بسبب ارتفاع معدل التضخم وتآكل الدخل الحقيقي.

وفي ذات الصدد تشير دراسة للخبير الإسباني أندريه أورتيغا كلاين، الزميل في معهد "الكانو الملكي الإسباني" في تحليل، إلى أن الطبقة الوسطى تعاني في الوقت الراهن من أزمة تآكل الدخل وتراجع حجمها في العديد من البلدان الغربية.

ويرى الخبير كلاين في تحليله أن تداعيات غلاء أسعار السلع والخدمات وما تحدثه من اضطرابات لم تعد تقتصر على الدول الفقيرة والناشئة، ولكنها باتت تطاول الاقتصادات المتقدمة. وشهدت العديد من دول آسيا وأميركا الجنوبية احتجاجات عارمة أدت إلى سقوط أكثر من حكومة خلال الشهور الماضية.

ويشير تحليل الخبير الإسباني إلى أن الطبقة الوسطى لعبت دوراً رئيسياً في التقدم الاجتماعي والسياسي الذي شهده العالم، ولكن التضخم يهدد بتقلصها في أميركا وأوروبا واليابان. ويضرب غلاء السلع والخدمات بقوة جيوب أفراد الطبقة الوسطى بقوة خلال العام الجاري، ويفاقم من إفقار أصحاب الدخل المتوسط والمعاشات في أوروبا وأميركا.

على الصعيد الأميركي، ذكر مسح أجرته مؤسسة "برايم أيركا" الأميركية للأبحاث الاقتصادية في يونيو/ حزيران الماضي أن 75% من أفراد الطبقة الوسطى الذين شملهم المسح بالولايات المتحدة قالوا إن دخلهم تراجع ولم يعد يكفي لتلبية متطلباتهم المعيشية.

وشمل المسح الذي أجرته "برايم أيركا" المواطنين الذين يراوح دخلهم بين 30 إلى 100 ألف دولار. وحسب المسح ارتفع عدد الذين قالوا إن وضعهم المالي سيسوء في المستقبل من 32% في العام الماضي إلى 39% في العام الجاري.

وبلغ معدل التضخم في أميركا أعلى مستوياته في يونيو/ حزيران الماضي إلى 9.1%، ولكنه تراجع إلى 8.5% في يوليو/ تموز الماضي عبر رفع نسبة الفائدة. ولكن هذا الرفع يهدد بزيادة أقساط المسكن ويدخل المواطنين في أزمة جديدة.

على صعيد تآكل الأجور، ارتفع أجر الساعة في المتوسط في يونيو/ حزيران بنسبة 5.1% حسب بيانات مصلحة العمل الأميركية. وهذا المعدل من الارتفاع أقل من معدل التضخم، ما يترجم عملياً في تراجع الدخل الحقيقي للأجر في الساعة بنسبة 4.0%.

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة "برايم أيركا"، غلين ويليامز، إنه حين ترتفع أسعار السلع والخدمات الضرورية مثل الغذاء والغاز والوقود التي لا يمكن التخلي عنها، لا بد من اتخاذ قرارات حاسمة بخفض الإنفاق في بنود أخرى للأسر، وذلك في إشارة إلى التضحية ربما بالإنفاق على الصحة أو التعليم.

على صعيد بلدان الاتحاد الأوروبي، ذكرت دراسة في نشرة "يورو فاوند" التابعة للمفوضية الأوروبية أن الطبقة الوسطى تتقلص بسرعة كبيرة بسبب ارتفاع فواتير الطاقة والوقود والغذاء التي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وجائحة كورونا.

وتشير الدراسة إلى أن الطبقة الوسطى تتآكل بسرعة أكبر في دول الجنوب الأوروبي وأوروبا الشرقية التي انضمت أخيراً إلى الكتلة الأوروبية بعد تفكك الإمبراطورية الشيوعية. وتحذر الدراسة من تداعيات تعري الطبقة الوسطى على تماسك الاتحاد الأوروبي.

المساهمون