سورية: ارتفاع معدل استقالات الموظفين الحكوميين رغم تهديدات النظام

سورية: ارتفاع معدل استقالات الموظفين الحكوميين رغم تهديدات النظام

09 مايو 2023
تسرّب العمال وهجرتهم إلى الخارج من أخطر ما يعانيه القطاع الإنتاجي في سورية (فرانس برس)
+ الخط -

أدت مماطلة حكومة بشار الأسد بتحسين الرواتب والأجور إلى زيادة معدلات استقالة العمالة في القطاع الحكومي السوري، والتوجه إلى القطاع الخاص أو الهجرة إلى خارج البلاد، رغم قرارات النظام بمنع قبول الاستقالات إلا بشروط، وتهديد العامل بدفع غرامات وملاحقة قضائية، إن تغيّب عن العمل لأكثر من 16 يوماً.

ويكشف الموظف الإداري بوزارة الصناعة السورية (خضر. ش) أن "مئات الاستقالات متراكمة منذ العام الماضي، ولم يُوافَق عليها، رغم تراجع إنتاجية العامل بسبب عدم توافر المواد الأولية وانقطاع الكهرباء وشحّ المحروقات"، مشيراً إلى أن "عمل الموظف الإنتاجي لا يتعدى الساعتين يومياً".

وأضاف الموظف الإداري في اتصال مع "العربي الجديد" أن "العامل السوري مرتبط بمكان عمله لثماني ساعات، ما يمنعه من عمل آخر يتدبر خلاله، ولو بعض متطلبات المعيشة، لأن أجر القطاع العام بين 92 و125 ألف ليرة سورية، وهو بالكاد يكفي لمصاريف يومين بواقع الغلاء الذي تشهده المنتجات وتهاوي سعر صرف الليرة السورية التي هوت إلى 8800 ليرة اليوم".

بين الاستقالة والبطالة

"يعاني العامل السوري، وخصوصاً في القطاع الحكومي، من تردي الأجور إلى الأقل على مستوى العالم"، كما يقول الاقتصادي محمد حاج بكري، "ففيما لا يزيد متوسط الأجر الشهري على مئة ألف ليرة، زاد إنفاق الأسرة على 6.5 ملايين ليرة، ما حوّل الموظفين إلى الطبقة الأفقر بسورية، حيث تراجع الأجر من نحو 400 دولار عام 2011 إلى أقل من 12 دولاراً اليوم".

لكن ثمة معادلة مختلّة سألنا بكري، كيف يتسابق العمال للاستقالة ويشكون بالوقت نفسه من ارتفاع البطالة، فيقول: "صحيح أن نسبة البطالة بسورية تزيد على 87%، ولكن هي أرحم من العمل طوال الشهر مقابل أجر لا يشتري كيلو لحم، فالبطالة برأيه تعني عدم العمل بجهة رسمية، ولكن لا تعني عدم تدبر السوري أمور معيشته، فإن عمل أي إنسان بجمع القمامة، يمكن أن يحصّل أضعاف الأجر الرسمي". وأشار إلى أن "تكاليف الانتقال لموقع العمل بين 3 و 6 آلاف ليرة يومياً".

ويرى الاقتصادي حاج بكري أن "تسرّب العمال وهجرتهم إلى الخارج، من أخطر ما يعانيه القطاع الإنتاجي بسورية، فهم أولاً من المهرة الذين يستطيعون تأمين عمل أنّى ذهبوا".

وأضاف: "كذلك إن تراجع أعداد العمالة ستشعر الحكومة بخطورته بالمستقبل حين يبدأ التعافي وإعادة الإعمار"، مبيناً أن "الخطر الثالث بغلبة المسنين على عمالة القطاع الحكومي السوري، مقدراً أنّ من هم فوق الخمسين عاماً يزيدون على 30% من مجموع العمالة"، وهم برأيه "تعبوا وتكلسوا وتراجعت إنتاجيتهم، ولم يعودوا يتقبلون التأهيل أو تعلم التقنيّات والتجديد".

تراجع قوة العمل

بحسب المستشار السابق في اتحاد العمال بسورية، عماد الدين المصبّح، فقد "تراجعت قوة العمل بسورية في القطاع الحكومي من 3.5 ملايين عام 2011 إلى أقل من 1.8 مليون عامل اليوم"، محذراً خلال تصريح لـ"العربي الجديد" من "هجرة اليد الماهرة السورية وأصحاب الشهادات العليا إلى أوروبا، فسورية بالنتيجة تخسر كفاءات لا يمكن تعويضها لعقود".

ويلفت المصبّح إلى أن "التسريح التعسفي لكل من يؤيد الثورة أفقد سورية آلاف العمال الذين هاجروا إلى الخارج أو تحولوا للعمل العضلي والزراعي بواقع صعوبة تأسيس مشاريع وشركات".

وحول عمالة القطاع الخاص وهل يتقاضون ما يبقيهم بعملهم، يضيف المصبح أنهم "أسوأ حظاً وواقعاً لأنهم مطالبون بعمل محدد، وليس كالقطاع الحكومي الذي كان يشهد بطالة مقنعة ولا ينتج العامل سوى لسويعات قليلة"، مضيفاً أن "أجور القطاع الخاص مرتبطة بالأجور العامة، مع زيادة قليلة ببعض القطاعات، كالمصارف وشركات الاتصالات والتأمين".

وتنبهت حكومة بشار الأسد، منذ العام الماضي، إلى زيادة استقالة العمال والموظفين، والتوجه للقطاع الخاص أو الهجرة إلى خارج سورية، فأصدرت في شهر أغسطس/ آب 2022 تعميماً يمنع تقديم الاستقالات وتشديد العقوبة على من يترك العمل، تصل إلى المقاضاة والسجن ودفع غرامة مالية مع حرمانه مستحقات نهاية الخدمة.

ولم يزل التعميم ساري المفعول حتى اليوم، بحسب الإداري بوزارة الصناعة، خضر الذي يضيف لـ"العربي الجديد" أن "الاستقالات ممكن أن ينظر بها وتقبل، لمن عمره أكثر من 55 عاماً وأمضى بعمله أكثر من 30 عاماً، وعدا ذلك التعليمات واضحة برفض قبول أية استقالة وملاحقة المنقطعين عن العمل".

وحول قانونية قرار منع الاستقالات وهضم حق العامل، يشير الإداري السوري إلى أن "التعميم مخالف لقانون العاملين الأساسي الذي يتيح للعامل التقدم بالاستقالة، ووقتها لرئيسه بالعمل الحق بقبولها أو رفضها خلال شهرين بالأقصى، ومنع الاستقالات أو عدم النظر والبت بها، كما يجري اليوم، هو مخالفة صريحة حتى للمادة الـ50 من الدستور السوري".

ولكن، يلفت الموظف السوري إلى أن "الوزارات إن فتحت الباب لقبول الاستقالات، فلن يبقى عامل ماهر ولا متخصص، بل الجميع سيذهب بواقع تردي الأجور"، كاشفاً أن "المسابقات للتوظيف التي تعلنها بعض القطاعات لا يتقدم لها إلا أعداداً قليلة ولا تسد مكان المتسربين، لا مهنياً ولا عدداً".

مخاطر تسرب العمالة

"وزاد ضغط الواقع المعيشي على العمال والموظفين السوريين، فلم يعد الأجر الشهري يكفي لمصاريف يوم واحد"، بحسب الأكاديمي حسن حزوري.

وأضاف في تصريحات لصحيفة "الوطن" المقربة من نظام الأسد أن "الموظف بات يفضل الحصول على إجازة بدل الالتحاق بالعمل".

وكان رئيس اتحاد العمال في حكومة النظام السوري، جمال القادري، قد طالب في تصريحات إعلامية أخيراً، بتعديل نظام الرواتب والأجور للعاملين في مؤسسات النظام السوري، مشيراً إلى أن الحد الأنى للأجور لا يكفي ليوم واحد.

ويرى الاقتصادي عبد الناصر الجاسم أن "مخاطر تسرّب العمالة وهجرتها، ستؤثر في الإنتاج السوري، كمّاً ونوعاً، وتفقد الصناعة السورية والسلع المصدرة، قدرتها على التنافس وسمعتها التي بنتها لعقود بالأسواق المجاورة، خصوصاً الألبسة والغذاء".

ويضيف الجاسم لـ"العربي الجديد" أن "آثار البطالة وتردي الأجور لا تقتصر على الواقع المعيشي والفقر، بل تطاول الصحة النفسية والجسدية للسوريين".

المساهمون