سوبرماركات لبنان إلى التسعير بالدولار وجمعية المستهلك تحذّر

سوبرماركات لبنان إلى التسعير بالدولار وجمعية المستهلك تحذّر

31 يناير 2023
فوضى عارمة في تسعير المواد الغذائية والاستهلاكية في لبنان (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -

باتت "الدولرة" اللاعب الأساسي على الساحة الاقتصادية اللبنانية، في ظلّ الانهيار المستمرّ لقيمة العملة الوطنية، لتطاول أخيراً قطاع السوبرماركت الذي يتحضر لتنفيذ إجراءات ذات طابع استثنائي بالتسعير بالدولار، وذلك بناءً على قرار وزارة الاقتصاد، بذريعة حماية المستهلك، ولجم هوامش الأرباح الكبيرة التي يحققها "تجار الأزمات".

وعلى خطى وزارة السياحة التي عمّمت على المؤسسات السياحية منذ فترة التسعير بالدولار، أعلن وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، أمين سلام، خلال مؤتمر صحافي عقده يوم الاثنين، "قرار تسعير السلع والمواد الغذائية في السوبرماركت بالدولار الأميركي، الذي أتى في ظلّ الظروف غير الطبيعية التي تعيشها البلاد، والتفلّت غير المسؤول والمعيب والمخيف بسعر صرف الدولار مقابل انهيار كامل للعملة الوطنية، كما وفي ظل عدم قدرة القيّمين على الملف النقدي في البلاد على السيطرة عليه، الأمر الذي ترجم كذلك باستنسابية كبيرة بالتسعير بين الدولار واللبناني".

ويشهد سعر صرف الدولار في الأيام القليلة الماضية تقلبات سريعة، على خطّي الـ55 ألف ليرة والـ60 ألف ليرة، بعدما كان قد تجاوز الأسبوع الماضي عتبة الـ64 ألف ليرة، الأمر الذي ينعكس على أسعار المحروقات بالدرجة الأولى التي باتت وزارة الطاقة والمياه تصدر جدولي أسعار بشأنها في اليوم، كما على جميع أسعار السلع والمواد والبضائع التي تسعّر بالدولار وتباع وفق سعر الصرف المحدد لحظة الشراء عبر تطبيقات الصرف.

وأشار سلام إلى أن التسعير بالدولار يعني احتساب السلع وفق سعر الصرف في السوق والدفع بالليرة اللبنانية، ولا يمكن للتاجر أن يلزم المستهلك بالدفع بالدولار، وإلا فسيكون قد ارتكب مخالفة قانونية.

الصورة
سوبرماركت لبنان حسين بيضون22

وتوقف وزير الاقتصاد عند إيجابيات هذه الخطوة والسير بالمؤشر الغذائي الذي باتت تتبعه الكثير من القطاعات، أبرزها تأمين الوضوح والشفافية على صعيد الأسعار، حماية المواطن من تجار الأزمات الذين يستغلون تقلبات سعر صرف الدولار ليزيدوا كثيراً من الهوامش، عبر التسعير بأكثر بكثير من سعر صرف الدولار، كما وعدم خفضه في حال تراجعه.

كذلك، "يسهّل عملية الرقابة، سواء من جانب المستهلك أو الوزارة، باعتبار أن سعر السلعة بالدولار ثابت نسبياً، وهوامش الصعود والتراجع بعيدة كل البعد من الفوضى النقدية الداخلية في لبنان"، على حدّ تعبير سلام.

ولفت سلام إلى أن "هذا الإجراء الاستثنائي سيكون لفترة زمنية مؤقتة، وسنعطي مهلة أسبوع قبل صدور قرار رسمي حوله عن وزارة الاقتصاد إفساحاً في المجال أمام تفاعل الرأي العام والمعنيين بشأنه والتشاور المباشر لعرض الطروحات والنقاط المرتبطة به".

وفي هذا السياق، يقول هاني بحصلي، رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الإجراء مفيدٌ، ومن شأنه أن يخلق ارتياحاً كبيراً في السوق، وعند المواطن والمستهلك، باعتبار أن التسعير أصبح واضحاً وشفافاً، ولم يعد عرضة للتجاوزات، خصوصاً بالنظر إلى سيناريو ارتفاع سعر صرف الدولار الذي يقابَل بارتفاع الأسعار سريعاً، بينما لم نكن نجد ذلك يحصل عند تراجع سعر الصرف".

وحول ما إذا كان هذا الإجراء سيحلّ من أزمة انقطاع أو شحّ السلع، يلفت بحصلي إلى أن "التسعير بالدولار سيخلق حتماً ارتياحاً على صعيد الأسواق التي كانت أكثر تحفظاً، بعدما باتت الأسعار ثابتة، والتاجر على دراية بها كما المواطن".

الصورة
سوبرماركت لبنان حسين بيضون333

من جهتها، تقول الخبيرة في الاقتصادات المدولرة ليال منصور، لـ"العربي الجديد": "لطالما تحدثنا عن الدولرة الشاملة التي أتت متأخرة بعد ثلاث سنوات، باعتبار أننا كنا نعلم مسبقاً بالوضع الذي سنصل اليه، ولا سيما على صعيد انهيار الليرة اللبنانية".

وتشير منصور: "نحن أمام مشهد فقدان السيطرة على سعر الصرف، وبهذه الحالة لا يمكن التعويل على الليرة لاستعمالها كعملة أساسية للتسعير، من هنا، فإن هذا الإجراء مفيدٌ بحالة لبنان، الأمر الذي لا ينطبق مثلاً مع حالة مصر، إذ إن الأخيرة تعيش أزمة، لكن عملتها لم تمت، بعكس لبنان، وهنا الفرق بين الموت والمرض".

وتلفت منصور إلى أنه "لا يمكننا أن نبني خططاً اقتصادية تعوّل على إحياء الليرة أو تعطي الثقة بالليرة أو تعوّل على استعادة الثقة بالليرة، وذلك لأسباب اقتصادية عملية بحت".

في المقابل، أشارت جمعية المستهلك إلى أن "الدولرة هنا لن يستفيد منها إلّا التجار، كما استفادوا من الدعم الذي تجاوز 25 مليار دولار قبل 3 أعوام، كذلك ستفاقم التضخم وانهيار الليرة".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وحذرت الجمعية، في بيان يوم الثلاثاء، من أن "أخطر مسألة ستطيحها الدولرة، انتشارها على كل القطاعات من دون استثناء، وأولها سعر الخضار والفاكهة التي ما زالت أسعارها بمتناول الفقراء، لأنها إنتاج محلي، وهي في أساس الغذاء اللبناني السليم، ودولرتها ستدفع إلى سيطرة المافيات التجارية عليها، ما سيهدد صحة الفقراء في الصميم".

وتوقفت الجمعيات عند عقبات تواجه الخطة، إذ إنه "وفق أي سعر سيُحتسَب الدولار؟ وفي حال السوق السوداء وفق أي مرجع؟ مع احتمال تغيير السعر بين دقيقة وأخرى، ما قد يؤدي إلى استنفار أطراف العملية وسقوط جرحى وقتلى، ونحن لا نمزح عندما نقول ذلك".

وأضافت: "من سيحدد سعر السلعة بالدولار، هل هو التاجر؟ ووفق فواتير ستكون بمعظمها مزورة؟ وأي سعر تاجر سيعتمد المستورد الأساسي أم الوسيط أو الصغير؟"، معتبرة أنه "عملياً سيكون لكل تاجر سعره الخاص، وهو سيحدده وفق مصلحته والكثير من التجار، إذا لم يكن كلهم، سيعمد إلى تحديد سعر بهامش ربح كبير".

وتابعت: "ربما يريد الوزير أن يقرر بنفسه السعر المناسب لكل سلعة، لكن لا يجب أن ينسى أن التسعير حر في بلد اقتصاده نظرياً حر. فهل يريد ويستطيع تغيير هذا النظام؟".

وأشارت الجمعية إلى أن "هذه الأسئلة تكشف حقيقة أن الوزارة لن تستطيع التحكم بالدولرة على الإطلاق، بل هي ستهدي فقط التجار سلاحاً حاداً يسمح لهم بإدارة العملية التجارية وفق مصالحهم".

الصورة
سوبرماركت لبنان حسين بيضون444

ولفتت الجمعية إلى أن "عدوى قرارات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد انتشرت على كل السلطات، والجميع يركضون وراء حلول وهمية مفتعلة ادعت المعرفة وحسن النيات، لكنها حملت البلاد من انهيار إلى انهيار أسوأ وأخطر"، معتبرة أن "مشهد البلاد اليوم لم يعد يحتمل هذا الجهل المقنع، الذي يهدف إلى التعمية وادعاء الصلاح، وهو في حقيقته يخفي سياسات تهدف إلى استمرار نهب ما بقي من عملات أجنبية وسرقة قوة عمل الناس عبر أجور لم تعد تساوي شيئاً".

ومن الحلول التي تتوقف عندها الجمعية، لترتفع قيمة الليرة المبنية على اقتصاد سليم، إقرار السلطة الفوري لخطة دعم مبرمج للقطاع الصناعي والزراعي وشركات التكنولوجيا الرائدة، مع استثمار أكبر مبالغ ممكنة فيها، محاسبة المسؤولين عن الانهيار، واسترجاع الثروات المنهوبة والمهربة، فتح باب المنافسة على مصراعيه ورفع العوائق التي وضعتها الاحتكارات السياسية والتجارية أمام لبنانيي المهجر ليشاركوا في المنافسة ونهضة البلاد، وإعادة تشكيل الدولة خارج القيد الطائفي.