تضخّم أعلى في أوروبا ونمو اقتصادات آسيا.. وقلق في بريطانيا

تضخّم أعلى في أوروبا ونمو اقتصادات آسيا.. وقلق في بريطانيا

23 نوفمبر 2022
التضخم يؤرق الأوروبيين.. ومحاربته تهدد الاقتصاد بالركود (فرانس برس)
+ الخط -

عانى الاقتصاد العالمي من أزمة طاقة، نجم عنها ارتفاع التضخم إلى مستويات لم نشهدها منذ عقود عديدة، كما أدّت إلى انخفاض النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم.

ويتوقّع تقرير الآفاق الاقتصادية الجديد لمنظمة التعاون والتنمية، أن ينخفض ​​النمو العالمي إلى 2.2% في عام 2023، ويعود إلى معدل متواضع نسبيًا 2.7% في عام 2024، كما يرجّح أن تكون آسيا المحرك الرئيسي للنمو في عامي 2023 و2024، في حين أن دول أوروبا وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية ستشهد نموًا منخفضًا للغاية.

وبالنسبة للمملكة المتحدة، يتوقّع التقرير أن تكون بين أسوأ الاقتصادات أداء، في العالم الغني خلال العام المقبل. ويقول إن الاقتصاد البريطاني في طريقه إلى الانكماش بنسبة 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2023.

ومن المتوقع أن تسجل تشيلي فقط أداءً أسوأ في جدول ترتيب الدول الغنية. أمّا في الاتحاد الأوروبي فيقول إنّ ألمانيا وفنلندا تتجهان نحو الأداء الأسوأ، مع توقع تقلص الاقتصاد الفنلندي بنسبة 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي ولاتفيا بنسبة 0.2% في العام المقبل. وفي دول مجموعة العشرين G20، فتستعد روسيا لأداء أسوأ من المملكة المتحدة حيث قد ينخفض الاقتصاد الروسي بنسبة 5.6%.

إلى ذلك، أدى ارتفاع معدل التضخم في بريطانيا منذ 41 عامًا إلى 11.1% إلى الضغط على المستهلكين والشركات، وهو ما يزيد من مخاطر تباطؤ الإنفاق.

في المقابل، يظهر أحدث مسح عن مديري المشتريات السريع (PMI) في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أنّ الاقتصاد البريطاني توقف عن التراجع، ولكن لا يزال من المرجح أن يتجه نحو ركود طويل. كما يبين أن أداء الاقتصاد البريطاني أفضل من اقتصاد منطقة اليورو.

مع ذلك، كانت القراءة المركبة لمؤشر مديري المشتريات في المملكة المتحدة، أقل من عتبة النمو البالغة 50 نقطة لمدة أربعة أشهر، مما يعني أن الاقتصاد لا يزال منكمشًا في نوفمبر/تشرين الثاني وأنّه في المراحل الأولى من الركود.

في هذا الشأن، يقول كريس ويليامسون، كبير الاقتصاديين التجاريين في معلومات السوق العالمية "أس أند بي"، إنّ الانخفاض الحاد في نشاط الأعمال في نوفمبر/تشرين الثاني، مؤشر آخر على أن المملكة المتحدة في حالة ركود. ويتابع أنّه من المرجح أن ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني على التوالي في الأشهر الأخيرة من 2022.

يوضح ويليامسون، أنه لو استثنينا أشهر الوباء، فإن الاقتصاد في طريقه إلى الانكماش بأسرع وتيرة منذ ذروة الأزمة المالية العالمية في عام 2009. وإن المؤشرات المستقبلية، ولا سيما الانخفاض الحاد المتزايد في الطلب على السلع والخدمات، تشير إلى أن الانكماش سيتعمق مع اقترابنا من العام الجديد.

ويكمل، في حين أن التغيير الأخير في الحكومة أدى إلى تحسين الثقة في الأعمال التجارية، إلا أن مزاج الأعمال لا يزال من بين الأكثر كآبة خلال ربع القرن الماضي وسط العديد من الرياح المعاكسة، التي تشمل أزمة تكلفة المعيشة وحرب أوكرانيا وخسائر الصادرات الحادة، التي غالبًا ما ترتبط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وارتفاع تكاليف الاقتراض وتشديد المالية العامة وزيادة عدم اليقين السياسي.

وتعتقد المملكة المتحدة والمؤسسات الاقتصادية الكبرى في العالم أن البلاد تتجه نحو واحدة من أطول فترات الركود المسجلة على الإطلاق.

من جهته، كان مكتب مسؤولية الميزانية وبنك إنكلترا قد حذرا من أنّه من المرجّح أنّ المملكة المتحدة، قد دخلت بالفعل في حالة ركود هذا الربع، بعد أن تقلص النمو بنسبة 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر/أيلول.

وقال مكتب مسؤولية الميزانية، الأسبوع الماضي إن الأسر في المملكة المتحدة ستكون من أشد المتضررين من مستويات المعيشة المسجلة عند تضخم 7.1% على مدى العامين المقبلين. بيد أنّ مؤشر مديري المشتريات، لفت إلى أن معدل تضخم تكلفة الأعمال ينخفض، مما يعني أن تضخم أسعار المستهلكين قد ينخفض ​​في الأشهر المقبلة.

وعلى الرغم من بعض الإشارات الإيجابية في بيانات مؤشر مديري المشتريات في المملكة المتحدة، فإن الصورة العامة قاتمة للغاية، يقول سيمون هارفي، رئيس تحليل العملات الأجنبية في "مونيكس يوروب".

يضيف هارفي: "تناثرت مؤشرات تباطؤ أسرع في الظروف الاقتصادية في المملكة المتحدة في المستقبل في التقرير العام. على سبيل المثال، انخفضت أحجام العمل الجديد للشهر الرابع على التوالي، وتسارع معدل التراجع إلى أسرع مستوياته منذ يناير/كانون الثاني 2021".

بالإضافة إلى ذلك، يقول هارفي "تشير المؤشرات المستقبلية إلى أن وتيرة الانكماش من المقرر أن تتسارع فقط في الأرباع الأولى من عام 2023. وبالتالي ترسم مؤشرات مديري المشتريات اليوم توقعات استثمارية قاتمة إلى حد ما للأصول البريطانية. مع ذلك، منذ تحذيرات بنك إنكلترا من الركود في سبتمبر/أيلول، تم أخذ هذا في الاعتبار إلى حد كبير في أسواق العملات الأجنبية، التي يبدو أنها تتداول في ظل ظروف المخاطرة العالمية المحسنة خلال الـ 36 ساعة الماضية والتغلب الطفيف في بيانات مؤشر مديري المشتريات بالنسبة للتوقعات".

بأي حال، تعدّ توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التقييم الأول لاقتصاد المملكة المتحدة من قبل مؤسسة دولية كبرى، بعد الإعلان عن بيان الخريف للحكومة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، حين كشف جيرمي هانت، وزير المالية، النقاب عن خطة بقيمة 55 مليار جنيه إسترليني، لزيادة الضرائب وخفض الإنفاق على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وشدّد على أن دولاً أخرى تشهد اضطرابات اقتصادية مماثلة، تتمثّل في ارتفاع أسعار الطاقة وتضخّم قياسي. بيد أنّ أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تؤكّد أن النمو والتضخم في المملكة المتحدة أسوأ من معظم جيرانها الأغنياء.

ولو نظرنا بين اقتصادات مجموعة السبع، نرى أنّ اليابان فقط سجّلت انكماشًا اقتصاديًا أكبر من المملكة المتحدة في الربع الثالث. كذلك، تعدّ المملكة المتحدة الاقتصاد العالمي الثري الوحيد الذي لم يستعد بعد حجمه الذي كان عليه قبل كوفيد، حيث لا يزال الاقتصاد أصغر بنسبة 0.4%، مقارنة ببداية عام 2020.

ويلف التشاؤم توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تقول إنّ اقتصاد المملكة المتحدة سيتعافى بشكل بطيء بعد العام المقبل، حيث يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2% فقط في عام 2024.

بينما يبدو مكتب شؤون الميزانية، أكثر تفاؤلاً، ويتوقع عودة قوية نسبيًا للنمو بعد انكماش بنسبة 1.4% العام المقبل. مع ذلك تنقسم توقعات الخبراء المقيمين في المملكة المتحدة حول طول فترة الركود المقبل، حيث حذر مكتب الميزانية العمومية من أن الانكماش سيستمر 12 شهرًا، بينما يتوقع البنك تراجعًا لمدة عامين إذا ارتفعت أسعار الفائدة فوق 5%.

أمّا منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فتتوقع أن يبلغ سعر الفائدة لدى البنك ذروته عند 4.5% العام المقبل، وأن يظل عند هذا المستوى حتى عام 2024. وتقول إن الانكماش في المملكة المتحدة سيكون مدفوعًا "بانخفاض القوة الشرائية وتشديد السياسة النقدية التي من المتوقع أن تؤثر سلبًا على إنفاق المستهلكين، كما سيؤدي ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل إلى تباطؤ في سوق الإسكان ... وسيظل الاستثمار التجاري ضعيفًا على مدار فترة التوقع بسبب ارتفاع تكلفة رأس المال وعدم اليقين المستمر".

ردًا على هذا التقرير، الذي يقول إنّ المملكة المتحدة ستكون ثاني أسوأ اقتصاد أداء في مجموعة العشرين خلال العامين المقبلين، قال بات ماكفادين، وزير الظل الرئيسي لحزب العمال، إن توقّعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هي "دليل إضافي على 12 عامًا من الفشل الاقتصادي للمحافظين".

وأضاف "هذا هو حزب المحافظين يضعنا في دوامة نمو منخفضة تؤدي إلى ارتفاع الضرائب، وانخفاض الاستثمار وتقلص الأجور وضعف الخدمات العامة. وليس لديه خطة لإخراجنا منها، بينما لدى حزب العمال خطة لتنمية الاقتصاد، من خلال استراتيجية صناعية حديثة، تعمل بالشراكة مع الشركات وخطة الازدهار الأخضر التي تخلق وظائف جيدة في جميع أنحاء البلاد في الصناعات الرائدة عالميًا في المستقبل".

ولا تزال أسواق الطاقة تشكّل مخاطر الهبوط الكبيرة حول هذه التوقعات، فعلى الرغم من أنّ أوروبا قطعت شوطًا طويلاً لتجديد احتياطياتها من الغاز الطبيعي وكبح الطلب، سيكون هذا الشتاء في نصف الكرة الشمالي بالتأكيد مليئًا بالتحديات.

وقد يكون الوضع أكثر تعقيدًا في شتاء 2023-2024، حيث قد يكون تجديد احتياطيات الغاز أكثر صعوبة في العام المقبل. وسيؤدي ارتفاع أسعار الغاز أو الانقطاع التام لإمدادات الغاز إلى نمو أضعف بشكل كبير وتضخم أعلى في أوروبا والعالم في عامي 2023 و2024.

بشكل عام، تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يبلغ النمو عبر أعضائها الثمانية والثلاثين من الدول الغنية 0.8% في عام 2023، أي نصف المستوى المتوقع قبل ستة أشهر. ومن المرجّح أن تتوسع الولايات المتحدة ومنطقة اليورو بنسبة 0.5%، وأن يكون النمو أقوى في ثلاثة اقتصادات آسيوية كبيرة، الصين 4.6% وإندونيسيا 4.7% والهند 5.7%.

ومن بين أكبر ثلاثة اقتصادات في الاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن تسجّل ألمانيا ثالث أسوأ أداء في مجموعة العشرين (-0.3%)، بينما من المرجح أن تسجل إيطاليا 0.2% وفرنسا 0.6% نموًا متواضعًا.

المساهمون