تصنيف النووي "طاقة بديلة" يقسم الأوروبيين

تصنيف النووي "طاقة بديلة" يقسم الأوروبيين

13 فبراير 2022
مخاوف من المخلفات المشعة للطاقة النووية (Getty)
+ الخط -

تسعى أوروبا لأن تصبح أول قارة محادية مناخياً خلال الـ 30 سنة المقبلة، عبر استبدال النفط الأحفوري والفحم بالغاز الطبيعي والطاقة النووية.

تدعم المفوضية الأوروبية، مع عدد من الدول النووية، وفرنسا في مقدمتها، الاتجاه نحو السماح للصناديق الاستثمارية الضخمة، بينها صناديق تقاعد كبيرة، لدعم تلك البدائل من خلال تصنيفها على أنها "خضراء" أو "مستدامة". ورغم ذلك، فإن الأوروبيين منقسمون حول هذا التصنيف.

كانت المفوضية الأوروبية في 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي قد أطلقت السجال لتضمين الطاقة النووية في خانة استثمارات الطاقة المستدامة، وجعلها في مستوى الطاقة الشمسية والحرارية وطاقة الرياح، وهو سوق يشمل مئات مليارات اليوروهات. تختلف الأطراف الأوروبية على وسائل تحقيق القارة لحياد انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.

ثمة اتجاه يرى أن الغاز الطبيعي "أسود" وليس "أخضر"، نظراً إلى مسؤوليته عن الانبعاثات عند حرقه. ورغم اعتراف الخبراء بأنّ الطاقة النووية محايدة لناحية عدم إطلاقها ثاني أوكسيد الكربون إلا أن توسيع الاعتماد على المفاعلات وزيادة أرقامها في القارة يفتح جدلاً يتعلق بكيفية التخلص من النفايات المشعة.

وفي المقابل، ينشط الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ومعه مجموعة من شبكات المصالح والاستثمارات، نحو الضغط لتمرير اعتماد "النووية" كطاقة مستدامة.

وتخشى الدول المعترضة من أن السجال الحالي حول تضمين الطاقتين في خانة الطاقة الخضراء "فيه إشارة سلبية إلى الأسواق المالية والاستثمارات التي يمكن أن تبتعد عن مشاريع الخلايا الشمسية وتوربينات الرياح".

وأمام تراجع اعتماد ألمانيا على توليد الكهرباء من المفاعلات النووية إلى فقط 11 في المائة، توسّع اعتماد فرنسا عليها إلى نحو 70 في المائة، وهي الأولى على المستوى الأوروبي والعالمي (أميركا 19 في المائة) وتليها على التوالي بنسب تراوح بين 51 و31 في المائة كل من سلوفاكيا وأوكرانيا والمجر وبلغاريا وبلجيكا وسلوفينيا وجمهورية التشيك.

وللتخفيف من وطأة النقاش وتأثيراته السلبية بالجهود الأوروبية، شددت مفوضة الاتحاد الأوروبي للخدمات المالية واستقرار أسواق رأس المال، مايريد ماكغينيس، على أن الغاز الطبيعي والطاقة النووية "يجب أن يُنظر إليهما على أنهما أشكال انتقالية للطاقة في أوروبا".

لكن المفوضية الأوروبية، المتحمسة لفتح باب الاستثمارات الضخمة في أسواق الطاقة المستدامة، تجد نفسها بين تيارين يتنازعان على السوق. فعلى سبيل المثال، ترغب برلين (التي تسير نحو التخلص النهائي من مفاعلاتها النووية)، من بين دول أخرى، في تركيز الاستثمارات على الطاقة الخضراء التي تنتجها وتعتمد عليها كثيراً، وعلى وجه الخصوص صناعة التوربينات الهوائية والألواح الشمسية وتكنولوجيا الحرارة الأرضية.

وتسعى أوروبا في العقد القادم لخفض الانبعاثات 55 في المائة على الأقل بحلول عام 2030 مقارنة بانبعاثات عام 1990، وصولاً إلى طموح صفر انبعاثات في 2050. لكن الأمر يتعلق في المقابل بسوق مالي ضخم، حيث تسعى المفوضية الأوروبية للعثور على تريليون يورو (ألف مليار يورو) خلال السنوات العشر المقبلة للانتقال إلى الطاقة المستدامة (الخضراء). وهذه الكعكة المالية الضخمة هي ما يسيل لها لعاب الدول التي تريد جذب الاستثمارات إلى تقنياتها وصناعاتها.

برلين مثلاً، خططت للتخلص من آخر 6 مفاعلات نووية، مركزة اهتمامها نحو الاستثمار في سوق الغاز، وفي سياقه يأتي السجال حول مشروع "نوردستريم2"، الرابط بين الغاز الروسي وألمانيا كموزع للسوق الأوروبية. فالاستثمار في الغاز والتوربينات وتقنيات توليد طاقة غير أحفورية، بدلاً من الطاقة النووية الألمانية محلياً، هو ما كانت ترغب فيه الحكومة الألمانية قبل اندلاع هذا السجال الأوروبي الجديد.

وتواجه حكومة يسار الوسط، برئاسة المستشار الجديد، أولاف شولتز، اختباراً جدياً في علاقاتها بباريس ودول أخرى تؤيد الطاقة النووية، وفي مواجهة رأي عام داخلي مخالف لذلك. وأظهر استطلاع نشرت نتائجه صحيفة "دي فيلت" الألمانية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أن 50 في المائة من الألمان يؤيدون الإبقاء على آخر ستة مفاعلات نووية يمتلكها البلد بعد أن تخلص من أخرى.

ويذهب 44 في المائة إلى دعوة حكومتهم إلى إنشاء المزيد من المفاعلات النووية. وفي المقابل، تبدو باريس متحمسة لجعل المفاعلات النووية بديلاً. ومع توسع أفق الاستثمارات الضخمة في سوق بدائل الطاقة، وعد ماكرون أخيراً شعبه ببناء 6 مفاعلات جديدة، وذلك بتعديل خطته "فرنسا 2030"، وباستثمار يتجاوز 50 مليار يورو، بحسب ما قدمت "شركة الطاقة الوطنية RTE"، في سياق تقديمها سيناريوهات إلى ماكرون بشأن بناء المحطات الجديدة.

وتقدم "شركة الطاقة الوطنية EDF" في فرنسا مشاريع ضخمة حتى 2050، ومن خلال 220 ألف موظف، تأمل أن تصبح فرنسا الرائدة عالمياً وأوروبياً في مجال بناء المفاعلات النووية حال اعتبارها طاقة مستدامة. والشركة الوطنية تملك عقوداً مختلفة لبناء المفاعلات في الخارج، ومن بينها 6 في الهند وحدها.

المساهمون