هكذا تجني أفريقيا ثمار الحرب الاقتصادية بين الصين وأستراليا

هكذا تجني أفريقيا ثمار الحرب الاقتصادية بين الصين وأستراليا

27 سبتمبر 2021
توجهت الصين منذ 2019 نحو استثمار مليارات الدولارات في مناجم الحديد بالجزائر وغينيا (Getty)
+ الخط -

تجني القارة السمراء ثمار الحرب الاقتصادية بين الصين وأستراليا، بعدما انحدرت العلاقات التجارية الجيدة بين بكين وكانبيرا إلى أسوأ حالاتها في الفترة الأخيرة، مع ظهور كورونا في الصين نهاية 2019 وتشدد أستراليا في التحقيق بمصدر الفيروس.

سبق ذلك بشكل ملفت للانتباه، توجه الصين منذ 2019 نحو استثمار مليارات الدولارات في مناجم الحديد بالجزائر وغينيا، واستيراد الحديد الخام من موريتانيا، ما يدعو للتساؤل حول سر هذا الاهتمام المفاجئ، الذي يوشك أن يتحول إلى سلاح اقتصادي جديد على غرار النفط.

القصة بدأت من أستراليا، التي تستورد منها الصين ثلثي وارداتها من خام الحديد، وتستهلك منه أكثر من مليار طن سنوياً، لتلبية صناعاتها المتزايدة ومشاريعها العملاقة في العقار والأشغال العمومية والبنية التحتية، ما يجعلها أكبر مستورد للحديد الخام في العالم.

لكن العلاقات التجارية الجيدة بين بكين وكانبيرا، انحدرت إلى الأسوأ خلال السنوات الأخيرة، مع ظهور فيروس كورونا بالصين نهاية 2019.

حيث كانت أستراليا أول بلد يدعو رسمياً وعلناً إلى إجراء تحقيق من قبل منظمة الصحة العالمية، عن مصدر الفيروس.

كانت الإشارة واضحة إلى الصين، مع اتهام مبطن بأنها قد تكون وراء "تصنيع" هذا الفيروس في أحد مخابرها بمدينة ووهان، ما أثار جنون بكين، التي أعلنت حرباً اقتصادية على أستراليا.

الحديد ينجو مؤقتاً

تستوعب السوق الصينية نحو 40 بالمئة من الصادرات الأسترالية، لكن هذه النسبة ترتفع عندما يتعلق الأمر بخام الحديد الذي يمثل نحو 66 بالمئة من واردات الصين من هذا المعدن.

واستوردت بكين في 2019، حوالي 1.07 مليار طن من خام الحديد، منها 664.57 مليون طن من أستراليا، بقيمة 63 مليار دولار سنوياً (بينما تبلغ جملة صادرات الحديد الأسترالية 96.5 مليار دولار).

واستعرت الأزمة السياسية بين البلدين، بسبب انتقاد كامبيرا علناً ما وصفته "فشل الصين في الوفاء بالتزاماتها تجاه هونغ كونغ وشينجيانغ (تركستان الشرقية)"، بالإضافة إلى حرمانها العملاق الصيني للهواتف النقالة "هواوي" من بناء شبكة الجيل الخامس بالبلاد.

وأصدرت أستراليا في 2018 قانوناً يمنع تمويل الأحزاب السياسية من دول أجنبية، وكانت الصين على رأس القائمة من حيث حجم التبرعات بنسبة 80 بالمئة، بحسب أنطوان بونداز، الباحث الفرنسي المتخصص في القضايا الاستراتيجية في شرق آسيا.

وجاءت قضية استبدال أستراليا صفقة الغواصات الفرنسية التقليدية بأخرى أميركية ذات الدفع النووي لتزيد الطين بلة، مع تحذير صحف صينية بأن هذه الصفقة تهدد المنطقة بحرب نووية.

وسرعان ما تحولت الأزمة السياسية المتراكمة إلى حرب إعلامية ثم اقتصادية، حيث سعت الصين لكبح الصادرات الأسترالية إلى أسواقها على غرار الفحم ولحوم الأبقار والنبيذ والقطن والنحاس، إلا أنها استثنت الحديد الخام من العقوبات.

فلحد الآن لم تجد الصين بديلاً سريعاً للحديد الأسترالي بالكميات الكبيرة التي تحتاجها أسواقها، ما زاد الطلب على هذا المعدن في السوق الدولية وارتفعت أسعاره.

أفريقيا بديل لحديد أستراليا

في ظل رغبة الصين في معاقبة أستراليا بتخفيض حجم صادراتها إلى أسواقها (أكثر من 153 مليار دولار)، وعلى رأسها الحديد الخام، فقد وجدت ضالتها في أفريقيا.

حيث اتجهت الصين إلى غينيا، في غرب إفريقيا، التي اكتشف بها أحد أكبر مناجم الحديد في القارة السمراء، بمنطقة تسمى سيماندو (جنوب) قرب الحدود مع سيراليون، باحتياطي يبلغ 2.4 مليار طن.

وقررت مجموعة من الشركات الصينية استثمار 9 مليارات يورو في سيماندو، في 2019، بعد أن حصل كونسورتيوم تتزعمه الشركات الصينية على رخصة استغلال لجزء من المنجم، الذي شهد منافسة شرسة وأحياناً غير نزيهة بين عدة شركات فرنسية وإسرائيلية وبريطانية وأسترالية.

إلا أن انقلاب عقيد في الجيش موال لفرنسا، في سبتمبر/أيلول الجاري، على الرئيس ألفا كوندي، المقرب من الصين يهدد مصالح الأخيرة في سيماندو.

وفي 30 مارس/آذار الماضي، نجح تحالف ثلاث شركات صينية في التوقيع على مذكرة تفاهم مع الجزائر لاستغلال منجم الحديد بغار جبيلات (جنوب غرب) الذي يعتقد أنه أكبر منجم في إفريقيا ومن بين أكبر ثلاثة مناجم في العالم باحتياطي يبلغ 3.5 مليار طن.

ورغم أن دراسات سابقة تحدثت عن استثمارات تتراوح ما بين 10 و20 مليار دولار لاستغلال منجم غار جبيلات بكل مرافقه (سكك حديدية، مصنع للحديد والصلب..)، إلا أن الصين تمكنت من تقليص الفاتورة إلى ملياري دولار فقط، مقسمة على ثلاث مراحل، بحيث يقوم المشروع بتمويل نفسه ذاتياً بعد استكماله.

لكن الكميات التي ستستخرج من غار جبيلات تتراوح ما بين 10 إلى 50 مليون طن بعد استكمال جميع المراحل في آفاق 2025، وهي أقل بكثير من أن تغطي احتياجات الصين (مليار طن)، فضلاً على أن جزءاً هاماً من الحديد الجزائري سيذهب لتغذية مصانع الفولاذ في البلاد، ما يقلص حجم الصادرات.

الخيار الآخر لبكين، التوجه إلى موريتانيا التي تعتبر ثاني أكبر مصدر لخام الحديد في القارة السمراء بعد جنوب إفريقيا.

وبحسب الباحث الموريتاني المختص في الشأن الصيني يربان الخرشي، فإن الخارجية الصينية تنشر على موقعها، أن احتياطي موريتانيا من خامات الحديد يصل إلى 8.7 مليارات طن، ما يجعلنا في المرتبة الخامسة عالمياً.

لكن الاهتمام الصيني بالحديد الموريتاني ليس بجديد، فمنذ 2009، أصبحت الصين المستورد الأول له، بل استحوذت على 70 بالمئة من صادرات البلاد لهذا المعدن الذي يوجد رفقة صادرات الأسماك المصدر الأول للعملة الصعبة.

ومع قرب مناجم الحديد الموريتانية بمنجم غار جبيلات الجزائر، قد نشهد مستقبلاً ربط المشروعين بخطوط سكك حديدية وبمصانع الصلب في الجزائر وبموانئ التصدير غرب موريتانيا أو شمال الجزائر في إطار "طريق الحرير" الصيني.

إلا أن موريتانيا، الواقعة ضمن النفوذ الفرنسي والأمريكي، تتردد في بناء شراكة استراتيجية شاملة مع الصين، لتفادي المصير الذي آل إليه ألفا كوندي في غينيا.

إجمالاً فإن الخلاف الصيني الأسترالي خدم دول شمال وغرب إفريقيا من حيث سهّل دخول استثمارات بالمليارات لاستغلال مناجم الحديد، ما سيقوي البنية التحتية في هذه المناطق النائية سواء من خلال تشييد سكك حديدية وموانئ ومحطات كهرباء ونقل الغاز والمياه لهذه المناطق.

كما سيوفر لها التقنية والخبرة في استخراج المعادن وتحويلها إلى مواد نصف مصنعة، ناهيك أن ارتفاع الطلب الصيني على الحديد الخام ساعد في تحسن الأسعار مما يجعل هذه المشاريع ذات جدوى من الناحية الاقتصادية.

(الأناضول)

المساهمون