مشروع نقل الغاز الروسي نحو ألمانيا: عقبات أميركية دونها مصالح كبرى

مشروع نقل الغاز الروسي نحو ألمانيا: عقبات أميركية دونها مصالح كبرى

31 مارس 2021
المشروع في مراحله النهائية (Getty)
+ الخط -

ذكر موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي في تقرير حمل عنوان "السيل الشمالي 2 نحو الميل الأخير: هل تبدو ضغوط بايدن ضرباً من العبث؟" أنه لم يتبق سوى القليل لإنهاء خط غاز السيل الشمالي (نورد ستريم 2) الذي يربط بين ألمانيا وروسيا.

وشرح الموقع أنّ هذا الخط يسمح لإمدادات شركة "غازبروم" الروسية، بالوصول بشكل مباشر إلى الأراضي الألمانية مروراً بحلفاء برلين في حلف "الناتو" والاتحاد الأوروبي الذين يتخذون أكثر المواقف المناهضة لروسيا صرامة: إستونيا وليتوانيا وبولندا. 

وتابع الموقع أنّ خط "السيل الشمالي 2" يمثل، منذ عدة سنوات، مادة نزاع لقضية جيوسياسية ودبلوماسية مشتعلة بين ألمانيا وروسيا والولايات المتحدة، إذ إنّ وجهات نظر واشنطن بقيت راسخة في إدارات باراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن، باعتبار أن افتتاح هذا المشروع من شأنه تعزيز دور موسكو في سوق الطاقة الأوروبي، ويقلص إمكانات واشنطن المستقبلية في تصدير إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال على نطاق واسع في القارة العجوز. 

ولفت الموقع إلى أنّ هذا الخط في مرحلته الأخيرة حالياً. وثمة شعور بأنّ إنجاز المشروع، في ظل الأشهر الأخيرة في عهد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مضى إلى حد بعيد للغاية، وذلك لأنه من الممكن التراجع عنه.

والواقع أنه لم يتبق سوى 150 كيلومتراً من الأنابيب للتركيب من أجل ربط مركز مدينة فيبورغ الروسية، بجمهورية كاريليا، بالمحطة الكائنة في مدينة غرايفسفالد الألمانية، على الرغم من تباطؤ العمل هناك؛ بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بدءاً من ديسمبر/ كانون الأول 2019.

وبالرغم من العقوبات وجائحة كورونا، فإنّ ألمانيا وروسيا تمضيان قدماً في إنجاز المشروع. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ كونسورتيوم "السيل الشمالي 2" كان قد أخبر، يوم 15 يناير/كانون الثاني الماضي، وكالة الطاقة الدنماركية، بأنه بدءاً من 6 فبراير/ شباط سوف تنطلق من جديد في المياه الإقليمية الدنماركية عمليتان لاستكمال تركيب أنابيب بالتوازي في منطقتين تبلغ مساحتهما 49 كيلومتراً و68 كيلومتراً على التوالي في نطاق جزيرة بورنهولم الخاضعة لسيادة كوبنهاغن. 

ونقل الموقع عن المحلل الاقتصادي الإيطالي جانَي بيسّي قوله، في مقال نشرته مجلة "ستارت ماغ" الإيطالية، إنّ "العمل يجري حالياً في بحر البلطيق بمساعدة مجموعة من سفن الدعم: سفينة البناء والدعم بالتيك إكسبلورر وسفينة الدعم أومكا وسفينة الدعم وكاسحة الجليد يوري توبشيف، علاوة على 6 سفن دعم أخرى ترفع العلم الروسي"، مشيراً إلى أنه إذا استمر العمل بهذه الوتيرة (تركيب نحو 500 متر من الأنابيب يومياً) فمن الممكن أن يُنجَز المشروع في غضون 8-9 أشهر. 

وأوضح الموقع أنّ خط "السيل الشمالي 2"، الذي بلغت تكلفته 11 مليار يورو، يشكل لبنة أساسية في استراتيجيات الطاقة لدى روسيا وألمانيا، اللتين كثفتا العمل والتنسيق في ما بينهما في الفترة بين هزيمة ترامب في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني وصعود بايدن في يناير/كانون الثاني.

واستبعد الموقع أن تلجأ إدارة بايدن، التي ارتفعت نبرة وحدة انتقاداتها لموسكو وقياداتها أخيراً، لاستخدام تعويذة العقوبات التي تتعارض عملياً مع إدراك واشنطن لإمكانية تلقيها هزيمة في قضية السيل الشمالي 2. 

واستطرد الموقع بقوله إنّ تفكير واشنطن يتجه نحو أنّ الرغبة في تعزيز هيمنتها الاستراتيجية على أوروبا، لا يمكن أن تُعرض للخطر من خلال تحركات إشكالية مثل الإجراءات الانتقامية ضد خط غاز، من شأنه أن يضع، حال التخلي عنه، حكومة حليفة (مثل ألمانيا) في مأزق.

من الأفضل إذاً لبايدن، وفق التقرير، التركيز على تعزيز شراكة الأمر الواقع مع برلين والحلفاء الآخرين ضد العدو رقم واحد لواشنطن؛ الصين، والبحث عن ضفة في مجالات مثل التكنولوجيا والدفاع والبيئة، وألا يسيس بحدّة أي فصل في أجندته.

ويتعين على الرئيس الأميركي، على وجه الخصوص، أن ينظر بعين الاعتبار إلى أنه في الأشهر القليلة المقبلة سيتوفر له داعم مفعم بالحماس له هو "حزب الخضر" الذي سيكون له دور في السلطة التنفيذية، بعد انتهاء فترة ولاية المستشارة ميركل. 

ورأى الموقع أنه من الصعوبة بمكان إذاً بالنسبة لجو بايدن ثني إرادة ميركل وفلاديمير بوتين، وربما ألا يكون ثمة اهتمام لدى واشنطن بأن تفعل ذلك، ولا سيما في مرحلة تشهد الاقتراب من التخلي عن استراتيجية الهيمنة على الطاقة التي انتهجتها إدارة ترامب خلال الأعوام الأربعة الماضية. 

وختم بقوله إنّ السياسة الواقعية، أحياناً، تنصح بتجنّب الإتيان بتحركات منفلتة ومتسرعة؛ والمقصود هنا تحديداً، وللمفارقة هو الاهتمام المتشنج لواشنطن الذي حول "السيل الشمالي 2" إلى موضوع ساخن بالنسبة للجبهة الجيوسياسية الأوروبية.

وقد تتمكن واشنطن من خلال تحليل التكاليف-المنافع أن تدرك أنه من أجل تعزيز الشراكة الأوروبية-الأطلسية، فإنه ربما يكون من الأنسب لها الآن التطلع إلى نواحٍ أخرى، وألا تحاول أن توقف في أسابيع قليلة، الميل الأخير من مشروع بنى تحتية اعترضت عليه عبثاً لسنوات.

المساهمون