الصين والدور المنتظر لدعم اقتصاد أفغانستان

الصين والدور المنتظر لدعم اقتصاد أفغانستان

24 اغسطس 2021
البنى التحتية بكابول فقيرة ومتهالكة رغم عنى جبال كابول بالمعادن النفيسة (Getty)
+ الخط -

عادت طالبان لإدارة الدولة في أفغانستان. الأمر ليس سهلًا عليها في ظل تحمل تبعات إدارة المؤسسات العامة، وضرورة توفير البنية الأساسية، خاصة إذا ما أرادت الحركة أن تعيش البلاد حالة من الاستقرار السياسي والأمني، حتى ينطلق اقتصادها.

ومنذ الوهلة الأولى لدخول طالبان كابول تم الإعلان عن وجود اتصالات بين الحركة والصين، فقد دعت طالبان بكين للاستثمار في الاقتصاد الأفغاني، خاصة في أنشطة البنية الأساسية، وتأتي الدعوة اعترافًا من الحركة بأن الأنشطة مشاريع عامة، وتمس حياة الناس بشكل قوي، وفي الوقت الذي برزت فيه دعوة قادة طالبان للصين إلى إعادة إعمار البلاد، لم تنس أن تدعو الهند لاستكمال مشروعاتها في أفغانستان أيضًا، حيث تشير البيانات إلى مساهمة الهند في نحو 400 مشروع في جميع أنحاء البلاد في مجالات البنية الأساسية، منها سدود، ومحطات إنتاج كهرباء، وقدرت استثمارات الهند هناك بنحو 3 مليارات دولار.

وتتضمن أجندة التنمية في أفغانستان العديد من التحديات أمام طالبان، على رأسها، ما يتعلق بمستوى معدلات الفقر العالية، والتي تتجاوز 54% من أفراد المجتمع، وكذلك معدلات البطالة التي تصل إلى نحو 12%. ومن الأمور المهمة التي تواجه طالبان على صعيد التنمية، العمل على محو الأمية، فبيانات البنك الدولي، تشير إلى أن الملمين بالقراءة والكتابة من الذكور في سن 15 سنة وما فوق بحدود 55% فقط، وبالنسبة للإناث لنفس الفئة العمرية، تصل هذه النسبة إلى 30%.

طبيعة المرحلة: ثمة توقعات بأنه في حالة نجاح طالبان في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، فستجد نفسها أمام رغبة قوية من المجتمع للدفع بالنشاط الاقتصادي، لتلبية احتياجات أفراد المجتمع، سواء من حيث المرافق العامة، أو تنمية المشروعات الخاصة.

في الأجل القصير، سيكون المسيطر على النشاط الاقتصادي هو الاستيراد، خاصة العدد والآلات، وهو أمر تجيده الصين، وكذلك السلع تامة الصنع، فالأفراد لن تكون لديهم رفاهية انتظار انطلاقة حركة إنتاجية محلية لتلبية متطلبات معيشتهم.

وحسب بيانات البنك الدولي، فإن الواردات الأفغانية، كانت بحدود 6.4 مليارات دولار، عام 2020، ولكن قد يكون الرقم غير معبّر عن الاحتياجات الحقيقية، خاصة وأن بيانات الواردات السلعية لعام 2012 تظهر لنا أن قيمة الواردات كانت بحدود 9 مليارات دولار، ويتوقع أن تقفز الواردات السلعية خلال 2021 إلى معدلات 2012، وقد تتجاوزها في عام 2022، بسبب حالة الانفتاح المتوقعة.

الحاجة إلى التمويل: لم تعلن طالبان بعد عن برنامج اقتصادي، غيْر حالة من التصالح مع الوضع القائم، سواء في ما يتعلق بعودة عمل المؤسسات، بكافة كوادرها، وهو ما سيجعلها بحاجة إلى دفع الرواتب، فضلًا عن رواتب جنودها، الذين ستستقر أمورهم الحياتية، وهو ما يلزم أن تكون لهم دخول تكفيهم لمعيشة كريمة.

أما استمرار مشروعات البنية الأساسية الحالية، أو المشروعات الجديدة، فسيكون باباً آخر من أبواب الحاجة إلى التمويل، وهنا ستكون الحاجة إلى العمل على إضافة موارد تمويلية محلية عبر الضرائب، أو اللجوء للتمويل الخارجي، والذي سيجد الصين جاهزة للتدخل هناك.

ولكن هذه الجاهزية من قبل الصين، لن تكون مجرد عمل خيري أو تطوعي، فالصين لها مشروعها، المجرب في تمويل البلدان النامية، وهي تجربة مُرة، من حيث ارتفاع سعر الفائدة على الإقراض، ثم الدخول بعد ذلك كشركاء في المشروعات التي تم إنشاؤها بالديون، وذلك بعد أن تعجز الدول عن الوفاء بديونها.

وقد تكون الصورة المناسبة للوضع في أفغانستان، أن تساهم الصين في مشروعات البنية الأساسية بأفغانستان عبر آلية (B.O.T) لكي يتم ضمان السداد بعيدًا عن مشكلات الديون، وفي نفس الوقت لا يتم توريط الدولة الوليدة في ديون قد تعجز عن سدادها، أو تقوم بالتفريط في استقلالها السياسي والاقتصادي، من أجل الحصول على الديون، أو قد تكون هناك مشروعات استنزاف الموارد الطبيعية بأفغانستان من قبل الصين نظير التمويل والديون كما حدث في السودان طوال فترة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ولا يزال الأمر مستمراً إلى الآن.

من خلال تصريحات مسؤولي طالبان، وكذلك الحاجة الملحة لاقتصاد أفغانستان، للتمويل، سواء لأعباء إدارة تشغيل المؤسسات، أو تمويل مشروعات البنية الأساسية، ينبغي للحركة أن تأخذ في الحسبان مجموعة من الخطوات، حتى لا يبتلع التنين الصيني هذا الاقتصاد الوليد:

- تشجيع الاستثمار المحلي، وإعطاؤه بعض المزايا، مقارنة بالاستثمارات الأجنبية، وهذا من شأنه أن يستقطب استثمارات الأفغان المتواجدين في الخارج منذ عقود، وقد تكون لدى بعضهم ثروات، يمكن أن يستفاد منها، بعد بث حالة من الطمأنينة، وتثبيت أركان الدولة، وسيادة الأمن والاستقرار.

- فرض جمارك مناسبة على الواردات السلعية، والسلع الاستهلاكية والترفيهية، لتكون هذه الضرائب أحد مصادر التمويل لموازنة الدولة، وهو ما يمكن أن يحقق إحدى صور العدالة الاجتماعية، من خلال إعادة توزيع الثروة.

- عدم فتح باب الاستثمار الأجنبي المباشر على مصراعيه، ولكن لا بد من تحديد أجندة أولويات لاحتياجات البلاد من الاستثمارات، وأيها يحتاج إلى تمويل محلي أو خارجي، وفي حالة توفير محلي، ينبغي أن تُستبعد هذه المشروعات من أجندة المشروعات المطروحة للاستثمار الأجنبي المباشر.

- من الآن، لا بد أن تركز الحركة، على منع تصدير المواد الخام، إلا للضرورة، وأن أية استثمارات أجنبية تتواجد على الأراضي الأجنبية، لا بد وأن تحقق قيمة مضافة للبلاد، من خلال تحويل المواد الخام إلى سلع وسيطة أو نهائية، وهو ما يحقق مجموعة من الفوائد، منها ضمان تشغيل يد عاملة محلية بصورة دائمة، وكذلك تحقيق قيمة مضافة لثروات البلاد، وضمان تدفق موارد أجنبية بشكل أفضل من تصدير المواد الخام.

البدايات الصحيحة، قد تكون صعبة في أول الأمر، ولكن ثمارها ستكون إيجابية، فالاقتصاديات الاستهلاكية، والتي تقع فريسة لاقتصاديات الدول الكبرى، ومنها الصين، تعيش لفترات طويلة مجرد ورش إنتاج، أو مصدر الأيدي العاملة الرخيصة، وتفشل في تحقيق تنمية حقيقية.

وما لم تلتفت الإدارة الاقتصادية في أفغانستان لضرورة توجيه وحسن توظيف التواجد الصيني في اقتصادها، فستتحول إلى مجرد مستعمرة صينية، كما هو حادث الآن في بعض دول أفريقيا، وهو أمر يُضيع ما تحقق من نجاح على يد حركة طالبان من التخلص من الاستعمار العسكري الأميركي وحلفائه.

المساهمون