ترامب ضحية لكوفيد؟

ترامب ضحية لكوفيد؟

11 نوفمبر 2020
ترامب كسب ولايات كبرى في الانتخابات الرئاسية
+ الخط -

لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليقبل بخسارته الانتخابات بأغلبية ساحقة كما تصور البعض، حيث صوت لصالحه أكثر من 70 مليون أميركي، أو ما يقرب من نصف من أدلوا بأصواتهم في أشرس معركة انتخابية تشهدها الولايات المتحدة، رغم حملات الدعاية المناوئة له على مدار أربع سنوات كاملة في أكبر وأهم وسائل الإعلام الأميركية.

أحِب ترامب أو أبغضه، لكن الأرقام تشير إلى أن الرجل وفريقه الاقتصادي حققوا أرقاماً ناجحة على مدار السنوات الثلاث الأولى من رئاسته، كانت كفيلة بأن يكون الاقتصاد هو بوابة عبور الرئيس الأكثر جدلاً في تاريخ الولايات المتحدة إلى فترة رئاسية ثانية.

حقق ترامب معدلاً لنمو الاقتصاد يتجاوز 2% في كل سنة من تلك السنوات، واقترب من 3% في 2018، ووصل بمعدل البطالة إلى 3.5%، وهو أقل مستوى تشهده البلاد منذ ما يقرب من نصف قرن، كما حقق أقل معدل بطالة للأقليات من أصول أفريقية ولاتينية في الولايات المتحدة في تاريخهم.

دعم ترامب شركات النفط الصخري، وشجع البنوك على تخفيف القيود على إقراضها، لتشهد تلك الشركات طفرة في إنتاجها، الأمر الذي سمح للولايات المتحدة أن تصدّر نفطاً أكثر مما تستورد لأول مرة في تاريخها، ويزداد عدد العاملين في قطاع النفط والغاز في الولايات المتحدة مقترباً من 10 ملايين عامل، تمثل 5.6% من الوظائف الأميركية، وفي نفس الوقت ارتفعت ربحية القطاع المصرفي.

خفض ترامب الضرائب على المواطن الأميركي، وأقر إصلاحات ضريبية سمحت للشركات بزيادة أرباحها الصافية بصورة كبيرة، وشجعت الكثير منها على تحويل أرباحها المحققة في الخارج. توسع ترامب في فرض التعريفات الجمركية على أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين، الأمر الذي تسبب في زيادة مبيعات وأرباح العديد من الشركات الأميركية، وحفز العديد منها على نقل أعمالها إلى الولايات المتحدة، ولم ينس تعويض من تضرروا من تعريفاته من أصحاب الشركات الأميركية.

أبهر ترامب الأميركيين وغير الأميركيين بتحقيق أطول انتعاش في تاريخ الاقتصاد الأميركي، متجاوزاً أحد عشر عاماً، وبتحطيم أسواق الأسهم الأميركية الأرقام القياسية واحداً تلو الآخر، وارتفاعها بأكثر من 50% من أقل نقطة تم تسجيلها خلال شهر مارس / آذار الماضي، وهو ما حقق مكاسب ضخمة للمواطن العادي الذي تُستثمر نسب غير قليلة من أموال التأمينات والمعاشات الخاصة به في الأسهم، كما لرجال المال والأعمال والمستثمرين.

اقترب ترامب بصورة كبيرة من تحقيق حلمه بالفوز بفترة رئاسية جديدة مطلع العام الحالي، خاصة في ظل الضعف الواضح في المعسكر الآخر، وغياب الشخصية التي يمكن لها أن تتصدى لنجاحات ترامب الاقتصادية، أو التي تستطيع تقديم بديل يسحب الأضواء من الاقتصاد، قبل أن يظهر الوباء الأخطر في المائة عام الأخيرة في الولايات المتحدة، ويتسبب في "قطع التيار الكهربائي" عن أفراح ترامب.

تسبب الوباء في إصابة أكثر من عشرة ملايين أميركي ووفاة ما يقرب من 240 ألفا منهم. لكن الكارثة في نظرهم كانت في التبعات الكارثية للجائحة، والتي أطاحت كل الإنجازات السابقة! ورغم التحسن الظاهر في بعض المؤشرات الاقتصادية في الفترة الأخيرة، لم ينس المواطن الأميركي أثناء توجهه للإدلاء بصوته في انتخابات الرئاسة أربعين مليون مواطن فقدوا وظائفهم، بعد أن انكمش الاقتصاد بمعدل سنوي 33% خلال الربع الثاني من العام.

ورغم أن بيانات وزارة العمل أشارت إلى أن الربع الثالث عوض جزءاً كبيراً مما فقده الاقتصاد، إلا أن نصف هؤلاء العاطلين عن العمل على الأقل لم يجدوا وظيفة حتى الآن. 
نجح ترامب في تخفيض معدل البطالة الذي اقترب من 15% في أوج أزمة الفيروس، إلا أنه ما زال ضعف ما كان عليه بداية العام، رغم تخطي عجز الموازنة الفيدرالية 3 تريليونات دولار، وارتفاع الدين الحكومي الأميركي لأعلى مستوياته على الإطلاق، متجاوزاً 27 تريليون دولار.

أثبتت الشهور الأخيرة أن عجلات قطار الانتعاش الاقتصادي آخذة في التباطؤ، بعد أن تراجع عدد الوظائف الجديدة التي أضافتها الشركات خلال شهر أكتوبر / تشرين الأول المنتهي للشهر الرابع على التوالي، ليبقى عدد من يحصلون على تأمينات البطالة أكثر من 21 مليون أميركي.

أدرك المواطن الأميركي أن وعود ترامب غير قابلة للتنفيذ، وأن رخاء ما قبل الوباء، وتسابق الشركات على مضاعفة أجر الساعة للعامل، لن يعود قبل التوصل إلى لقاح يمنع الإصابة بالفيروس واختباره، ثم توفيره بأسعار مقبولة للمواطنين، وهو ما لا يتوقع أحد أن يحدث قبل مرور فترة من الزمن.

 

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

استعاد الاقتصاد جزءاً كبيراً من عافيته خلال فترة وجيزة، إلا أن الانتعاش لم يكن شاملاً، وابتعد عن القطاعات الحيوية التي تجر الاقتصاد معها، وزاد من غضب المواطنين على ترامب فشله في تمرير حزمة إنقاذ الاقتصاد التي كانت كفيلة بتحسين أحوالهم المعيشية وسداد ما تراكم على من فقدوا دخولهم من ديون.

لم تقتصر المشكلة على ما حدث بالفعل، حيث سيطر القلق على المواطنين بسبب غموض الرؤية لمستقبل تتحسن فيه أحوالهم، ويعودون لممارسة أعمالهم وتحصيل دخولهم كما كان الحال قبل عام.

لم يسامح الأميركيون رئيسهم الذي وعدهم أكثر من مرة خلال الشهور الثمانية الماضية بالقضاء على الفيروس وفتح الاقتصاد وإعادة الانتعاش الاقتصادي، فصبوا جام غضبهم عليه في صناديق الاقتراع، لينهوا واحدة من أخطر الفترات التي عاشتها الولايات المتحدة وأغلب دول العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ولتبدأ ماكينات الإعلام الأميركي في أول يوم عمل بعد إعلان نتائج الانتخابات في الترويج للتوصل إلى لقاح يمنع الإصابة بالفيروس ويتلقى أولياء الأمور رسائل تطلب منهم إعادة أبنائهم إلى المدارس مع بداية الفصل الدراسي الجديد، وتبدأ "كل المياه" في العودة إلى مجاريها في الأراضي الأميركية. وطبعاً كل هذا جاء مصادفة!

المساهمون