صفقة "الصلب الأميركي" تتحول لمعركة انتخابية بين بايدن وترامب

صفقة "الصلب الأميركي" تتحول لمعركة انتخابية بين بايدن وترامب

14 مارس 2024
شركة "الصلب الأميركي" تظهر في معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شركة "نيبون ستيل" اليابانية تشتري "الصلب الأميركي" بأكثر من 14 مليار دولار، مما أثار جدلاً سياسياً بين بايدن وترامب، وتُعتبر الصفقة انتصاراً لجهود إدارة بايدن لإحياء الصناعة الأميركية وخطوة ضد هيمنة الصين.
- مشرعون من كلا الحزبين يدعون لاستخدام سلطات الأمن القومي لمنع الصفقة، معتبرين الإنتاج المحلي للصلب حيوياً للأمن القومي، وترامب يهدد بإفشال الصفقة إذا فاز بولاية ثانية.
- "كليفلاند كليفس" الأميركية تسعى لإشعال المعارضة ضد الصفقة، في حين تعهدت "نيبون ستيل" باستثمار 1.4 مليار دولار في المصانع والحفاظ على الوظائف، مما يضع بايدن أمام تحدي الوفاء بوعوده الانتخابية.

تحولت صفقة شراء "نيبون ستيل" اليابانية لشركة "الصلب الأميركي United States Steel" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي تجاوزت قيمتها 14 مليار دولار، إلى معركة انتخابية جديدة بين الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، والسابق دونالد ترامب، في وقتٍ بدأت طبول المعركة الانتخابية في الوصول لآذان الأميركيين.

واعتبرت الصفقة في بادئ الأمر انتصارا لمحاولات إدارة بايدن إنعاش جهود التصنيع في أميركا، حيث يبدأ العملاق الياباني، الذي كانت مبيعاته في السوق الأميركية تؤرق صناع الصلب الأميركيين، في التصنيع داخل الولايات المتحدة. وتوقعت إدارة بايدن أن يمنح ذلك شركة "الصلب الأميركي"، التي أفل نجمها منذ عدة سنوات، قبلة حياة من رأس المال والتكنولوجيا.

وقرأ البعض أيضاً بين سطور الصفقة خطة أميركية يابانية للتصدي لهيمنة الصين على سوق الصلب العالمية.

لكن الصفقة تحولت إلى مباراة ساخنة بين المتنافسين في انتخابات الرئاسة المقرر عقدها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث دعا المشرعون من الحزبين إدارة بايدن إلى استخدام سلطات الأمن القومي لمنعها، بينما وعد ترامب بإفشالها إذا فاز بولاية ثانية.

وطلب السيناتور جي دي فانس، المعروف بتأييده القوي لترامب، وعضوان جمهوريان آخران، من وزيرة الخزانة جانيت يلين منع المشروع، واصفين إنتاج الصلب المحلي بأنه "حيوي للأمن القومي الأميركي".

ويمثل إلغاء الصفقة ضربة قوية لتعهد بايدن الانتخابي بإعادة بناء التصنيع الأميركي، بينما تزداد المخاوف من تسبب الاستحواذ الأجنبي في إرسال إشارة خاطئة إلى الناخبين.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن تيبو ديناميل، من مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية (CSIS)، قوله "إن رؤية شركة كبرى للصلب، ترمز إلى نوع التصنيع الذي تريد الإدارة إعادته لأميركا، يتم بيعها إلى كيان أجنبي سيُعتبر أمرًا يتعارض مع الجهود السياسية لإحياء الصناعة". 

وقال ديناميل لوكالة "فرانس برس"، إن هذا قد يُنظر إليه أيضًا على أنه يتعارض مع وعود حملة بايدن الانتخابية.

وسعى بايدن لإرضاء النقابات قبل الانتخابات، في وقت تنافس المرشحان في العام 2020 على ناخبي الطبقة العاملة الحيويين.

وفي بيان له اليوم الخميس، أشار الرئيس بايدن إلى معارضته إتمام الصفقة دون أن يقول صراحة إنه سيمنعها. وقال بايدن إن الشركة "كانت رمزاً أميركياً شهيراً لأكثر من قرن، ومن المهم أن تبقى شركة أميركية، مملوكة ومدارة محليًا".

وأشارت جريدة "وول ستريت جورنال" إلى وجود شركة أميركية تعمل في نفس المجال، هي "كليفلاند كليفس"، التي تتخذ من ولاية أوهايو مقراً لإدارتها، تسعى وراء الكواليس لإشعال المعارضة لإتمام الصفقة، بعدما حاولت شراء شركة "الصلب الأميركي" العام الماضي، ولم تكلل جهودها بالنجاح.

وتواجه "كليفلاند كليفس" حالياً احتمالات وجود منافس، مدعوم إلى حد كبير بأموال وتقنيات شركة "نيبون ستيل" العملاقة، التي تربطها أيضاً علاقات وثيقة بشركات صناعة السيارات اليابانية.

ويحاول لورينكو جونكالفيس، الرئيس التنفيذي لشركة "كليفلاند كليفس"، قتل الصفقة في الكونغرس الأميركي، من خلال تحالف غير عادي مع "اتحاد عمال الصلب المتحدين"، صاحب النفوذ القوي بأميركا.

وفي اجتماعات مع المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين، ضخّم موظفو "كليفلاند كليفس" مخاوف النقابات بشأن توقعات قيام شركة "نيبون ستيل" بتسريح العمال في مصانع شركة "الصلب الأميركي" في ولايتي بنسلفانيا وإنديانا وأماكن أخرى، وفقًا لما ذكرته "وول ستريت جورنال". 

وقال جونكالفيس، خلال مكالمة هاتفية حديثة مع المستثمرين في شركته: "إن الصفقة تكون منتهية عندما يتم إغلاقها، وتوضح التقارير الأخيرة أن الصفقة المعلنة مع نيبون تواجه مسارًا غير مؤكد للغاية للإغلاق"، مشيراً إلى أن معركته لوقف إتمامها لم تنته بعد.

وتسعى جماعات الضغط حالياً لإقناع ممثلي الحزب الديمقراطي بالكونغرس بصياغة قرار يصب في قلب طموحات بايدن الصناعية، مع الأخذ في الاعتبار أن إلغاء الصفقة لأسباب تتعلق بالأمن القومي قد يجعل المستثمرين الأجانب يفكرون عدة مرات قبل ضخ الموارد المالية في الاقتصاد الأكبر في العالم.

وفي الوقت نفسه، يظل الصلب عنصرًا أساسيًا في هوية ولاية بنسلفانيا المتأرجحة واقتصادها، ما يعني مخاطرة بايدن بخسارتها، في حال دعمه إتمام الصفقة اليابانية. 

وحثت "نيبون ستيل" الإدارة الأميركية على إتمام الصفقة، حيث نقلت وسائل إعلام أميركية عن الشركة اليابانية قولها: "إننا نرحب بمراجعة الإدارة للصفقة، حيث إن المراجعة الموضوعية والشاملة ستُظهر أنها تعزز الوظائف والمنافسة والأمن الاقتصادي والوطني في الولايات المتحدة".

وسارعت شركة "نيبون ستيل" إلى توظيف جماعات الضغط، في حين سافر تاكاهيرو موري، رئيس تطوير الأعمال العالمية في الشركة، إلى واشنطن وبيتسبرغ أخيرا لحضور سلسلة من الاجتماعات. وتعهدت الشركة باستثمار 1.4 مليار دولار في المصانع القديمة لشركة "الصلب الأميركي"، مع الامتناع عن تسريح العمال بالساعة حتى عام 2026.

وتعتمد استراتيجية "نيبون ستيل" في الولايات المتحدة على احتواء اتحاد العاملين بشركة "الصلب الأميركي"، الذي يمثل نحو عشرة آلاف عامل. وقال موري في مقابلة: "إذا تمكنا من التوصل إلى اتفاق، فسوف تهدأ الرياح السياسية المعاكسة".

وتأسست شركة "الصلب الأميركي" في العام 1901، في واحدة من أولى عمليات الاندماج الضخمة في القرن العشرين، والتي شارك فيها أباطرة الصناعة والبنوك أندرو كارنيجي، وتشارلز شواب، وجي بي مورغان. وبحلول الخمسينيات من القرن الماضي، كانت مصانع شركة "الصلب الأميركي" ومنافسيها تصطف على ضفاف نهر مونونجاهيلا في ولاية بنسلفانيا، وتوظف عشرات الآلاف من العمال.

لكن أيام المجد تلك انتهت منذ عقود. وسعت شركة "الصلب الأميركي" لزيادة أرباحها خلال السنوات الأخيرة، فقامت بتحويل بعض الإنتاج إلى مصنع جديد منخفض التكلفة في أركنساس، حيث تُصنّع الفولاذ من الخردة المنصهرة، معتمدة على قوة عاملة غير نقابية، لا تشكل سوى جزء صغير من حجم العمالة في أحد مصانعها القديمة. وقامت الشركة منذ عام 2020 بتسريح ربع قوتها العاملة النقابية، وهو ما أثار استياء اتحاد العاملين بها.

المساهمون