قيادة الركود البريطاني: ليز تراس ترث تحديات اقتصادية قاسية

قيادة الركود البريطاني: ليز تراس ترث تحديات اقتصادية قاسية

07 سبتمبر 2022
رئيسة مجلس الوزراء ليز تراس (ستيفان روسو/فرانس برس)
+ الخط -

تسلمت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس الثلاثاء زمام قيادة بلد يغوص في اضطرابات وأزمات اقتصادية قاسية. المحللون كالسياسيين يعتبرون مهمة رئيسة الوزراء الجديدة ثاني أصعب مهمة لموقع رئاسة الحكومة بعد الحرب العالمية الثانية.

وتواجه تراس تحدياً ثلاثي الرأس يطاول كل محركات النمو في المملكة المتحدة، أولها الضغوط الهائلة على الأسر بسبب التضخم التاريخي، والصعود الكبير في فواتير الطاقة، وتصاعد الضرائب وهبوط القدرة الشرائية مع تزايد معدلات الفقر، إضافة إلى تحديات البريكست.

كذا تشكو الشركات هي الأخرى من أزمة العمالة، وارتفاع حاد في تكاليف الإنتاج يضاف إلى أزمة الإمدادات الممتدة من صدمة فيروس كورونا، وصولاً إلى الحرب الروسية في أوكرانيا.

أما هيكل الاقتصاد الكلي، فمهتز إلى حد الدخول في ركود يقلق الأسواق، وسط مخاوف واسعة النطاق على الجنيه الإسترليني، مصحوبة بأزمة ميزان المدفوعات التي يمكن أن تمتد إلى إحجام المستثمرين عن شراء السندات البريطانية.

أزمة الأسر

تعهدت تراس بالفعل بمساعدة العائلات التي تستعد لقفزة في متوسط فواتير الخدمات المنزلية السنوية 80 بالمائة في أكتوبر/ تشرين الأول إلى 3549 جنيها إسترلينيا، قبل زيادة متوقعة إلى 6000 جنيه في عام 2023، مما يؤدي إلى استنفاد الموارد المالية للأفراد. وتُظهر التوقعات من "كورنوال إنسيايت" أن سقف فاتورة الطاقة قد يقترب من 7 آلاف جنيه إسترليني سنوياً للفاتورة النموذجية بحلول خريف العام المقبل، أي أكثر من ستة أضعاف المستوى قبل عام.

ووفقاً لوثائق اطلعت عليها "بلومبيرغ"، فقد استقرت تراس على خطة من شأنها إبقاء الأسعار عند مستواها الحالي، بتكلفة تصل إلى 130 مليار جنيه إسترليني على مدى الأشهر الثمانية عشر المقبلة.

وقالت كارولين باين، كبيرة خبراء السلع الأساسية في كابيتال إيكونوميكس لـ "إندبندنت" البريطانية، إن المملكة المتحدة "تسير على حبل مشدود تماماً هذا الشتاء"، حيث يجبر المستهلكون على الاختيار ما بين طهي الطعام أو التدفئة، ما يعرض حياة الملايين للمخاطر.

ووصل التضخم بالفعل إلى 10.1 في المائة وهو أعلى مستوى منذ 40 عاماً، ويقول بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس إنه قد يصل إلى 22.4 في المائة العام المقبل إذا استمر ارتفاع أسعار النفط والغاز.

يأتي ذلك بعدما قال الاقتصاديون من "سيتي بانك" الأسبوع الماضي، إن تضخم أسعار المستهلكين من المقرر أن يبلغ ذروته عند 18.6 في المائة في كانون الثاني/ يناير. خلال حملتها، وعدت تراس بعكس الزيادة الأخيرة في التأمين الوطني وإلغاء الزيادة في ضريبة الشركات. اقترح فريقها أيضاً أنه يمكن خفض ضريبة القيمة المضافة بمقدار خمس نقاط مئوية لمساعدة الأسر، مما يمكن أن يندرج ضمن "الخطة الجريئة لخفض الضرائب وتنمية اقتصادنا"، بحسب تعبير تراس.

إلا أن الأمور ليست سهلة بالمرة على رئيسة الوزراء الجديدة، خاصة في ظل تحذيرات أطلقتها مؤسسة "ريزوليوشنز" بأن العائلات ستفقد من قوتها الشرائية 3 آلاف جنيه إسترليني في المتوسط بحلول نهاية العام المقبل، حيث إن الدخل الحقيقي المتاح للأسر المعيشية في طريقه للانخفاض بنسبة 10 في المائة خلال هذا العام والعام المقبل، وهي أعمق ضغوط في مستويات المعيشة منذ قرن، بينما من المقرر أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع بمقدار ثلاثة ملايين إلى 14 مليوناً في العام 2023.

اضطراب الأعمال

وتقود تراس اقتصاداً على شفا الركود، حيث تكافح الشركات مع ارتفاع التكاليف. وأفادت "بلومبيرغ" نقلاً عن مصادر بأن تراس تخطط لحزمة مساعدات طاقة بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني للشركات، من خلال تحديد سعر الجملة للغاز والكهرباء. في المقابل، كشف تقرير لـ"ستاندرد أند بورز" عن انخفاض "حاد ومتسارع" في إنتاج التصنيع في أغسطس/ آب، إلى جانب ضعف النشاط في قطاع الخدمات المهيمن في المملكة المتحدة.

وقد أظهر المسح الشهري للأعمال، الذي تراقبه الحكومة وبنك إنكلترا عن كثب بحثاً عن إشارات الإنذار المبكر في وضعية الاقتصاد، مخاوف متزايدة بشأن ارتفاع التضخم وانخفاض ملحوظ في الثقة بين الشركات. وقال كريس ويليامسون، كبير الاقتصاديين التجاريين في "ستاندرد أند بورز" لـ "الغارديان" البريطانية: "سيتعامل رئيس الوزراء القادم مع اقتصاد يواجه خطراً متزايداً من الركود"، حيث يواجه الاقتصاد البريطاني "سوق عمل متدهوراً وضغوط أسعار مرتفعة ومستمرة، المرتبطة بالتكلفة الباهظة للطاقة".

وفي سياق الفزع ذاته، سحب المستثمرون البريطانيون 1.9 مليار جنيه إسترليني من صناديق أسواق الأسهم الشهر الماضي مع تصاعد القلق بين المدخرين على الرغم من صعود الأسواق. وتجاوز المبلغ الذي تم سحبه بكثير ما تم الاستغناء عنه في يوليو 2016، بعد أيام من استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفقاً لـ"تيليغراف" البريطانية. كذا، قال اتحاد التجزئة البريطاني إن إجمالي المبيعات نما بمعدل سنوي قدره 1 في المائة في أغسطس، بانخفاض من 2.3 في المائة في يوليو/ تموز.

واعتبر الاقتصاديون أن سحب العاصفة تلوح في الأفق بالنسبة لتجار التجزئة، الذين يستعدون لانخفاض الطلب من الأسر التي تعاني من ضغوط شديدة. ويواجه أصحاب الأعمال جملة من التحديات، بما في ذلك التضخم المرتفع للغاية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والنقص الحاد في الموظفين، ما يؤثر على النمو.

صعوبات متداخلة

يحذر بعض المحللين من أن الاقتصاد قد دخل بالفعل في حالة ركود هذا الصيف، في حين يتوقع بنك إنكلترا أن يبدأ هذا الشتاء في فترة ركود طويلة ناجمة عن أزمة تكلفة المعيشة، ومن المتوقع أن يؤدي الركود إلى زيادة البطالة حيث تتعرض الشركات للضغط. ستكون إعادة تشغيل محرك النمو المتعثر في البلاد أولوية لرئيسة مجلس الوزراء الجديدة، على الرغم من أن الخبراء يحذرون من أن قول ذلك أسهل من فعله.

حددت تراس هدف نمو سنوي يبلغ 2.5 في المائة، ووعدت بتخفيضات ضريبية وإلغاء القوانين المستمدة من الاتحاد الأوروبي لتحقيق هدفها. وفقاً للمحللين في شركة "كابيتال إيكونوميكس"، فإن خطط تراس لتخفيض الضرائب والدعم الفوري للأسر التي تكافح مع فواتير الطاقة يمكن أن تضيف حوالي 1.3 في المائة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وإن لم يكن ذلك كله في عام واحد، لكن في المقابل فإن تحقيق ذلك سيكلف حوالي 50 مليار جنيه إسترليني.

يأتي ذلك فيما تتزايد المخاوف من أن بريطانيا قد تواجه أزمة ميزان مدفوعات على غرار السبعينيات، حيث ينهار الجنيه إذا فقدت حكومة ليز تراس ثقة المستثمرين الدوليين. في مذكرة بعنوان "وقت حرج للجنيه الإسترليني"، نُشرت في اليوم الذي فازت فيه تراس بسباق قيادة المحافظين، قال شرياس غوبال، محلل الصرف الأجنبي في دويتشه بنك، إن حزمة كبيرة وغير مستهدفة من التخفيضات الضريبية وتعهدات الإنفاق يمكن أن تثير قلق الأسواق العالمية.

قد يؤدي ذلك إلى رفض المستثمرين الأجانب تمويل العجز الخارجي للمملكة المتحدة عن طريق شراء الديون الحكومية، حيث إن ثقة المستثمرين "لا يمكن اعتبارها أمراً مفروغاً منه"، على حد قول دويتشه. وأشار غوبال إلى أن عجز الحساب الجاري في المملكة المتحدة وصل بالفعل إلى مستويات قياسية، مما يعني أن الجنيه الإسترليني يحتاج إلى تدفقات رأسمالية كبيرة، مدعومة بتحسين ثقة المستثمرين وتراجع توقعات التضخم لدعم العملة.

وكتب غوبال: "ومع ذلك، فإن العكس هو الذي يحدث. المملكة المتحدة تعاني من أعلى معدل تضخم في مجموعة العشر وتوقعات نمو ضعيفة". وانخفض الجنيه الإسترليني بالقرب من أدنى مستوى له في 37 عاماً يوم الإثنين إلى 1.14 دولار مقابل الدولار الأميركي، وهو أدنى مستوى منذ مارس/ آذار 2020، ليعود ويرتفع بما يصل إلى 0.7 في المائة إلى 1.16 دولار صباح الثلاثاء، مع إعلان تراس خطة لدعم فواتير الطاقة.

المساهمون