بيتكوين في أفغانستان

بيتكوين في أفغانستان

25 اغسطس 2021
مشتريات الأفغان رفعت قيمة بتكوين (Getty)
+ الخط -

مع إعلان الولايات المتحدة الأميركية في إبريل / نيسان الماضي عزمها الانسحاب من أفغانستان، ووجود توقعات قوية وقتها بسيطرة حركة طالبان على مجريات الأمور، وهو ما يرفضه تماماً أصدقاء الولايات المتحدة هناك، بدأ التزاحم على شراء العملات المشفرة، وتحديداً بيتكوين، في أفغانستان رغم الصعوبات التي يمكن أن تكون في هذا الخيار في بلدٍ لا توجد به شبكات إنترنت يمكن الوثوق بها، ويتكرر انقطاع التيار الكهربي، وتسيطر المعاملات النقدية على النسبة الأكبر من الاقتصاد، المعلن منه والمخفي، فيه.

ومع بدء التنفيذ الفعلي للانسحاب، علت الوتيرة التي يتم بها شراء العملة المشفرة هناك، حتى إن البعض اعتبر أن "شراء الأفغان" كان العامل الأكبر، ضمن عدة عوامل، وراء ارتفاع قيمتها بما يقرب من 50% خلال الشهر الأخير فقط.
ومع تقدم طالبان، توقف العديد من مكاتب تحويل الأموال عن العمل، الأمر الذي دفع الراغبين والحالمين بمغادرة البلاد إلى تحويل أغلب ما لديهم من مدخرات / ثروات إلى العملة المشفرة التي يمكن الوصول إليها من أي مكان في العالم.

بعدما كانت خارج التصنيف تماماً في 2020، أصبحت أفغانستان الدولة رقم 20، من بين 154 دولة، في المؤشر العالمي للتعامل في العملات المشفرة في 2021

وبعدما كانت خارج التصنيف تماماً في 2020، أصبحت أفغانستان الدولة رقم 20، من بين 154 دولة، في المؤشر العالمي للتعامل في العملات المشفرة في 2021، وتقفز إلى المرتبة السابعة لو نظرنا إلى التعاملات الفردية في كافة البلدان.
ويرى حلفاء أميركا في أفغانستان أن بيتكوين يمكن أن تكون السلاح الأمثل للتعامل مع حركة طالبان، التي سيطرت على البلاد في أيام معدودة ودون أي مقاومة تذكر، والتي تراها الأغلبية الساحقة من الأميركيين الشيطان الأكبر، كون تلك العملة الرقمية تحل محل النقدية التي وقعت مبالغ ضخمة منها في يد الحركة، بينما يصعب عليها السيطرة على أرصدة تلك العملات على منصات تداولها المختلفة، أو مصادرتها بواسطة أي قوات، كما يحدث مع الأموال النقدية.
ويوم الاثنين، استضاف أحد مقدمي البرامج على محطة "سي إن بي سي" الإخبارية، واحدة من مديري شركات الاستثمار المتخصصة في التعامل في العملات المشفرة، التي حكت له تفاصيل نمو تجارة العملات المشفرة في أفغانستان خلال الفترة الأخيرة، وكيف أن الكثير من الشباب وجد فيها ضالته للتربح، بعد تعطل أغلب المؤسسات وجهات العمل هناك.
ومنذ اللحظة الأولى لسيطرتهم على الأمور، تعالت الأصوات في كافة أنحاء المعمورة متسائلة عن الكيفية التي سيدير بها هؤلاء الفتية الملتحون، شديدو المهارة في حروب الكهوف، اقتصاد بلدهم الذي لا يتجاوز 22 مليار دولار، وإذا ما كان أحدهم يمكنه إدارة مصرف مركزي أو وزارة للمالية بكل تعقيدات زماننا هذا، وما إذا كانوا يرغبون في فتح بلادهم للاستثمار الأجنبي، وإن كان، فهل سيكون هناك مغامرون راغبون في تحويل أموالهم إلى هذا البلد، وما إذا كان سيسمح لهم بذلك.

وكانت ميزانية عام 2020 في أفغانستان قد أُقرت بمبلغ 5.5 مليارات دولار، تم تخصيص مليارين منها لمشروعات التنمية، إلا أن إيرادات الدولة لا تغطي أكثر من ربع الميزانية، ويتم تمويل باقي المبلغ من الدول أعضاء حلف شمال الأطلسي NATO، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
ورغم تعهد تلك الدول، قبل سيطرة طالبان على الأمور، بالإبقاء على تلك المساعدات حتى عام 2024، فقد أوقفت الدول الأوروبية تقديم مساعدات التنمية، وكذلك فعلت أميركا، التي قامت أيضاً بتجميد احتياطي النقد الأجنبي الخاص بأفغانستان والمستثمر في مصارفها وأسواقها، بقيمة تتجاوز 9.5 مليارات دولار، وأوقفت كل شحنات النقد المتجهة لها، وأصدرت أوامرها لصندوق النقد الدولي بمنع طالبان من الوصول إلى حقوق السحب الخاصة ببلدهم لديه، في محاولة لمحاصرتهم مالياً والضغط عليهم في أي مفاوضات يمكن أن تكون جارية في الوقت الحالي.
وتطمع الصين وروسيا في ملء الفراغ الذي ستخلفه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، وإن كانت الصين صاحبة الحظ الأفضل بسبب معاداة أفغانستان السابقة مع السوفييت.

الصين تضع عينيها الآن على الثروات المعدنية الموجودة في أفغانستان، والتي تتراوح قيمتها وفقاً للتقديرات بين 1 و3 تريليونات دولار

ويرجح محللون أن الصين تضع عينيها الآن على الثروات المعدنية الموجودة في أفغانستان، والتي تتراوح قيمتها وفقاً للتقديرات بين 1 و3 تريليونات دولار.
ولا تكاد تخلو نشرة أخبار على أي قناة أميركية من الحديث عن تطورات الوضع في أفغانستان، ونقلت أغلب تلك المحطات لقطات هرولة المواطنين نحو الطائرات الأميركية، وتكدسهم بداخلها، وتعلقهم بأجنحتها، وافتراشهم لأسطحها، مشيرة إلى أن كل هؤلاء يفعلون ذلك هرباً من حكم طالبان.
ولا أعرف هل فكرت هذه المحطات الأميركية، وغيرها في الدول الأوروبية كما دولنا العربية، قبل أن تجزم أن هؤلاء يفرون من حكم طالبان، الذي لم يبدأ بعد، ماذا عساه يحدث في أي دولة عربية، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر، التي تتميز بارتفاع متوسط الدخل الفردي فيها مقارنة بالدول العربية الأخرى، لو تم الإعلان عن وجود طائرة في أحد المطارات تستعد للإقلاع إلى أميركا، بدون دفع رسوم ولا جوازات سفر، مع تزويد من على الطائرة باستمارات طلب لجوء سياسي في الولايات المتحدة فور وصولهم، وتسهيل قبولهم كلاجئين بعد مرور بعض الوقت.

الأمر لا يتعلق بحكم طالبان، التي يبدو أنّها استوعبت بصورة كبيرة درسي تنظيمي "داعش" والقاعدة، والتي تشير التطورات (البطيئة) للأمور في أفغانستان إلى أنها تحاول تشكيل حكومة ومجلس رئاسي يحظى بقبول الدول الأخرى، ويقضي بصورة كبيرة على التخوفات المسبقة، ولا يتوقف عن تقديم الرسائل التي تسعى لطمأنة كل القوى المعنية فيما يخص القضايا الشائكة في هذا البلد الفريد.
الأمر يتعلق على الأرجح بحالة البؤس الموجودة هناك، كما في حالة كثير من الدول ومنها العربية، من ضعف فرص العمل، وانخفاض الدخول لعامة الشعب بعيداً عن طبقة الخمسة بالمائة الأعلى، وغياب الحريات والعدالة والقانون، وانعدام فرص التحرك على السلم الاجتماعي، وانتشار المحسوبية والفساد.

هذا ما دفع الأفغان، ومن قبلهم العرب، للركض خلف الطائرات المتجهة إلى أميركا وكندا وأوروبا ونيوزيلندا وأستراليا، وسيبقى الأمر على هذا الحال حتى تنصلح الأحوال.

المساهمون