تركيا: مضاربات محمومة تعيد الليرة إلى الهبوط

تركيا: مضاربات محمومة تعيد الليرة إلى الهبوط رغم المؤشرات الاقتصادية الإيجابية

28 نوفمبر 2021
مكتب صرافة في إسطنبول (Getty)
+ الخط -

لا يجد الأتراك مبرراً لاستمرار تراجع سعر صرف عملتهم الوطنية، سوى المضاربات وما يصفونها بـ"معركة كسر العظام" التي انتقلت للعلن، بين الحكومة والمضاربين في الداخل والخارج، فيما تحولت الليرة وتداعيات هبوطها على المعيشة إلى أداة رئيسية في يد المعارضة لمواجهة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة منتصف عام 2023، والسعي لحشد احتجاجات وانتخابات مبكرة من بوابة الاقتصاد.

وتراجع سعر صرف الليرة، اليوم الأحد، إلى نحو 12.5 للدولار الواحد، وذلك بعد التحسن الذي شهدته خلال اليومين الماضيين وصولا إلى 11.5 ليرة للدولار، إثر زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي أنقرة، وإبرام اتفاقات بين الجانبين، طاولت المصرف المركزي التركي مع مثيله الإماراتي.

ويرى الخبير الاقتصادي التركي، خليل أوزون، أن سبب عودة تراجع سعر الليرة "هو توحش المضاربة"، مرجحاً خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" ألا تقتصر المضاربة على من وصفهم بـ"الأدوات المحلية"، بل ثمة مضاربة وانسحابات لأموال خارجية أيضاً، بهدف " منع تركيا من الاستقلال بقرارها الاقتصادي وإبقائها مرهونة للوبي الفائدة المرتفعة والدول الكبرى".

لكن تركيا مستمرة في تطبيق سياستها، بحسب أوزون، ليستمر الاقتصاد في النمو عبر القطاعات الإنتاجية وإبعاد تأثير الأموال الساخنة والتي ترغب في عودة أسعار الفائدة إلى الارتفاع بعد سلسلة التخفيض منذ عام ونصف العام، من 22% إلى 15% حاليا.

ولم يستبعد الخبير الاقتصادي التركي، أن يستمر المصرف المركزي في تخفيض سعر الفائدة الشهر المقبل و"بنسبة عالية نسبياً" قدرها بمائتي نقطة أساس، أي 2%، ليصل إلى 13% وصولاً لتحقيق السياسة الحكومية خلال عام 2023 وهي سعر فائدة منخفض.

وتوقع أوزون تعرض المضاربون في الليرة لخسائر، قائلا : "المضاربون سيتكبدون خسائر"، لأن الليرة ستنتعش وستستقر بعد استيعاب السوق صدمات تخفيض سعر الفائدة، وتظهر النتائج الاقتصادية والمؤشرات المرتفعة، خاصة في قطاعي الإنتاج والصادرات.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وتتهم تركيا مضاربين محليين وشركات كبرى بشراء الدولار "بشكل كبير"، الأمر الذي دفع الرئيس رجب طيب أردوغان، أمس السبت، إلى الإعلان عن فتح تحقيق في تلاعب محتمل في العملة، بعد عودة تراجع سعر الصرف خلال اليومين الماضيين، إثر التعافي الذي شهدته بعد سلسلة من الهبوط الحاد.

وكلف أردوغان مجلس الرقابة الحكومي بتحديد المؤسسات التي اشترت كميات كبيرة من العملات الأجنبية، وتحديد ما إذا كان قد حدث أي تلاعب، قائلا إن هبوط سعر الليرة يأتي جراء "تلاعبات من أولئك الذين يريدون إخراج بلادنا من المعادلة".

في المقابل، يقول المحلل الاقتصادي التركي، جيواد غوك لـ"العربي الجديد" إن السبب الحقيقي وراء تراجع الليرة، هو تخفيض سعر الفائدة إلى أقل من نسبة التضخم المقدرة بنحو 20%، ما أدى إلى خروج مبالغ كبيرة من الليرة من البنوك إلى السوق، وأدى كذلك إلى زيادة المعروض النقدي.

ويرى غوك أن "تصميم الرئيس التركي على الاستمرار في تخفيض سعر الفائدة، سيزيد من تراجع سعر العملة ويزيد من الفقر ويخسر الشعب مكاسبه ومدخراته، وسيخرج الأتراك للشوارع للتعبير عن تراجع مستوى معيشتهم".

لكن المصرف المركزي "قوي بمدخراته وما يمتلك من أدوات نقدية عدا سعر الفائدة"، بل وقادر بحسب تصريح المحافظ، شهاب قوجي أوغلو، على التغلّب على تقلبات السوق والتدخل بالوقت المناسب.

وأشار محافظ المركزي بعد لقائه المديرين العامين في المصرف والمديرين التنفيذيين في جمعية البنوك التركية، ورئيس هيئة التنظيم والإشراف المصرفي، أول من أمس، إلى إجراء تقييمات عامة للتطورات الاقتصادية.

ويأتي هبوط سعر العملة على عكس المؤشرات الاقتصادية، وفق تأكيد الخبير الاقتصادي فراس شعبو، موضحا أن ضعف سعر الصرف لا يعني بأي حال من الأحوال، ضعف الاقتصاد، رغم أنه مؤشر مهم للمستثمرين.

ويقول شعبو لـ"العربي الجديد" إن "المضاربات وسحب الليرة إلى ملعب السياسة، قبل الاستحقاقات الانتخابية، هي السبب المباشر في تراجع سعرها، خاصة بعد الاشتغال على مخاوف الأسواق بعد تخفيض سعر الفائدة والتوقعات باستمرار التخفيض".

ويشير إلى أن تركيا حققت خلال الربع الأول من العام الجاري نسبة نمو 7%، وهناك توقعات باستمرار النمو خلال الربعين الثالث والرابع، مقدراً نسبة النمو لعام 2021 بين 9% و10%، كما أن الصادرات التي تراجعت العام الماضي إلى نحو 160 مليار دولار، تزيد حتى نهاية الربع الثالث عن 210 مليارات دولار، والسياحة حققت 22 مليار دولار بعد جذب نحو 21 مليون سائح، رغم أنها دون الخطط والطموحات، لكنها أعلى وبكثير من العام الماضي .

ويضيف: "هناك أسباب نفسية وسياسية ومضاربات محتدمة"، كما لا نغفل أثر الديون الخارجية وفوائدها أو عجز الميزان التجاري، لكن هذه الأسباب غير مستجدة أو طارئة ولا تحسب ضمن أسباب التهاوي المباشرة لسعر الصرف.

المساهمون