جديد الحروب ... سويفت وسلاح مالي نووي

جديد الحروب ... سويفت وسلاح مالي نووي

27 فبراير 2022
عقوبات غربية تستهدف مفاصل البنوك الروسية (Getty)
+ الخط -

قديماً، كانت الدول الكبرى تلوّح باستخدام الأسلحة النووية في حروبها ضد بعضها بعضاً، وخلال المعارك والمواجهات حتى لو كانت حربا باردة كما كان الحال بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي المنهار.

بل إن بعض الدول استخدمت بالفعل الأسلحة النووية كما حدث في الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، حين أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان في نهاية أيام الحرب.

الآن، تغيرت اللعبة وبات بديل الأسلحة النووية التقليدية هو استخدام السلاح المالي النووي الذي قد يكون فتاكا وأكثر تأثيرا، ذلك لأن تأثيره لا يقف عند حيز مكاني وأضرار بشرية وبيئية كما هو الحال مع الاسلحة النووية، بل يمتد إلى عصب اقتصاد الدول المتصارعة، فساحته هي التحويلات المالية والبنوك والبورصات والعملات وأسواق الصرف وحركة الأموال والتجارة الدولية واحتياطيات النقد الأجنبي.

في حرب أوكرانيا الحالية أشهر الجميع كل أسلحته الاقتصادية والمالية والنقدية، بما فيها تلك التي كانت بعيدة عن الصراعات السياسية والجيوسياسية مثل شبكة سويفت المعنية بالاتصالات والتحويلات المالية العالمية بين البنوك.

روسيا استهدفت منشآت نفط وغاز في أوكرانيا، ولوحت مصادر روسية بإمكانية استخدام سلاح النفط والغاز الروسي في المعركة الحالية ضد الغرب، وهو سلاح فتاك اقتصاديا، خاصة أن روسيا تمد أوروبا بنحو 40% من احتياجاتها من الغاز، كما تمد أسواق العالم بالحبوب والسلع الغذائية والفحم والمواد الأولية والمعادن وغيرها.

الحلفاء الغربيون وجهوا في المقابل طعنات قوية لمفاصل الاقتصاد الروسي، مثل تجميد مشروع "نوردستريم2" الضخم لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا ثم أوروبا، وإعلان وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، أن بلاده يمكنها الاستغناء عن الغاز الروسي، وفرض عقوبات على المصارف الروسية، وكذا على حركة التجارة والطيران وأصحاب رؤوس الأموال.

تجميد أصول الرئيس الروسي ووزيري خارجيته ودفاعه، فرض الاتحاد الأوربي عقوبات على 64 مؤسسة روسية مهمة، ومنع بنوك الاتحاد من قبول ودائع تزيد قيمتها عن 100 ألف يورو من المواطنين الروس، ومنع إرسال السلع والخدمات والتكنولوجيا اللازمة إلى مصافي النفط الروسية.

كما تُلزم العقوبات، المصارف الأوروبية، رفض أي إيداع مالي من مواطنين روس تفوق قيمته 100 ألف يورو، إضافة إلى أنه سيتم منع العديد من الشركات الروسية المرتبطة بالدولة، من الحصول على تمويل أوروبي، أو طرح سندات دولية في سوق لندن المالي للحصول على سيولة مالية بالعملات الأجنبية.

لم يكتف الغرب بذلك حيث تم الاتفاق اليوم الأحد على خطوات عقابية أخرى لخنق الاقتصاد الروسي وقطاعه المالي، إذ أعلنت المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، اتفاقها على عزل روسيا عن النظام المالي العالمي، ومنع عدة مصارف روسية كبرى من استخدام نظام "سويفت" الدولي للمعاملات المالية والاستفادة من الإمكانات الضخمة التي يوفرها.

وهذا يعني توجيه طعنة للقطاع المصرفي الروسي، حيث سيتم حرمان البنوك الروسية من الاستفادة من النظام العالمي لتبادل الأموال والمعلومات بين البنوك، ويعطل من حركة الأاموال وتدفقها من مصارف روسيا نحو النظام المصرفي الغربي والعكس.

وهذا السلاح بمثابة سلاح "نووي مالي"، حسب وصف وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، بسبب الضرر الذي سيلحقه بالاقتصاد الروسي، حيث سيوجه ضربة إلى التجارة الروسية ووارداتها الخارجية، ويجعل من الصعب على شركاتها القيام بتعاملات تجارية مع الخارج في ظل صعوبة تحويل الأموال.

كما يعد سلاح سويفت صدمة لأسواق روسيا المالية التي استبعدت في أوقات سابقة لجوء الغرب إلى هذا الخيار، خاصة وأنه لقي معارضة من بعض أطراف التحالف الغربي المناوئ للغزو الروسي مثل ألمانيا بسبب إضراره بالاقتصادات الغربية والمؤسسات الأوروبية والأميركية العاملة في روسيا.

كما تخوفت عدة دول أوروبية من أن تؤثر تلك العقوبات الغربية على إمداداتها في مجال الطاقة من روسيا، حيث يعطل تحويل الأموال لتلك الشركات. كما سعت بعض الدول الغربية لإبعاد القطاعات المالية عن دائرة الحروب والصراعات.

لن يكتفي الغرب بتلك العقوبات الاقتصادية الموجهة لروسيا، وربما تكون العقوبات المقبلة هي فرض قيود على البنك المركزي الروسي لشل حركته والحيلولة دون دعمه لعملة الروبل مقابل الدولار واستقرار سوق الصرف الأجنبي.

والحيلولة كذلك دون استخدام الروس بطاقات الائتمان العالمية الصادرة عن الشركات الأميركية، مثل فيزا وماستركارد وداينرز كلوب وأميركان أكسبرس، وفرض قيود على احتياطي روسيا من العملات الصعبة البالغ نحو 640 مليار دولار في 18 شباط/فبراير الماضي، وكذا على أصول البنوك الروسية العاملة في الاسواق الغربية.

ولأن الأسلحة النووية سلاح فتاك، فقد تعهدت القوى الخمس الكبرى في مجلس الأمن قبل أيام بمنع انتشار الأسلحة الذرية وتجنب أي صراع نووي.

لكن هل يضمن أحد عدم استخدام الأسلحة النووية المالية في حرب أوكرانيا وغيرها من الحروب الحديثة، وبالتالي يبعد القطاعات المالية والمصرفية وشبكات تحويل الأموال مثل السويفت وغيرها عن الصراعات الدائرة، خاصة وأنها تضر بالجميع.

الأفراد والمؤسسات، إبطاء حركة التجارة دولية، وضع قيود على حركة الأموال، زيادة كلفة المعاملات المالية، التوسع في استخدام النقد في المدفوعات الدولية، وهو ما يضر بالجهود الدولية في مجال مكافحة الجريمة المالية من غسل أموال وتمويل إرهاب.

المساهمون