التونسيون يودعون دعم السلع في منتصف 2021: مخاوف من تحولات صادمة

التونسيون يودعون دعم السلع في منتصف 2021: مخاوف من تحولات صادمة

05 مارس 2021
توقعات بارتفاع كبير في الأسعار (فرانس برس)
+ الخط -

تنهي تونس بدءاً من النصف الثاني من العام الحالي سياسة دعم المواد، بعد أكثر من 5 عقود من إرساء أول مخطط لدعم القدرة الشرائية للمواطنين وتنظيم آليات التموين، وفق القانون الأساسي للميزانية سنة 1967 المتعلق بتنظيم الصناديق الخاصة في الخزينة.
وستتحول تونس منتصف السنة الحالية من مرحلة دعم المواد إلى دعم المداخيل، في إطار سياسة عامة لإصلاح منظومة الدعم، وسط مخاوف من صدمة اجتماعية تزيد في إرهاق التونسيين الذين سيكونون على موعد مع موجة غلاء جديدة تشمل مواد أساسية، ولا سيما الخبز والمعجنات والطاقة.
ويتزامن الإعداد لمرحلة الدعم النقدي للأسر الضعيفة والتخلي وطيّ صفحة الدعم الحكومي للمواد مع ضغوط كبيرة يمارسها صندوق النقد الدولي على تونس من أجل بدء إصلاح سياسة الدعم، يكون مرفقا بالإعداد النفسي للتونسيين لتقبل التغيرات.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلن رئيس الحكومة هشام المشيشي عن حزمة إصلاحات كبرى ستشرع الحكومة في تنفيذها، طالبا من البرلمان أن يساعد السلطة التنفيذية على تنفيذ هذه الإصلاحات في آجال مختصرة.
وتشمل حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي كشف عنها المشيشي أمام مجلس نواب الشعب الاستغناء عن دعم المواد الأساسية وتوجيه الدعم نحو مستحقيه من الفئات الضعيفة في شكل تحويلات مالية مباشرة.

وقال مسؤول حكومي فضل عدم الكشف عن اسمه لـ “العربي الجديد"، إن الحكومة ستبدأ في شهر تموز/ يوليو القادم في اعتماد سياسة الدعم النقدي الموجه للأسر بدلا من دعم المواد، مؤكدا تقدم الحكومة في الإعداد اللوجستي لمنظومة الدعم الجديدة.
وأكد المصدر أن تطبيق السياسة الجديدة للدعم سيكون متدرجاً وقد يستغرق أكثر من سنة وذلك لتجنّب صدمة المرور المباشر من مرحلة المواد المدعومة إلى المواد بالسعر الحقيقي ولا سيما منها المواد الأساسية لمعيشة التونسيين.
وأضاف في ذات السياق أن الإعداد اللوجستي يشمل حصر عدد الأسر المستحقة للدعم من الطبقات الضعيفة والمتوسطة، مع تحديد مبالغ الدعم التي سيتم تحويلها لفائدة هذه الأسر استنادا إلى دراسة شاملة حول الكلفة وتطور الأسعار.
وكشف المسؤول الحكومي أيضا عن تفاصيل تتعلّق بدعم الطبقات المتوسطة والموظفين من أصحاب الدخول "المرتفعة" نسبيا، قائلا إن الحكومة تنوي فتح قاعدة بيانات لتسجيل كل الأسر التي تؤكد حاجتها للدعم على أن تتم في وقت لاحق إعادة تقييم أحقيتها للدعم أو عدمها.
وبدأت تونس استراتيجية تفكيك منظومة الدعم قبل سنوات عبر التخفيف التدريجي في أعباء صندوق التعويضات، والاتجاه نحو ما تصفه السلطات بترشيد دعم المواد الغذائية المدعومة عبر توفير بدائل لها في السوق تباع بأسعار محررة وتشمل أساسا زيت الطهي والسكر وأصنافا من الخبز والمعجنات.

منذ العام 2017، اعتمدت الحكومة على خطة مرحلية تقوم على رفع الدعم التدريجي على مادة السكر حيث بدأت منذ سنتين في ترويج سكر معلّب في الأسواق لا يخضع سعره للدعم الحكومي، رغم أنه من إنتاج وحدة السكر بمحافظة باجة والتابعة للديوان التونسي للتجارة (حكومي). 
وتسعى الدولة إلى أن يعتاد المواطن تدريجيا على شراء المنتج المعلب، وفي المقابل تعمل على التقليص من تداول مادة السكر المتوفرة بالجملة من السوق إلى أن يتم سحبها كليا.
وتنوي الحكومة من خلال إصلاح سياسة الدعم محاصرة تهريب المواد المدعومة. وخصصت تونس هذا العام نفقات بـ 3,4 مليارات دينار للدعم، من بينها 2.4 مليار دينار لدعم الغذاء و401 مليون دينار لدعم المحروقات و600 مليون دينار لدعم النقل.
وخفضت الحكومة مخصصات الدعم بنحو 300 مليون دينار، مقارنة بما تم إقراره في النسخة الأولى من الموازنة. 
ويخشى المهتمون بالشأن الاقتصادي مروراً صادماً إلى مرحلة الأسعار الحقيقية بعد تفكيك منظومة الدعم والانتقال إلى مرحلة التحويل النقدي، مطالبين محافظة الدولة بالقيام بدورها في الرعاية الاجتماعية للمواطنين.
ورجّح الاقتصادي محمد منصف الشريف أن تشهد تونس تحولات اجتماعية عميقة ما بعد مرحلة الدعم، التي ظلت توفر الحماية من التحرير الشامل للأسعار لأكثر من 5 عقود من الزمن.
وقال الشريف في تصريح لـ "العربي الجديد" إن منظومة دعم المواد ساعدت على الاستقرار الاجتماعي في تونس لسنوات طويلة، كما حافظت على تماسك الطبقة الوسطى ومكافحة الفقر بفضل سياسة الدولة الراعية لمواطنيها وتوفير الخدمات الأساسية من تعليم وصحة ودعم الغذاء لسنوات طويلة.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن هذه المنظومة في تفكك من سنوات وأن تونس تتهيأ للانتقال إلى نظام ليبرالي شامل، محذرا من تداعيات ذلك على الفقراء وانقسام المجتمع.
وبحسب بيانات رسمية، ينتفع كل تونسي بدعم بحكومي بنسبة 38,9 بالمائة عن كل رغيف خبز يستهلكه (وحدة الخبز التي يصلح عليها محليا باقات) حيث يباع سعر الكلفة بـ311 مليما توفر منها الحكومة عبر الدعم 121 مليما.
كذلك تصل نسبة دعم للمعجنات الغذائية إلى 55,9 بالمائة بالنسبة(للمعكرونة) و56,6% بالنسبة للكسكسي و58,6 بالمائة بالنسبة لزيت الطهي، وهي كلها مواد أساسية في طعام التونسيين.

وتونس التي تشكو من عجز مالي تاريخي بلغ 11,5 بالمائة، تواجه تشددا من المقرضين الدوليين مقابل مواصلة دعمها ماليا.

فحثّ صندوق النقد الدولي السلطات على خفض فاتورة الأجور والحد من دعم الطاقة لتقليص العجز المالي، مما يضع مزيدا من الضغوط على الحكومة الهشة، بينما تعاني البلاد أزمة مالية وسياسية حادة.
وقال الصندوق في بيان، الأسبوع الماضي عقب اختتام مشاورات المادة الرابعة لعام 2021، إن السياسة النقدية يجب أن تركز على التضخم من خلال توجيه أسعار الفائدة قصيرة الأجل، مع الحفاظ على مرونة أسعار الصرف.
وأشار الصندوق إلى أن فاتورة الأجور في القطاع العام تبلغ حوالي 17.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من بين أعلى المعدلات في العالم. 
وطلب الصندوق أن تعتمد تونس برنامجا قويا وموثوقا به للإصلاح، يحظى بتأييد واسع النطاق في وقت تعيش البلاد على وقع صراع سياسي داخلي بين اللاعبين الرئيسيين في السلطة واحتجاجات مستمرة بسبب عدم المساواة الاجتماعية والمطالبة بالوظائف.

المساهمون