تونس: اقتصاد قائم على تحويلات المغتربين الجدد

تونس: اقتصاد قائم على تحويلات المغتربين الجدد

28 يونيو 2021
جيل جديد من المغتربين ساهم في زيادة التحويلات المالية ودعم آلاف الأسر (Getty)
+ الخط -

بدأت مساهمة جيل المغتربين الجدد تظهر في الاقتصاد التونسي، بعد ارتفاع حجم التحويلات المالية بأكثر من 18 بالمائة رغم جائحة كورونا، لتتفوق على عائدات الاستثمار الخارجي والهبات والمساعدات الإنمائية الرسمية. ويمثل المهاجرون التونسيون ما بعد ثورة 2011 الجيل الأكثر تأهيلا من الأجيال السابقة للمغتربين، بسبب زيادة قياسية في هجرة الكفاءات، ولا سيما من الأطباء والمهندسين والقضاة.

التحويلات المالية للمغتربين المقدرة بأكثر من 1.7 مليار دولار، تشكل مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة في تونس، حيث تمثل 11 بالمائة من مجموع القطاع الخارجي الذي يتشكل من عائدات القطاع السياحي، وتحويلات التونسيين في المهجر، وإيرادات التصدير، والاستثمار الأجنبي المباشر.
ويحرص التونسيون في المهجر على مواصلة إسعاف عائلاتهم واقتصاد بلادهم عبر التحويلات المالية، رغم اشتداد الأزمة الاقتصادية في عدد من دول الإقامة، ولا سيما الأوروبية منها، حيث يعيش أكثر من مليون تونسي. وقال عضو البرلمان عن دائرة إيطاليا، مجدي الكرباعي، إن جيل المهاجرين الذي غادر البلاد خلال السنوات العشر الماضية، يختلف عن باقي أجيال المهاجرين من حيث ارتفاع درجة التأهيل العلمي، مما يساعدهم على الاستقرار سريعا في بلدان الإقامة والحصول على وظائف تمكنهم من عائد مالي جيد.

وأكد الكرباعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن جيل المهاجرين في العشرية الأخيرة يقدر بأكثر من 250 ألف تونسي، مشيرا إلى أن هؤلاء المهاجرين الجدد أظهروا قدرة على دعم الاقتصاد عن طريق التحويلات المنتظمة لفائدة أسرهم التي تحولت إلى دخل أساسي للبعض منهم.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأشار الكرباعي إلى أن المراجع المتخصصة التي تصدرها المنظمة العالمية للهجرة تبرز دور الجيل الجديد من المهاجرين في تقليص الفقر عن طريق التحويلات التي توجه إلى أسرهم، ولا سيّما القاطنين في المناطق الداخلية الأقل تنمية. ولكن عضو البرلمان قال إن تحويلات المهاجرين لا تزال توجه لنفقات التعليم والصحة والاستهلاك العادي واقتناء العقارات، ولم ترتق بعد إلى مستوى الاستثمارات ذات القيمة المضافة العالية، رغم المحاولات العديدة للمهاجرين لإحداث مشاريع وشركات ناشئة تسوّق للعلامة التونسية في القطاعات المتجددة.
وأوضح الكرباعي في هذا السياق، أن صعوبات إدارية وجمركية وقوانين البلاد المتكلّسة لا تساعد المستثمرين من جيل الهجرة الجديد على التحوّل إلى متعاملين اقتصاديين في اختصاص الشركات الناشئة. وحسب بيانات رسمية، كان عدد المغتربين عام 2010 نحو 1.15 مليون تونسي، وارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 1.4 مليون سنة 2018.
وتضم الجالية التونسية في الخارج نخباً وكفاءات عالية، وحسب دراسة إحصائية أنجزت بإشراف ديوان التونسيين بالخارج (هيئة حكومية تشرف على الجاليات التونسية في الخارج) فإن عدد الكفاءات العالية التونسية في أوروبا يفوق 90 ألف شخص. ويتركز وجود المهاجرين التونسيين الذين غادروا ما بعد الثورة في أوروبا في فرنسا وإيطاليا وألمانيا، إلى جانب كندا وبلدان الخليج العربي التي يتنامى فيها حضور ذوي التأهيل العالي في الشركات البترولية والجهاز القضائي والقطاع الطبي والتعليم العالي.

خلال السنوات العشر الأخيرة، مثّل معدل تحويلات التونسيين بالخارج 20 بالمائة من الادخار الوطني، و5 بالمائة من الناتج المحلي الخام، حسب بيانات وزارة المالية والبنك المركزي.
وتكشف زيادة تحويلات التونسيين في الخارج حجم التزام المغتربين تجاه أسرهم التي تفاقم وضعها بعد جائحة كورونا وخسارة أكثر من 270 ألف تونسي مصادر دخولهم. ويؤكد المحلل الاقتصادي أيمن الوسلاتي، أن الاستقرار السريع لجيل الهجرة ما بعد الثورة ساهم في تحوّلهم في سنوات قليلة إلى آلية دعم للاقتصاد عبر التحويلات المالية التي يرسلونها إلى بلادهم. وقال الوسلاتي لـ"العربي الجديد" إن الكفاءة العلمية تختصر الفترة التي يحتاجها المهاجر للاستقرار في بلد الإقامة الجديد، مشيرا إلى أن جيل الهجرة الجديد للتونسيين نجح في الاندماج سريعا في دول الاستقبال. ويحاول البنك المركزي دفع القطاع المالي نحو جذب مزيد من العملاء التونسيين في الخارج، والاستفادة من دخول 1.4 مليون تونسي في المهجر، عبر تحفيزهم على وضع أموالهم في البنوك المحلية، مع تمتيعهم بنسبة فائدة مجزية. وتخطط الحكومة للاستفادة من المغتربين في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، خاصة أنهم لعبوا دورا حيويا في إنعاش اقتصاد هش عقب ظهور الجائحة عبر ضخهم العملة الصعبة، وكانت تحويلاتهم المالية بمثابة طوق نجاة، على الرغم من الظرف الصحي وحالة الركود الاقتصادي.

المساهمون