مأزق التضخم في أميركا... بنوك عالمية تخشى أزمة طويلة

مأزق التضخم في أميركا... بنوك عالمية تخشى أزمة طويلة رغم تطمينات واشنطن

09 يونيو 2021
ارتفاع الأسعار طاول مختلف السلع بعد الخروج من الإغلاق (فرانس برس)
+ الخط -

خرج رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي " البنك المركزي الأميركي" جيرومي باول، أخيراً ليعلن استعداد البنك التام لمواجهة التضخم المتوقع حدوثه خلال الشهور القادمة، وهو نفس المضمون الذي حملته وزيرة الخزانة جانيت يالين، للأسواق، مشيرة إلى استعداد أكبر اقتصاد في العالم إلى تقبل مستويات مرتفعة من التضخم.

لكن هذه الرسائل بدت غير مقنعة لبنوك عالمية تخشى أزمات طويلة الأمد بفعل انعكاسات "تضخم مرعب" ناجم عن زيادات جنونية في أسعار السلع الأولية والمنتجات النهائية في الأشهر الأخيرة، على حركة الأسواق العالمية.

وأصدر بنك دويتشه الألماني في مذكرة بحثية، نشرها مساء الاثنين، تحذيراً شديد اللهجة من الطريقة التي تتعامل بها السلطات الأميركية مع هذا التضخم، مشيرا إلى أن من المتوقع أن يستمر التضخم المرتفع لفترة، وأن يؤدي إلى حدوث أزمة كبرى في السنوات التالية.

وانتقد البنك توجهات "البنك المركزي الأميركي" الأخيرة الخاصة بقبول مستويات من التضخم تتجاوز مستهدفه السابق، والمقدر بـ2%، حتى لو كان ذلك سيسمح باستعادة الاقتصاد لانتعاشه بصورة كاملة، تشمل كل فئات المجتمع، لافتا إلى أن قرار البنك الفيدرالي بعدم رفع معدلات الفائدة إلا بعد استمرار معدل التضخم في الارتفاع "لفترات طويلة" ستكون له عواقب وخيمة.

وقال ديفيد فولكرتس ـ لانداو، كبير الاقتصاديين في "دويتشه بنك" الألماني إن "عواقب التأخر في التعامل مع مشكلة ارتفاع التضخم على النشاط الاقتصادي والمالي ستكون ارتباكات أكبر مما يمكن حدوثه في حالة تدخله الفوري"، مؤكداً أن ذلك "قد يخلق ركوداً ملحوظاً، ويطلق سلسلة من الأزمات المالية في جميع أنحاء العالم، لا سيما في الأسواق الناشئة".

ويرى صانعو السياسات النقدية الأميركية أن مستويات التضخم المرتفعة التي أضحت تتجاوز 2% ستزول عند استعادة سلاسل الإمداد حول العالم لانتظامها وتجاوز الفترة الحالية التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار مقارنة بالشهور المماثلة من العام الماضي، التي شهدت تداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد.

وفي طريقها للعودة من لندن، بعد حضور اجتماعات وزراء المالية لمجموعة دول السبع، السبت الماضي، قالت وزيرة الخزانة الأميركية لوكالة بلومبيرغ إن ارتفاع معدل التضخم لبعض الوقت، وما يعقبه من ارتفاع معدلات الفائدة، سيكون في صالح الاقتصاد الأميركي.

لكن محللي البنك الألماني يخالفون الوزيرة الأميركية، التي سبق لها العمل كرئيسة للبنك الفيدرالي وتعد أهم أعضاء الفريق الاقتصادي في إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، إذ يرون أن حزم إنعاش الاقتصاد وإغاثة المواطنين الضخمة، مع إجراءات البنك الفيدرالي الخاصة بشراء ما قيمته مليارات الدولارات من السندات من السوق الثانوية كل شهر، كما إجراءات التحفيز الأخرى، ستتسبب في ارتفاع معدل التضخم بصورة يعجز البنك الفيدرالي عن التعامل معها، مشيرين إلى أن هذا إن لم يحدث العام القادم فسيحدث في العام الذي يليه.

وأكد البنك الألماني أن توجهات السلطات الأميركية المهتمة بالبعد الاجتماعي، والمتجاهلة لمستويات التضخم المرتفعة، تضع اقتصادات العالم على "قنبلة موقوتة"، وهو ما "قد تكون نتائجه مدمرة، لا سيما بالنسبة للفئات الأكثر ضعفا في المجتمع".

في المقابل، لم يحظ التقرير المتشائم للبنك الألماني، بتأييد الكثيرين في "وول ستريت"، حيث أكد جان هاتزيوس، كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار الأميركي العملاق غولدمان ساكس، في حديث لقناة "سي أن بي سي" الإخبارية إن "هناك أسبابا كثيرة تؤيد الموقف الحالي للبنك الفيدرالي، منها على سبيل المثال اقتراب برامج إعانات البطالة السخية من الانتهاء، وهو ما سيدفع بالكثيرين للعودة إلى أعمالهم، ويخفف من الضغوط على الشركات، التي اضطرت لرفع الأجور من أجل العثور على احتياجاتها من العمالة".

ومنذ ظهور الوباء وانتشاره في الأراضي الأميركية خلال الربع الأول من العام الماضي وحتى هذه اللحظة، أقر الكونغرس الأميركي بمجلسيه أكثر من خمسة تريليونات دولار من حزم تحفيز الاقتصاد وإغاثة المواطنين، كما اضطر البنك الفيدرالي لمضاعفة ميزانيته بعد شراء كميات ضخمة من سندات الخزانة والسندات العقارية من السوق الثانوية، الأمر الذي تسبب في ارتفاع ما بحوزة الشركات والمواطنين من السيولة النقدية.

ونتج عن هذه السياسات ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً في الولايات المتحدة، من أسهم وعملات مشفرة وذهب، إلى السيارات المستعملة وزجاجات النبيذ والأحذية.

ونشرت "العربي الجديد" تقريراً في الثاني من يونيو/حزيران الجاري بعنوان (العالم أمام نفاد مفاجئ للسلع... الصين وأميركا تدفعان الأسواق للجنون) نقلت فيه تحذيرات من بنوك دولية ومؤسسات مالية وتجارية عملاقة من أن الأسواق الدولية باتت تتأثر سلباً بما يحدث في أكبر اقتصادين بالعالم من تخزين واسع للسلع الأولية وارتفاع كلف الإنتاج.

وبدأت الزيادة في التكلفة تنعكس على الأفراد والشركات في الولايات المتحدة، وهو ما ظهر في بعض المؤشرات الدالة على ذلك. فقد قفز مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في الولايات المتحدة الذي يستثني الغذاء والوقود في إبريل/ نيسان على أساس شهري بأكبر وتيرة منذ عام 1982.

وفي حين يؤكد البنك الفيدرالي أن ارتفاعات الأسعار الحالية ستكون مؤقتة، وأنها ضرورية لاستعادة الانتعاش الاقتصادي، يرى فريق الاقتصاديين في "دويتشه بنك" أن التضخم المتوقع، والناتج عن توليفة من السياسات المالية والنقدية غير المسبوقة، قد يصل إلى مستويات كتلك التي شهدتها فترة السبعينات من القرن الماضي، حين سجل متوسطه خلال عقد كامل 7%، وتجاوز 10% في كثير من الفترات.

لكن سياسات البنك الفيدرالي وقتها تبنت معدلات الفائدة المرتفعة التي وصلت إلى 20% في بعض الأحيان. ونجح بول فولكر، رئيس البنك وقتها وأحد أهم من شغلوا المنصب، في النزول بمعدل التضخم إلى مستويات مقبولة، إلا أن الآثار الجانبية لمعدلات الفائدة المرتفعة كانت الركود الكبير الذي ضرب البلاد لسنوات، وهو ما يحذر البنك الألماني من حدوثه مرة أخرى.

المساهمون