فوسفات تونس... ثروات معطلة تترقب "فرصة الإنقاذ الأخيرة"

فوسفات تونس... ثروات معطلة تترقب "فرصة الإنقاذ الأخيرة"

16 مارس 2021
عاطل من العمل يجلس أمام مقر مجمع الفوسفات بينما يحول جنود دون دخوله (فرانس برس)
+ الخط -

يترقب قطاع الفوسفات الحيوي في تونس ما يمكن وصفها بـ"فرصة الإنقاذ الأخيرة" بعدما دعت نقابات عمالية إلى إعادة ثرواته إلى دورة الإنتاج، للحيلولة دون انهيار القطاع الذي نالت منه الإضرابات والاحتجاجات المتواصلة منذ نحو 10 سنوات، ما أخرج تونس من قائمة كبار المصدرين العالميين للمادة المنجمية، التي ظلت لعقود واحدة من أهم روافد العملة الصعبة في البلاد.

وقبل أيام، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد العاملين)، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، عن التوصل إلى اتفاق مع المعتصمين في محيط معامل الفوسفات في محافظة قفصة (جنوب غرب تونس)، من أجل فك الاعتصام والسماح للعمال باستئناف نشاطهم، متعهدا بالمطالبة بحقوق المعتصمين بعد استعادة القطاع لعافيته.

وتعد "قفصة" معقل مناجم الفوسفات في تونس، بينما تشهد منذ عشر سنوات تعطلاً مستمراً للإنتاج بسبب الاحتجاجات المتكررة من قبل مطالبين بالتوظيف في البلد الذي يشهد ارتفاعا في معدلات البطالة، بينما أضحى العمال في القطاع المتخم بالعمالة مهددين أيضاً في أرزاقهم، بسبب توقف الإنتاج، ما دعاهم إلى إطلاق نداءات لإنقاذ العمل والبحث عن حلول مجدية للمطالبين بالتوظيف.

وقال محمد الصغير الميراوي، الكاتب العام الجهوي لاتحاد الشغل في قفصة، إن وقف العمل بسبب اعتصامات طالبي الشغل لسنوات أنهك قطاع الفوسفات، ما تسبب في مراكمة خسائر ثقيلة للمؤسسة فاقت 200 مليون دينار (71.4 مليون دولار)، مشيرا إلى أن المؤسسة باتت عاجزة عن سداد رواتب موظفيها، ما دفعها للجوء للاقتراض من البنوك من أجل سداد الرواتب، لتزداد ديونها.

وأضاف الميراوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن اتحاد الشغل قام بمجهودات مع عدد من المسؤولين المحليين من أجل إقناع المعتصمين بالسماح لمغاسل الفوسفات (وحدات إحدى مراحل الإنتاج)، باستئناف نشاطها، مشيرا إلى أنها "الفرصة الأخيرة لإنقاذ القطاع الذي يحتاج إلى دعم حكومي من أجل تدارك الأزمة".

وتابع أن توقف إنتاج الفوسفات أو إفلاس الشركة الحكومية يؤثر على حركة اقتصادية كاملة في منطقة الحوض المنجمي والمحافظات المجاورة لها، مؤكدا أن الرواتب التي تصرفها الشركة لنحو 11 ألف موظف في المنطقة تساعد على تنشيط المنطقة اقتصاديا وتجاريا وتوفير السيولة.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وقال: "فوسفات قفصة هو العمود الفقري للمنطقة"، مطالبا بجانب إيجاد حل لتوفير فرص عمل للمحتجين، بوقوف الحكومة إلى جانب الشركة وإعفاء قطع الغيار ومستلزمات الإنتاج التي توردها المؤسسة من الرسوم الجمركية من أجل تخفيف أعبائها.

وقبل عام 2016 كانت شركة فوسفات قفصة معفية من الرسوم الجمركية المفروضة على استيراد المعدات، غير أن تغيير صبغتها من شركة مصدرة إلى مؤسسة تجارية بات يلزم المؤسسة بدفع الضرائب للجمارك عند استيراد المعدات وقطع الغيار التي تحتاجها، وفق الميراوي.

وتحتكم الشركة، بحسب الميراوي، على مخزون من صخور الفوسفات المتراكمة يفوق مليوني طن، لكن المعتصمين يمنعون إخراجها، مؤكدا أن هذه الكمية قادره على توفير سيولة مالية للمؤسسة لفترة لا تقل عن 6 أشهر.

وتحتاج الشركة لاستعادة توازناتها المالية إلى نقل 5 ملايين طن سنويا من المواد الخام إلى مصانع التحويل (الإنتاج النهائي)، غير أن عودتها إلى سباق الدول المصدرة يحتاج إلى إنتاج ما لا يقل عن 8 ملايين طن، بينما معدل الإنتاج في السنوات التسع الأخيرة يراوح بين 2.5 و3.5 ملايين طن.

وتنقل صخور الفوسفات عن طريق السكك الحديدية إلى مواقع المعالجة الموجودة في صفاقس والصخيرة وقابس لاستخدامها كمواد خام في إنتاج حمض الفوسفوريك والأسمدة من قبل المجمع الكيميائي.

وكان إنتاج تونس في 2010 قد بلغ نحو 8.1 ملايين طن، قبل أن ينهار في 2011 إلى 2.4 مليون طن، ليزداد قليلا في 2012 إلى 2.7 مليون طن، ثم إلى 3.2 ملايين طن في 2013، وفي العام التالي سجلت تونس أعلى مستوى إنتاج عقب الثورة بنحو 3.7 ملايين طن، بعد عودة الاستقرار النسبي للبلاد، لكن الإنتاج لم يتحسن في العامين اللاحقين وظل في حدود 3.6 ملايين طن حتى نهاية 2016، قبل أن يصعد إلى 4.4 ملايين طن في 2017 ليعود إلى الهبوط مجددا في 2018 إلى 3.3 ملايين طن، بينما بلغ في 2019 حوالي 4.1 ملايين طن.

وبعد أن كانت الدولة مصدرة لمشتقات الفوسفات، تحولت إلى مستورد في فبراير/ شباط الماضي، بسبب نقص الكميات المحولة من المواد المنجمية الخام لمعامل الإنتاج، حيث ارتفعت الواردات بنسبة 46.7%، وفق بيانات صادرة عن معهد الإحصاء الحكومي.

وقال الخبير الاقتصادي معز الجودي إن "أمام تونس فرصة أخيرة لإنقاذ القطاع"، مشيرا إلى أن ذلك "يحتاج إلى إرادة سياسية وتوافق مع الأطراف الاجتماعية من أجل استعادة الإنتاج بشكل سريع ومتصاعد، لكن هناك شكوكا في قدرة الحكومة على وضع سياسات إصلاح قريباً بسبب الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد وغياب التوافق بين أطراف الحكم".

وأضاف الجودي أن "تونس تخسر سنويا عائدات بمليار دولار كانت تجنيها الدولة من عائدات تصدير الفوسفات، فيما تلجأ الحكومة، التي عجزت عن فك شيفرة تعطيل العمل، إلى الدائنين من أجل الاقتراض بكلفة عالية، وهذا الأمر من مفارقات الوضع التونسي المعقد".

المساهمون