هل ستحصل حرب أهلية أميركية؟

هل ستحصل حرب أهلية أميركية؟

20 يناير 2022
احتجاجات غاضبة في أميركا ضد مقتل مواطن أسود على يد شرطي أبيض (getty)
+ الخط -

يعدّ الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن "أيقونة " تحرير الأميركيين من أصول أفريقية من الرقّ الذين كانوا يعانون منه في جنوب الولايات المتحدة.

وقد صدرت حديثاً مقالاتٌ تنشر اقتباسات عنه تقول: "طبعاً أنا ضد العبودية من حيث المبدأ، والسؤال ليس في المبدأ، بل في الوسائل والطرق التي يجب أن تلغي فيها العبودية".
كان هذا الاقتباس عام 1854، أو حوالي ست سنوات ونصف السنة قبيل فوز أبراهام لينكولن برئاسة الولايات المتحدة في العام 1860، وتولّيه المسؤولية في مطالع العام 1861، والكلام في هذا الموضوع كثير.
وقد أدّى قرار إلغاء العمل بالرقّ (Abolition) إلى اشتعال حرب أهلية بين الشمال الصناعي والجنوب الزراعي في الولايات المتحدة.
وقبيل اندلاع الحرب، انشغل البرلمان البريطاني مدة تزيد على 23 عاماً في النقاش الحادّ حول إلغاء التعرفة الجمركية عن مستوردات الحبوب إلى بريطانيا.

أدّى قرار إلغاء العمل بالرقّ (Abolition) إلى اشتعال حرب أهلية بين الشمال الصناعي والجنوب الزراعي في الولايات المتحدة

والسبب أن التجار البريطانيين كانوا يستوردون القمح والذرة من الولايات المتحدة بأسعار رخيصة. وأيضاً أراد الصناعيون أن ينتقل عمّال الزراعة في الولايات المتحدة إلى المدن، حتى تقل كلف العمالة في الصناعة.
وقد دعا إلى ذلك آدم سميث، صاحب نظرية "التجارة الحرة، دعه يمرّ، دعه يعمل"، ولكن روبرت مالثوس اعترض قائلاً إن فوائد التجارة الحرة لن تتحقق إلا على المدى الطويل، أما على المدى القصير فسوف يؤدّي رفعها إلى تراجع دخل العمال، فيقل الطلب، وتخسر الصناعة.
وفي المقابل، ظهر اقتصادي ألماني، اسمه فريدريك ليست، عارض آدم سميث ونظريته متمسكاً بنظرية "الصناعة الوليدة" في الدول الصناعية الجديدة، مثل ألمانيا والولايات المتحدة، والتي تحتاج حماية جمركية حتى يشتدّ عودها وتَقْدر على المنافسة، وخصوصا مع المملكة المتحدة، التي سبقت هاتين الدولتين بحوالي نصف قرن أو أكثر في الصناعة وثورتها.

وسافر فريدريك ليست إلى الولايات المتحدة، وحصل على جنسيتها، ودافع عن ضرورة عدم السماح بإدخال الصناعات البريطانية (الحديد والفحم) إلى الولايات المتحدة معفاة من الجمارك، لأنها ستقتل الصناعة الأميركية الوليدة.
وقد سكن معظم المهاجرين من ألمانيا وشمال أوروبا في ولايات الشمال التي تتمتع بوفرة خامات الحديد والفحم فيها. ولذلك كانت حصيلة التضارب بين أفكار آدم سميث وفريدريك ليست هي الحرب الأهلية بين شمال الولايات المتحدة وجنوبها. إنها حربٌ تعود أسبابها العميقة إلى الاعتبارات والمصالح الاقتصادية.
ويدور الحديث حالياً عن احتمالات ضياع الديمقراطية في الولايات المتحدة (القبول برأي الأغلبية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع لتحديد تلك الأغلبية وأصحابها).

وقد رأينا في الانتخابات الرئاسية بين مرشحي الحزب الديمقراطي جو بايدن، والحزب الجمهوري دونالد ترامب، صراعات كبيرة تحصل لأول مرة بهذا الحجم في الولايات المتحدة، فالخاسر ترامب لم يرض بالنتائج التي انتهت إليها الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 20/11/2020.

وقد أعطاه العذر في ذلك انتشار فيروس كورونا، والذي أنكره ترامب في البداية ولم يقبل أن يلبس الكمامة، ولا أن يفرض المطعوم أو اللقاح ضد كورونا، لاعتقاده أن هذه الإجراءات سوف تسمح بالتصويت عن بعد، ما يسمح للأقليات مثل الأميركيين من أصول أفريقية، وللأميركيين من أصول لاتينية أو آسيوية أو شرق أوسطية، أن تنتخب بقوة، متأثرة برأي الديمقراطيين الذين تؤيدهم هذه الأقليات.

عادت الأقليات المزودة بعدد كبير من العمالة الرخيصة تتصدّر المشهد في الخصومة بين أصحاب المصالح الكبرى في الولايات المتحدة

وفي يوم تصويت الكونغرس على صحة نتائج الانتخابات الرئاسية، بعدما رفضت المحاكم كل قضايا التشكيك التي رفعتها حملة ترامب، قام أنصار ترامب بالهجوم العنيف على مبنى الكونغرس يوم السادس من شهر يناير/ كانون الثاني من 2021، وما زال الجدل قائماً بين الحزبين على ذلك.
إذن، عادت الأقليات المزودة بعدد كبير من العمالة الرخيصة تتصدّر المشهد في الخصومة بين أصحاب المصالح الكبرى في الولايات المتحدة. ولكن الفرق بين الآن وعام 1861، حين اندلعت الحرب الأهلية الأميركية، أن الأمور في ذلك العام كانت واضحة جفرافياً وديموغرافياً.

فالجنوب وأهله لا يريدون تحرير الرقيق، لأن ذلك يرفع كلفة إنتاجهم الزراعي، وأهل الشمال يريدون ذلك حتى يمنعوا استمرار إعفاء المستوردات الصناعية من التعرفة الجمركية، ويوفروا فرص عمل للرقيق المنتقل من الجنوب إلى الشمال بأجور زهيدة تحفظ للمنتجات الصناعية في الشمال تنافسيتها.

أما الآن فالأمر مختلف، فالتشظّي والانقسام داخل الولايات المتحدة لا يمكن أن ينقسم جغرافياً بشكل واضح، وذلك لأن لكل ولاية في الولايات المتحدة أناسُ يؤيدون هذا الفريق أو الفريق الآخر، مع الاعتراف بتفاوت النسب بين ولاية وأخرى.

ومن هنا، فإن احتمالات الحرب الأهلية حالياً داخل الولايات المتحدة صعبة. ولكن احتمالات الفتنة داخل كل ولاية ممكنة. وستتحوّل الحروب إلى حروب مليشيات خطيرة.
خطورة كورونا وتحوراتها، من فيروس كوفيد - 19 إلى دلتا إلى أوميكرون، أفرزت انقسامات كثيرة. ولم يعد تفسير الحقائق قائماً على نتائج البحوث العلمية، ولا على إثباتات أن الفيروس موجود، ولا على أن الموجة تلو الأخرى من هذا المرض قد عرّضت حياة ملايين البشر للخطر من جميع أنحاء العالم.

نتائج انتشار كورونا وتحوّراتها وتعدّد موجاتها قد أوجدت واقعاً اقتصادياً جديداً في العالم له المستفيدون الكبار منه، وله الخاسرون منه

ولا شك أن نتائج انتشار كورونا وتحوّراتها وتعدّد موجاتها قد أوجدت واقعاً اقتصادياً جديداً في العالم له المستفيدون الكبار منه، وله الخاسرون منه.
ولكنه أكّد لنا أن توزيع الدخل والثروة في العالم داخل كل دولة، وبين الدول، سوف يزداد سوءاً، وأنه ستكون لملايين العاطلين في العالم ردة فعل قوية، ما قد يشعل الفتن الداخلية والحروب بين الدول.
ما زالت المصالح الاقتصادية الكبرى تدقّ طبول الحروب في العالم، وإن اكتسبت تلك الحروب مظاهر الأخلاق والمساواة وحقوق الإنسان.

المساهمون