تونس ترفع سقف التوقعات من الصلح الجزائي

تونس ترفع سقف التوقعات من الصلح الجزائي

12 يناير 2024
تسعى تونس لاستخدام الصلح الجزائي لتنمية الاقتصاد (Getty)
+ الخط -

رفعت سلطات تونس سقف التوقعات من قانون الصلح الجزائي مع رجال الأعمال الفاسدين بعد أن أحالت قرار الفصل النهائي في الملفات على مجلس الأمن القومي بمقتضى تنقيحات على القانون الأصلي بدأ البرلمان بمناقشتها.

وبعد نحو عامين من إطلاق الرئيس قيس سعيّد مساراً للصلح الجزائي مع رجال الأعمال بمقتضى مرسوم أصدره في مارس/ آذار 2022، تعيد السلطات تدوير القانون بإدخال تحسينات على بنوده بهدف تجاوز عثرات المشروع الذي لا يزال محصوله ضعيفاً، بينما كان ينتظر أن تجني منه الدولة ما يزيد على 4.5 مليارات دولار.

وشرع البرلمان بمناقشة تنقيحات في بنود المرسوم الأصلي تقضي بتدعيم صلاحيات اللجنة الوطنية للصلح التي سيصبح دورها مقتصراً على الأعمال الاستقصائية لملفات طالبي الصلح، بينما سيختص مجلس الأمن القومي في تحديد إقرار المبلغ المالي الواجب دفعه.

كذلك أقرّ مشروع القانون إمكانية توظيف جزء من الأموال المودعة بحساب عائدات الصلح الجزائي لتمويل إنجاز المشاريع ذات الأهمية والمصلحة الوطنية بالإضافة إلى المشاريع التنموية. ووفق بيانات كشف عنها رئيس لجنة التشريع بالبرلمان ياسر القوراري، توصلت لجنة الصلح الجزائي إلى تحصيل مبلغ 26.9 مليون دينار فقط، أي نحو 8.7 ملايين دولار، وشملت القائمة 14 متصالحاً، مشيراً إلى أنّ المبالغ راوحت بين 11 مليون دينار وبضعة آلاف من الدنانير.

وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أنّ "الصلح الجزائي لن يشمل كل رجال الأعمال، بل المتورّطين في تبييض الأموال والاستيلاء على المال العام فقط"، مشيراً إلى أنّ مسار الصلح أثار تخوّفات في صفوف المستثمرين ورجال الأعمال.

والصلح الجزائي مع رجال الأعمال الفاسدين من بين آليات التمويل التي تعوّل الدولة عليها لتوفير موارد لفائدة الموازنة التي تشكو من عجز بنحو 7 في المائة وتحتاج إلى ما يزيد على 5 مليارات دولار من التمويلات الخارجية، وفق قانون الموازنة للعام الحالي.

وقال رئيس الجمعية التونسية لدعم المحاكمة العادلة، وليد العرفاوي، إن مشروع تعديل قانون الصلح الجزائي أضفى رقابة مباشرة من رئيس الدولة ومجلس الأمن القومي على مطالب الصلح، وخفف العبء عن اللجنة التي كانت مكلفة بمقتضى مرسوم مارس 2022 إبرام الصلح مع رجال الأعمال.

وأكد العرفاوي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن عروض الصلح المقدمة سابقاً لم تكتسِ الجدية اللازمة من حيث المبالغ المعروضة، مشيراً إلى أن مشروع التنقيح أحال مهمة تحديد المبالغ على الدولة استناداً إلى الضرر اللاحق. وتابع: "مجلس الأمن القومي أصبح لاعباً جديداً في ملف الصلح، حيث سيخوّله القانون البتّ في ملف الصلح بالإقرار أو الترفيع في المبلغ في غضون ثلاثة أيام".

في المقابل، قال رئيس الجمعية التونسية لدعم المحاكمة العادلة إن مشروع القانون لا يخلو من النقائص التي قد تسبب مجدداً تعثر مسار الصلح، ولا سيما أنه لم يتطرق إلى مآل الأملاك المصادرة وهل يقع احتسابها كمقابل للصلح أم لا، فضلاً عن حفاظه على آجال مختصرة للدفع، وهو ما قد يعطل عملية التنفيذ، لأنه يستوجب توفير سيولة في آجال قياسية. وأضاف: "كان من الأحرى جعل تنفيذ الصلح على مدة عام مع اتخاذ التدابير اللازمة، كمنع السفر والإقامة الجبرية".

في الأثناء يقبع عدد كبير من كبار رجال الأعمال وأصحاب المجموعات الاقتصادية الكبرى في السجن، من بينهم مروان المبروك وماهر شعبان ورضا شرف الدين، بعد إيداعهم بتهم جرائم مالية وجمركية وتبييض الأموال، بينما أُفرج أخيراً عن رجل الأعمال عبد الرحيم الزواري، مقابل غرامة مالية بقيمة 18 مليون دينار، أي نحو 6 ملايين دولار. ورأى المحلل الاقتصادي ووزير التشغيل السابق فوزي بن عبد الرحمن، أن العقل السياسي التونسي خلق منذ سبعينيات القرن الماضي علاقة زبائنية مع الفاعلين الاقتصاديين من أجل السيطرة عليهم وضمان ولائهم مقابل امتيازات ومنافع أدت إلى خلق اقتصاد ريعي.

وأكد بن عبد الرحمن في تصريح لـ"العربي الجديد" أن سلطة قيس سعيّد تخطط لتفكيك الفساد عبر معاقبة الفاعلين الاقتصاديين، غير أنها تُبقي على أسباب الفساد المتمثلة بالقوانين وممارسات الدولة التي سهّلت على مدى عقود من الزمن استفادة رجال الأعمال من الريع. وتابع: "مكافحة الفساد تحتاج لتفكيك الحديقة الخلفية التي ينتعش منها".

واعتبر بن عبد الرحمن أن مشروع الصلح الجزائي بصيغته الجديدة سيكون سيفاً مُصلَتاً على رجال الأعمال والاقتصاد، نظراً لتداعياته على قدرة المستثمرين على المجازفة بضخّ أموال جديدة لخلق المشاريع والثروة. وأضاف: "سيحول الصلح الجزائي الدائم إلى محاكمة قضائية خارج المسار القضائي يمسك رئيس الدولة بناصيتها تحت غطاء مجلس الأمن القومي".

المساهمون