هجمات روسية سيبرانية تقلق الأوروبيين... حرب على البنية التحتية

هجمات روسية سيبرانية تقلق الأوروبيين... حرب على البنية التحتية

08 ابريل 2024
محطة لشحن البضائع عبر القطارات في المملكة المتحدة (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تصاعد المخاوف الأوروبية بسبب استهداف روسيا للبنى التحتية الحيوية والهجمات السيبرانية، في إطار حرب اقتصادية تهدف للضغط على الأوروبيين لإعادة التفكير في دعمهم لأوكرانيا.
- الاستراتيجية الروسية تسعى لتعزيز المعارضة الأوروبية لدعم أوكرانيا، مستغلة التململ الناجم عن الحرب والعقوبات المفروضة على روسيا، وتعطي اليمين المتطرف فرصة لاستغلال الأزمات.
- تواجه أوروبا تحديات في التعامل مع الأزمة الأوكرانية وتأثيراتها الاقتصادية والسياسية، خاصة مع تزايد استهداف المرافق الحيوية والبحث عن طرق شحن بديلة عبر روسيا.

تزايدت في الأسابيع الأخيرة المخاوف الأوروبية من تصاعد الاستهداف الروسي لبعض البنى التحتية الحيوية، بما فيها السكك الحديدية، وغيرها، في إطار حرب اقتصادية تشنّها موسكو للضغط على الأوروبيين الذين قد يشعرون بألم أكبر جراء الدعم المتواصل لأوكرانيا.

ويؤكد مسؤولون أوروبيون تزايد الهجمات السيبرانية الروسية التي تستهدف شل قطاعات حيوية مثل السكك الحديدية، وذلك بالتزامن مع ضربات عسكرية متبادلة بين روسيا وأوكرانيا ضد مرافق اقتصادية حيوية على رأسها منشآت نفطية.

ويشير محللون إلى أنّ الأوروبيين سيدفعون فاتورة استهداف بنيتهم التحتية وكذلك ضرب المرافق الاقتصادية الأوكرانية الحيوية ما يزيد الضغط على المالية الأوروبية، خاصة مع تداعي الاقتصاد الأوكراني تحت وقع الحرب.

كما أن التكتيك الروسي، يمكن أن يجبر الأوروبيين على إعادة التفكير في خطط استهداف أموال روسيا المجمدة أو خنق اقتصادها، ويساهم أيضاً في تعزيز صفوف المعسكر المعارض أوروبياً لاستمرار انخراط القارة في دعم أوكرانيا، والالتفات أكثر نحو شعوبهم، قبل الانتخابات القادمة للبرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل.

التكتيك الروسي، يمكن أن يجبر الأوروبيين على إعادة التفكير في خطط استهداف أموال روسيا المجمدة أو خنق اقتصادها

بأسلحة "صامتة" تخوض روسيا حروب الكواليس الاقتصادية، بالتوازي مع أصوات القصف في أوكرانيا، خاصة مع خروج موسكو أخيراً نحو اتهام حلف شمال الأطلسي (ناتو) - بات يضم أغلب دول القارة بعد حسم انضمام السويد وفنلندا إليه، ليضم 32 دولة من بينها 30 أوروبية - أنه بات في مواجهة مباشرة مع روسيا، كما صرح المتحدث باسم الكرملين أخيراً ديمتري بيسكوف.

فقبل أيام قليلة تعرضت بعض البنى التحتية الحيوية في أوكرانيا لموجة ضربات، شملت قطاع الطاقة وغيره. وجاءت الضربات في الوقت الذي أعلن فيه وزير النقل في جمهورية التشيك مارتن كوبكا أن "هجمات قرصنة روسية تستهدف السكك الحديدية في بلاده".

وبحسب ما نقلت عنه صحيفة فاينانشال تايمز، يوم الجمعة الماضي، حذر الوزير من أن روسيا تحاول تخريب السكك الحديدية الأوروبية.

ليس الوزير التشيكي وحده، من يعتقد أن روسيا أصبحت تستهدف أكثر البنى التحتية الحيوية، وذلك في سياق ما يسميه "هجمات تهدف إلى زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي وتخريب البنية التحتية المهمة" فالأمر أبعد أيضاً من أوكرانيا التي تعيش واقعاً أسوأ، بحسب تصريحات في كييف وتشاؤم في بعض زوايا القارة الأوروبية.

فالهجمات الأوكرانية التي استهدفت طيلة الأشهر الماضية بعض بنى تحتية روسية ولا سيما في قطاع تكرير النفط لم توقف روسيا عن مواصلة الحرب، بل على العكس، يبدو أن الأوروبيين باتوا يخشون جدياً من استهداف موسكو لهم، بعد سلسلة من القرارات التي تمس مصالح روسيا، ومناقشات جارية في الكواليس لاستهداف المزيد منها على مستوى المال والاقتصاد بصورة خاصة، وذلك بعد تحقيق تقدم من جهة الجيش الروسي على حساب كييف التي تصرخ بسبب لعبة العض على أصابع الحاجة إلى المال والذخيرة، حتى صار قبولها المساعدة الأميركية الأخيرة بصورة "قروض".

وكشف الأوروبيون أخيراً أنّ روسيا حين ترفع مستوى محاولات تعكير البنى التحتية الأوروبية لا يأتي على ما يبدو بمعزل عن فهم موسكو للواقع الأوروبي الذي يبدو في الظاهر صامداً، في حين هو يعاني أيضاً تبعات سياسات العقوبات التي اتخذت شكلاً تصاعدياً من الحزم مع بداية غزو أوكرانيا قبل أكثر من عامين.

ويتزايد التململ في بعض الشوارع الأوروبية، خصوصاً في كبريات اقتصاداتها مثل ألمانيا وفرنسا من استمرار دعم أوكرانيا، إذ يقتنص أقصى اليمين الأزمات التي ولدتها الحرب الأوكرانية، والمستمرة بآثارها على طبقات كثيرة، ليس أقلها الفلاحين والعاملين في بعض الصناعات وقطاعات النقل، وغيرها الكثير، ممن يعانون نتائج العقوبات على روسيا، وتحويل بعض اقتصاداتهم بحكم الأمر الواقع إلى "اقتصادات حرب"، من إسكندنافيا شمالاً إلى أقصى جنوب شرقي القارة العجوز.

يتزايد التململ في بعض الشوارع الأوروبية، خصوصاً في كبريات اقتصاداتها مثل ألمانيا وفرنسا من استمرار دعم أوكرانيا

فالأوروبيون يعترفون أن روسيا رفعت من عيار الاستهداف للبنى التحتية بآلاف المرات مع دخول العام الجديد الحالي 2024. سواء تعلق الأمر بقرصنة أو غيرها فإن موسكو تدرك أيضاً أن بعض شوارع أوروبا الذاهبة بعد نحو شهرين فقط إلى انتخابات البرلمان الأوروبي باتت منزعجة من تحول دعم أوكرانيا إلى ما يشبه ثقب أسود يبتلع ما يعتقدون أنهم أولى به من مال واقتصاد وطني.

فاتورة باهظة لضمان صمود أوكرانيا

الاتهامات لبعض الحكومات الوطنية بالسير خلف "بيروقراطيي" بروكسل (بوصفه مقراً للاتحاد الأوروبي) يبدو أنه بات يترجم في الاستطلاعات التي تمنح اليمين القومي المحافظ، الأقرب بالاتهامات السياسية والإعلامية، إلى الكرملين. فهو يمين يبدي اعتراضه على تفضيل أوكرانيا على مصالح شعوبهم، وهو مؤشر على أن روسيا ستواصل استغلاله.

وبطبيعة الحال الاستهداف الروسي للبنى التحتية الحيوية في أوكرانيا يزيد أعباء أوروبا المالية والاقتصادية، نتيجة أن الاتحاد الأوروبي بات يشبه "الضامن" لصمود الاقتصاد الأوكراني وعدم انهيار البلد، وتلك معادلة مزعجة للطبقات السياسية المتحمسة لبقاء دعم كييف، ومفيدة لأخرى تريد تركيز أوروبا على مصالحها أكثر.

ويتهم قادة أوروبيون في معسكرات ليبرالية ويسار وسط (ديمقراطية اجتماعية) الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوجيه الحملات الممنهجة لاستهداف دول الاتحاد الأوروبي، سواء بالقرصنة أو غيرها، وهو ما اشتكت منه بعض البنى التحتية في دول إسكندنافية، وإن لم تصل إلى مستوى التأثير الذي تعرضت له "السكك الحديدية التشيكية (تشيكي دراهي)".

وفي مارس/آذار من العام الماضي، نشرت وكالة أمن تكنولوجيا المعلومات التابعة للاتحاد الأوروبي أول تقرير عن التهديدات التي تتعرض لها وسائل النقل الأوروبية.

واعتبر أن هناك "هجمات قرصنة روسية متزايدة ضد شركات السكك الحديدية، في المقام الأول نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا.

وتم ذكر الهجمات ضد شركات السكك الحديدية في لاتفيا وليتوانيا ورومانيا وإستونيا. وبعد ذلك تعرضت مشافٍ وقطاعات كهرباء وطاقة في دول الشمال الأوروبي لمحاولات ضرب سيبرانية.

يأتي تزايد استهداف مرافق النقل في وقت تعاني الكثير من الاقتصادات الأوروبية أزمة الشحن البحري الناجمة عن استمرار التوتر في البحر الأحمر

ويأتي تزايد استهداف مرافق النقل أخيراً في وقت تعاني الكثير من الاقتصادات الأوروبية أزمة الشحن البحري الناجمة عن استمرار التوتر في البحر الأحمر بفعل هجمات الحوثيين في اليمن منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وأدى تعطيل الحوثيين لسلاسل التوريد من آسيا إلى بحث عن طرق نقل أخرى نحو أوروبا، حيث باتت العديد من شركات الخدمات اللوجتسية الأوروبية مضطرة إلى نقل البضائع عن طريق روسيا.

وتنقل البضائع عبر قطارات شحن تابعة لخطوط السكك الحديدية المملوكة للدولة في روسيا، وزاد طلب بعض شركات الشحن الأوروبية، مثل الألمانية "ريلجيت أوروبا" بنحو 25% إلى 35%. ويسري ذلك أيضاً على العديد من شركات الشحن في دول إسكندنافيا، عدا عن أوروبا الشرقية.

ولا عقوبات ضد النقل عبر روسيا، ما دامت ليست أسلحة مثلاً، ومن ثم إن حصول السكك الحديدية الروسية على الأموال من الشركات الأوروبية يسبب منذ أسابيع معضلة للقادة الأوروبيين، الذين يريدون من ناحية تضييق الخناق على موسكو ومن ناحية أخرى يخشون على سلاسل توريد الشركات والبضائع الحيوية لعجلة المال والاقتصاد في دولهم، مع تنامي التذمر من الحرب الأوكرانية ومساهمة القارة فيها على مستوى الخزائن المالية.

موسكو ليست بعيدة عن أجواء النقاشات الأوروبية في بروكسل، وعلى مستويات وطنية، لناحية خلق بدائل تمنع استفادة روسيا من أزمة الشحن العالمية عبر البحر الأحمر وقناة السويس المصرية.

فإغلاق المسار الروسي على الشركات الأوروبية سيعني أيضاً المزيد من ارتفاع الأسعار وإرهاق جيوب مستهلكي القارة، وهم يعانون أصلاً ارتفاع معدلات البطالة والأسعار وتداعيات أزمة الطاقة.

ومنذ وقت مبكر من الحرب كانت موسكو تعتمد استراتيجية ضرب ما هو حيوي في بنى أوكرانيا التحتية، فإلى جانب السدود ومحطات الطاقة، كانت منشآت معالجة الحبوب وتخزينها وتحميلها حول مدينة أوديسا الساحلية تتلقى ضربات عنيفة في سياق فرض حصار على موانئ أوكرانيا.

استنزاف مالي لأوروبا عبر الإنفاق على التسلح

كما استخدم بوتين الصادرات الزراعية الروسية أداةَ قوة ناعمة، وفق تقرير لـ"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" الأميركي.

فمنذ أغسطس/آب من العام الماضي دخلت أوروبا في خلاف شبه علني بسبب دعم عبور الغذاء الروسي عبر دول الاتحاد الأوروبي، إذ اضطرت بعض الدول مثل بولندا والمجر وسلوفاكيا عن حظر استيراد وعبور القمح والذرة، من بين أشياء أخرى، من أوكرانيا إلى الضغط على بروكسل، حيث اعتبر الاتحاد الأوروبي ذلك بمثابة انتهاك لقواعد السوق الداخلية.

شيء آخر تلعبه روسيا في السياق، وهو الذي يتعلق بإجبار الأوروبيين على صرف المزيد من الأموال على التسلح، أي إدخالهم في سباق تسلح على حساب التنمية

العجيب أن الاتحاد الأوروبي نفسه عاد مؤخراً إلى اتخاذ إجراءات في مصلحة فلاحي أوروبا، خشية على عمق الخلافات داخل المجتمعات بسبب الدعم المقدم للمزارعين الأوكرانيين. وبالتأكيد تعرف موسكو ما يدور وما تريده من لجم للاندفاعة الأوروبية نحو المزيد من الإجراءات الخانقة لاقتصاد روسيا ودعم كييف في المقابل.

شيء آخر تلعبه روسيا في السياق، وهو الذي يتعلق بإجبار الأوروبيين على صرف المزيد من الأموال على التسلح، أي إدخالهم في سباق تسلح على حساب التنمية. وتحت مسمى "اقتصاد الحرب" يهرع الأوروبيون إلى تخصيص المزيد من المبالغ الضخمة على سباق التسلح.

وفيما روسيا تملك ترسانة ضخمة، وتصرف نحو 6% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع هذا العام 2024 فإن الأوروبيين يخوضون في نقاشات تأمين ما يحتاج إليه الأوكرانيون يومياً من سلاح وذخيرة، إلى جانب الحاجة إلى تخصيص أموال لصرفها على الدفاع الذاتي في دول الاتحاد الأوروبي.

المساهمون