رئيس برنامج الأغذية العالمي في العراق: مخاطر من قلة المياه والمناخ

رئيس برنامج الأغذية العالمي في العراق لـ"العربي الجديد": مخاطر من قلة المياه وتغير المناخ

29 يناير 2023
قريشي يؤكد أن هنالك 5 تحديات أثرت على الأمن الغذائي في العراق (العربي الجديد)
+ الخط -

حذر رئيس برنامج الأغذية العالمي في الأمم المتحدة بالعراق، علي رضا قريشي، من مخاطر تغيير المناخ وشح المياه على الأمن الغذائي ونزوح الأفراد. وأشاد في مقابلة مع "العربي الجديد" بإجراءات الحكومة لامتصاص ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، لكن ما يزال هناك الكثير للعمل عليه.

وإلى نص المقابلة:

ـ حظي العراق باهتمام كبير من برنامج الأغذية العالمي، لاسيما على صعيد تداعيات التغيرات المناخية والأمن الغذائي وأعداد الأشخاص الذين يعانون من مستويات استهلاك غير كافية للغذاء، فما تقييمكم للوضع الحالي؟

بحسب تحليل خاص ببرنامج الغذاء الأممي، يبلغ عدد من يعانون من مستويات استهلاك غير كافية للغذاء في العراق نحو مليونين ومائة ألف شخص، بينما يبلغ عدد من يتأقلمون معيشياً ويركزون على الغذاء وحده ويستغنون عن باقي الأمور الحياتية بسبب فقرهم مليونين وسبعمائة وخمسين ألفاً.

ـ هناك إجراءات حكومية لتخفيف وطأة هذا الوضع، منها برنامج البطاقة التموينية ومرتبات الرعاية الاجتماعية التي عززت الحكومة قاعدتها أخيراً، فهل هذه إجراءات كافية؟

العراق من البلدان القليلة في المنطقة التي تقدم عدة برامج للحماية الاجتماعية وأهمها برنامج البطاقة التموينية الذي نعتقد أنه يساعد كثيراً على توفير مستويات جيدة للأمن الغذائي، خاصة أنه يشمل جميع أفراد الشعب، لكن نعتقد أن المليونين والمائة ألف ممن أشرنا إليهم بحاجة إلى مساعدات غذائية إضافية لتحقيق الأمن الغذائي لهم ولعوائلهم.

العراق هو الخامس على العالم بمستوى التأثر بالتغير المناخي وفقاً لما أعلنته وزارة البيئة، إذ إن هنالك 5 تحديات أثرت على الأمن الغذائي تتمثل في شح شديد في الأمطار بالأعوام الماضية.

ونعتقد أن هناك حاجة لإصلاح هذا النظام عبر حجب المواد التموينية عن العوائل الميسورة وتدوير ما يخصص لحصصهم من أموال نحو الفئات الهشة لتحسين المخصصات لهم وزيادتها، وهذا مشروع مطروح ونعمل على تطبيقه مع وزارتي التجارة والعمل والشؤون الاجتماعية العراقيتين ونعتقد أنه سيوفر الكثير من الأموال التي يمكن إعادة توجيهها نحو الفئات الهشة.

أيضا هناك خطوة إصلاحية أخرى تعمل الحكومة العراقية على تطبيقها تتمثل في البطاقة التموينية الإلكترونية وهذا المشروع بدأ بالتعاون معنا في مدينة النجف ومن خلاله سيجري تحديد الفئات الأكثر هشاشة بدقة أكبر عبر تحليل معدل دخلها الشهري بالبيانات المثبتة في البطاقة وحينها تمكن معرفة من هم بحاجة أكبر لمواد الحصة التموينية.

ـ لبرنامج الأغذية العالمي ملاحظات مهمة بشأن التغير المناخي، فهل تطلعنا على أهم مخاطر هذا التغير على العراق، خاصة في ما يتعلق بأمنه الغذائي؟

العراق هو الخامس على العالم بمستوى التأثر بالتغير المناخي وفقاً لما أعلنته وزارة البيئة، إذ إن هنالك 5 تحديات أثرت على الأمن الغذائي تتمثل في شح شديد في الأمطار بالأعوام الماضية، وقلة تدفقات مياه الأنهار، وارتفاع رقعة الجفاف والتصحر، وملوحة التربة، وكثرة العواصف الترابية، والتغير المناخي أثر كثيراً على المجتمعات الضعيفة خاصة في المناطق الريفية ومن تمتهن الزراعة، إذ اضطرت بسبب الجفاف إلى ترك الأراضي الزراعية التي تستغلها والنزوح من مناطقها بحثاً عن قوتها وتحقيقا لأمنها الغذائي.

ـ برأيكم هل ساعد الإنفاق الحكومي على تقليل آثار التغير المناخي على العوائل؟

نعم كثيراً.. وما قلل الفجوة هو ارتفاع أسعار النفط ما مكن الحكومة من تخصيص الأموال لمعالجة تلك الآثار، لكن في المقابل على العراق أن يتجه لإيجاد موارد إضافية ولا يتوقف فقط على النفط بخطط تمتد إلى الثلاثين عاماً المقبلة، لأن العالم يتجه لتقليل الاعتماد على النفط بشكل كبير واستخدام الطاقة النظيفة والمتجددة.

ـ هل لاستمرار اعتماد العراق على النفط كمورد رئيسي تداعيات مستقبلية على أمنه الغذائي؟

لو عدنا إلى فترة جائحة كورونا في عام 2020 لوجدنا أن الطلب العالمي على النفط هبط إلى أدنى مستوياته وتراجعت موارد العراق إلى مستويات غير مسبوقة وهذا بالطبع أثر على أمنه الغذائي، نتيجة قلة الأموال واعتماده على تأمين الغذاء عبر الاستيراد، ولنا أن نتخيل إن تكرر هذا كيف ستكون آثاره الخطيرة مع الارتفاع الكبير لأسعار المواد الغذائية، وكذلك مشاكل التغير المناخي التي أثرت على الزراعة، وهنا يجب على العراق وضع خطط واقعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية تعالج أو تقلل آثار التغير المناخي. وعلى العراق أن يتجه سريعاً نحو الإعداد لموارد بديلة خاصة مع الزيادة السكانية الهائلة.

ـ كيف تنظرون إلى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي؟

وجود نظام البطاقة التموينية وتوفير الحكومة مواد غذائية بأسعار مدعومة من أهم العوامل التي ساعدت على امتصاص الصدمات الاقتصادية ومن بينها ارتفاع سعر الدولار والحرب الروسية ـ الأوكرانية، التي رفعت أسعار الغذاء عالمياً بنسبة وصلت إلى 300%، وفي العراق وصل التضخم إلى 13% فقط بسبب دعم الحكومة، حيث دفع البلد مبالغ طائلة لاستيراد المواد الغذائية بأسعار مضاعفة، خاصة بعد تشريع قانون الأمن الغذائي في العام الماضي والذي خصص 5 مليارات دولار لتأمين الغذاء للعراقيين.

ـ هل ثمة برنامج مقترح للحكومة العراقية متعلق بالأمن الغذائي؟

في العام 2019 حقق العراق الاكتفاء الذاتي من الحبوب قبل أن تؤثر تداعيات كورونا والتغير المناخي وتقلل الإنتاج للنصف، نعتقد أن على الحكومة زيادة دعم المزارعين وإيقاف الاستيراد الجائر للمواد المنتجة محلياً كالطماطم والخضر للتشجيع على زراعتها ومنع خروج الأموال من البلد، الوضع بحاجة لإصلاحات في هذا الجانب.

ـ ما الإصلاحات المقترحة من قبلكم في القطاع الزراعي العراقي؟

بدأت الحكومة بتشجيع المزارعين على استخدام الري الحديث الذي يقلل هدر المياه ووفرت مُحفزات جيدة كالقروض والدعم بالبذور وغيرهما، وبالمقابل على المزارعين التأقلم مع الوضع الحالي وترك أساليب الري القديمة، لكن أيضا على الحكومة تعميم الأساليب التكنلوجية الحديثة الداعمة للزراعة وكذلك استثمار المياه الجوفية في مواسم الشح وتحسين نظم توقع المناخ ومعرفة مواعيد تساقط الأمطار بدقة واستثمارها بنحو أشمل في التخزين والسقي لتحسين المخرجات الزراعية وزيادة الإنتاج.

يجب على العراق وضع خطط واقعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية تعالج أو تقلل آثار التغير المناخي.

وهنالك تجربة ناجحة في كربلاء في هذا الجانب، حيث جرى تبني الري الحديث بعد الحصول على قروض من الحكومة وجرى تحويل مساحات شاسعة من الصحراء لمروج خضراء زرع فيها النخيل والعديد من المحاصيل ووصل الأمر إلى أن يكتفي المشروع ذاتيا مالياً ويؤمن حاجة المحافظة من الغذاء ويتوسع دون طلب المزيد من الأموال.

ونعتقد من المهم تعميم هذا المشروع في باقي المحافظات خاصة وأن هناك الكثير من الأراضي التي تتمتع بالخصوبة لتحقيق الاكتفاء وتوفير متطلبات الأمن الغذائي وخاصة شمال العراق.

ـ كيف تنظرون إلى تحدي قلة التدفقات المائية للعراق عبر تركيا وإيران وهل تدخلتم لحث الأطراف على الوصول لاتفاق مرضٍ؟

ننظر لهذا من جانب إنساني من ناحية تداعياته على الناس وخاصة من يمتهنون الزراعة من المجتمعات الفقيرة والهشة بعيدا عن التداعيات السياسية، لأن الموضوع أثر كثيراً عليهم وأخرج أراضيهم عن الخدمة بسبب الجفاف وخاصة في جنوب العراق من جفاف للأهوار التي تعتبر تراثاً إنسانيا وأيضا ما حصل في محافظة ديالى بسبب قطع التدفقات من إيران ونحثها مع تركيا على النظر للتأثيرات الإنسانية في الحسبان والتعاون مع الحكومة العراقية والجلوس معاً لإيجاد الحلول المناسبة، خاصة أن الأزمة تطورت تداعياتها إلى حد إجبار تلك المجتمعات على النزوح من مناطق سكناها.

ـ ما حجم الاستثمارات المطلوبة من العراق لتمكينه من تحقيق أمن غذائي مستدام ومستقر؟

خصصت الحكومة في العام الماضي 5 مليارات دولار لشراء الأغذية والحبوب عبر قانون الأمن الغذائي، ونعتقد أنه يجب الاستمرار في ذلك وتوفيرها بأسعار زهيدة للمواطنين، ونعمل حالياً مع وزارة الزراعة ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو) على تحديد المواد الأساسية من الغذاء التي يحتاجها العراقيون عبر خطة أطلق عليها (الاستثمار الزراعي) تضع بنظر الاعتبار مشاكل شح المياه وقلة التدفقات المائية من أجل تقليل أثار التغير المناخي وإيجاد بدائل لتأمين الأمن الغذائي.

ـ كيف تنظرون للإنفاق الحكومي الهائل على الرواتب والذي يصل إلى أكثر من 50 مليار سنوياً؟

زيادة التعيينات في الوظائف الحكومية رفعت مستوى الإنفاق على الرواتب لاستيعاب المحتاجين للعمل والسبب عدم وجود تنويع في الاقتصاد العراقي لتوفير الوظائف خارج إطار مؤسسات الدولة، كذلك لا يوجد قطاع خاص حقيقي مزدهر قادر على استيعاب القدرة البشرية الهائلة التي يمتلكها العراق، لذلك نجد الشباب العراقي يرى في الوظيفة الحكومية الأمان المادي المستقر الذي يحقق متطلباته وأمنه الغذائي ويصر على أن يحظى بفرصة.

لكن الإنفاق الكبير على الرواتب وتراجع أسعار النفط المحتمل قد يدفع لتقليل الأموال المخصصة لمعالجة آثار التغير المناخي المهددة للأمن الغذائي وكذلك الإنفاق على سد حاجة العراق من الغذاء، وهو خطر مستقبلي نتمنى إيجاد معالجات حقيقية له. واقترحنا دعم القطاع الخاص وجعله مزدهراً وقادراً على استيعاب القدرات البشرية وتأمين متطلباتها المالية لتقليل الضغط على القطاع العام في الإنفاق، وكذلك دعم مشاريع الشباب بتوفير القروض الميسرة وأيضاً معالجة آثار التغير المناخي لإيصال العراق إلى مستوى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء لمنع الحاجة للاستيراد وإنفاق الأموال الطائلة.

وحقيقة إيجاد عدد هائل من العاملين في هذا القطاع العام زادت المصاريف التشغيلية وقللت الميزانية المتوفرة للمشاريع التنموية والاستثمارية.