تأجير الجيوش

تأجير الجيوش

14 اغسطس 2014
الجيش المصري في الشوارع بدلاً من حراسة الحدود
+ الخط -


في عام 1991 طلبت الولايات المتحدة والسعودية من الرئيس المعزول حسني مبارك مشاركة الجيش المصري في حرب تحرير الكويت ضمن قوات 34 دولة .

هنا تفتق ذهن مبارك عن فكرة وهي أنه بما أن الجيش المصري سيشارك حتماٌ في معركة تحرير الكويت من العراقيين بحجة حماية الأمن القومي العربي، هنا يجب استغلال هذا الحدث في تخفيف أعباء الاقتصاد المصري المتفاقمة، خاصة وأن التقارير الدولية أكدت في ذلك الوقت أن مصر مقبلة على الإفلاس، وأن دول نادى باريس الدائنة ستعلن عن افلاس مصر خلال أيام لعدم قدرتها على سداد ديونها الخارجية البالغة حينئذ 52 مليار دولار.

مبارك قال وقتها للأميركيين: أنا موافق على قرار مشاركة الجيش المصري في حرب الخليج الثانية رغم أن ذلك قد يثير الرأي العام والأحزاب ضده، لكن هناك مشكلة يجب حلها أولا وهي أن الاقتصاد المصري يعاني من مشاكل حادة تحول دون تحريك الجيش لشمال شرق السعودية والكويت حيث مقر المعركة أو تمويل استعداداته للسفر للمشاركة في عاصفة الصحراء.

 وهناك، على سبيل المثال، دين خارجي يفوق الخمسين مليار دولار مستحق السداد، والحكومة غير قادرة علي تدبير احتياجات الواردات الخارجية التي تزيد على العشرين مليار دولار.. حتى مرتبات الموظفين بالجهاز الإداري للدولة فإن هناك صعوبة شديدة في تدبيرها في ظل عجز الموازنة العامة للدولة ونقص السيولة بالبنوك وضعف ايرادات الدولة من الضرائب والجمارك.

وحتى يحبك مبارك القصة قال للأميركيين: " الرأي العام والأحزاب يمكن اقناعهم عن طريق وسائل الاعلام بأهمية المشاركة في حرب تحرير الكويت بحجة الدفاع عن الأمن القومي العربي وحتمية المشاركة استجابة لاتفاقية الدفاع العربي المشترك ودحر عدوان صدام حسين حتى لا يكرر جريمته ضد دولة عربية أخري، لكن المشاكل الاقتصادية التي تمر بها البلاد تحول دون إيجاد السيولة المالية التي تمكن الحكومة من تمويل عملية انتقال وحدات من الجيش المصري لخارج حدوده والدخول في حرب تحرير الكويت.

وكانت الاستجابة سريعة من قبل الولايات المتحدة ودول الخليج لمطالب مبارك في ذلك الوقت حيث تقرر الاتي:

* جدولة ديون مصر الخارجية على أكثر من 25 سنة، مع اسقاط 50% من الديون المستحقة علي مصر لدول نادي باريس وبما يعادل 26 مليار دولار.

* منح حسني مبارك مساعدات عربية نقدية بقيمة 4.5 مليار دولار كانت نواة لتكوين احتياطي مصر من النقد الأجنبي بعد ذلك، وقد خرجت المساعدات العربية في صورة شيكات تمت كتابتها باسم حسني مبارك شخصيا، صحيح أنه تم إيداع قيمة الشيكات في حساب خاص لدى البنك المركزى المصري، لكن مبارك طلب الا يتم الصرف من هذا الحساب الا بعلمه وتوقيعه شخصيا، وهذا الأمر أثار علامات استفهام كثيرة عقب قيام ثورة 25 يناير وعزل مبارك من منصبه.

* اقرار نظام بيع ديون مصر الخارجية في الأسواق الدولية وهو النظام الذي أستفاد منه جمال نجل حسني مبارك ورجال الأعمال المحيطين به.

ويبدو أن عبد الفتاح السيسى يسير على خطى مبارك بالمسطرة ويحاول تكرار تجربة الرئيس المعزول في بداية التسعينيات من القرن الماضي حينما قام بتأجير وحدات من الجيش المصري مقابل الحصول على مكاسب اقتصادية، فعندما طلبت الولايات المتحدة والسعودية من السيسي مؤخرا مشاركة الجيش المصري في تأمين الحدود السعودية مع العراق ودحر اي هجوم محتمل من تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وكذا محاربة الإرهاب بليبيا.. هنا كانت الموافقة.

وهنا أستحضر السيسي مكر مبارك حينما راح يقول لمن طلبوا منه مساعدة الجيش المصرى في دحر الإرهاب وداعش :" لكن كما تعلمون فإن الاقتصاد المصري يعاني حاليا من مشاكل حادة، وأن هناك عجزا في الموازنة العامة للدولة يتجاوز 240 مليار جنيه، وأن احتياطي مصر من النقد الأجنبي سيتراجع بشدة خلال الفترة المقبلة خاصة مع سداد مصر التزامات ضخمة خلال 2014 منها 2.5 مليار دولار لدولة قطر وديون أخرى لدول نادي باريس وتعويضات لشركات تقاضي مصر أمام المحاكم الدولية و5.9 مليار دولار مستحقة لشركات النفط العالمية، وأن الدين الخارجي لمصر تجاوز 46.5 مليار دولار... الخ.

هنا جاءت الموافقة على دفع الثمن على الفور.. موافقون على طلباتك يا سيسي وهي:

- منح مصر 10 مليارات دولار وربما أكثر خلال مؤتمر المانحين المقرر عقده بنهاية العام.الجاري أو بداية العام القادم 2015 بهدف مساندة الاقتصاد المصري ومحاولة تعويمه.

- اسقاط جزء من الديون الخارجية لمصر خاصة المستحقة لدول الخليج الداعمة للانقلاب العسكري وهي الامارات والسعودية والكويت والبالغة نحو 10 مليار دولار منها 5 مليارات للسعودية وحدها.

- ضخ مزيد من المساعدات المالية والعينية والمنح الخليجية في شرايين الاقتصاد المصري واستمرار تدفق مشتقات البترول حتى يستمر هدوء الشارع .

- الافراج عن دعم الاتحاد الأوروبي لمصر المجمد منذ أيام محمد مرسي والبالغة قيمته نحو 7 مليارات دولار.

- إعطاء تعليمات لصندوق النقد الدولي بمنح مصر قرضا بقيمة 6 مليار دولار وهو القرض المجمد منذ انقلاب 3 يوليو.

- إعطاء تعليمات لكل مؤسسات التمويل الدولية بتلبية احتياجات مصر من القروض والمنح، وعلى رأس هذه المؤسسات البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية وبنك الاستثمار الأوروبي وغيرها.

هل هذا السيناريو قابل للتحقق حال موافقة السيسي على ارسال جيش مصر خارج الوطن للتورط في خلافات إقليمية وداخلية سواء داخل العراق أو ليبيا أو شمال السعودية مع داعش.

أنا علي المستوى الشخصي أتمني الأ يحدث، لأنه يا سادة.. جيش مصر العظيم أكبر من أن يحوله البعض إلى جيش للإيجار، وجيش مصر ليست مهمته محاربة داعش والجماعات المتطرفة خارج الحدود، حتى ولو كان ذلك تحت زعم حماية الأمن القومي العربي.. فمصر وحدودها سواء الشرقية مع العدو الإسرائيلي أو الغربية مع ليبيا الهائجة أولى بجيشها، ولنترك داعش وأخواتها للأميركيين، فالذي حضر عفريتا يجب أن يصرفه.