انهيار قطاع الإسكان الإسرائيلي

انهيار قطاع الإسكان الإسرائيلي

23 يناير 2024
أكثر من ثلث الوحدات السكنية التي تمَّ التسويق لبنائها ظلَّت دون طلب (فرانس برس)
+ الخط -

كان عام 2023 مليئاً بالتحدِّيات لقطاع الإسكان الإسرائيلي، بدءاً من الارتفاع الحادّ في أسعار الفائدة، مروراً بترقُّب الانتخابات في السلطات المحلية، وصولاً إلى الحرب التي اندلعت في الربع الأخير من العام.

منذ اللحظة الأولى لحرب الإبادة الجماعية التي شنَّها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، دخل قطاع الإسكان الإسرائيلي مرحلة السقوط الحرّ، حيث صرَّحت سلطة أراضي إسرائيل "Israel Land Authority" لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية بأنّه من بين 93456 وحدة سكنية تمَّ التسويق لبنائها من خلال المناقصات، تمَّ التعاقد فعلياً على بناء 60117 وحدة سكنية فقط، الأمر الذي يعني أنّ أكثر من ثلث الوحدات السكنية التي تمَّ التسويق لبنائها ظلَّت دون طلب، وهذا ما يمثِّل انخفاضاً بنسبة 25% مقارنة بعام 2022.

حتى قطاع الإسكان الإيجاري، الذي يعتبر الملاذ الرئيسي للعائلات الإسرائيلية النازحة بسبب الحرب، لم يسلم من الانهيار، فقد تمَّ فتح حوالى 4000 مناقصة متعلِّقة بتخصيص الأراضي لبناء وحدات سكنية للإيجار فقط، مقارنة بنحو 6191 مناقصة تمَّ الإعلان عنها في عام 2022 لهذا الغرض، أي بانخفاض يزيد عن الثلث.

في خطوة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، تضمَّنت الميزانية التكميلية لعام 2023، التي تمَّ إقرارها في منتصف ديسمبر/ كانون الأوّل 2023 بغية تغطية تكاليف الحرب الإسرائيلية المستمرّة على قطاع غزة، تحويل ما يقرب من 6.1 مليارات شيكل (1.65 مليار دولار) لتغطية تكاليف إسكان الأشخاص الذين تمَّ إجلاؤهم من شمال وجنوب إسرائيل، والمساعدة المالية لأولئك الذين أصيبوا خلال الحرب وترتيبات التعليم للذين تمَّ إجلاؤهم وكذا حوافز التوظيف.

لكن من ناحية أخرى ومع ارتفاع تكاليف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، اقترحت وزارة المالية الإسرائيلية في 12 ديسمبر/ كانون الأوّل 2023 خفض أموال التحالف بمقدار 5 مليارات شيكل (1.35 مليار دولار) وفرض المزيد من الضرائب، وإغلاق 10 وزارات حكومية زائدة عن الحاجة لتغطية عجز الميزانية في زمن الحرب الذي بلغ 70 مليار شيكل (19 مليار دولار).

ووقعت وزارتا "المستوطنات والبعثات الوطنية" برئاسة أوريت ستروك و"تطوير النقب والجليل" برئاسة يتسحاق فاسرلوف في مرمى الخطّة التقشُّفية التي حبكتها وزارة المالية، الأمر الذي يشكِّل تهديداً لخطط التوسُّع في الإسكان بحسب تصريحات المدير العام لسلطة أراضي إسرائيل "يعقوب كوينت" لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية.

أفاد كوينت أيضاً بأنّ وزارة الإسكان تسعى جاهدة لإبعاد شبح التقشُّف عن ميزانيتها والحصول على غلاف مالي إضافي، ومن المُتوقَّع أن تستفيد هذه الوزارة، إلى جانب وزارة البناء وسلطة أراضي إسرائيل، من برنامج لتحفيز الطلب في المناطق الجنوبية والشمالية سيتمّ إدراجه في موازنة 2024 بغلاف مالي يُقدَّر بنحو 1.2 مليار شيكل (325 مليون دولار) سنوياً، حيث يهدف هذا البرنامج إلى خفض أسعار الشقق الجديدة للأفراد المؤهَّلين في المناطق الجنوبية والشمالية.

فعلى سبيل المثال، من المُتوقَّع أن تبلغ تكلفة الشقق المكوَّنة من 4 غرف 800 ألف شيكل (217 ألف دولار)، مع فوائد لمدّة عامين بعد الحرب، وفقاً لما ورد في صحيفة "جيروزاليم بوست".

ومن المُتوقَّع أن يتضمَّن هذا البرنامج خصماً على الشقق من خلال التسعير الصفري للأراضي، مع تقديم إعانات إضافية للمحاربين القدامى. جدير بالذكر أنّه قد تمَّ تسويق الأراضي ذات الأسعار الصفرية سابقاً في المناطق النائية.

لكن لم تحظ تلك الخطوة بالشعبية على الإطلاق بسبب ارتفاع رسوم التطوير وتكاليف البناء. بالإضافة إلى ذلك، يتضمَّن هذا البرنامج تخفيضاً بنسبة 2% في ضريبة الشراء على الأراضي للمقاولين الذين ينجحون في البناء بسرعة باستخدام أسلوب التخطيط والبناء المُعجَّل.

كما لم يسلم ذلك البرنامج من الانتقادات اللاذعة بسبب دعوته لشركات البناء للتغلُّب على النقص في العمالة المتاحة، وكذا تقديم قروض مضمونة من الحكومة الإسرائيلية لتحفيز المقاولين الذين يكافحون من أجل إتمام مرحلة ما قبل البيع، الأمر الذي يضغط بشدّة على موازنة دولة الاحتلال التي تنزف بقوّة في فترة الحرب التي يصرّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على جعلها دون نهاية بغية تعزيز مكانته وائتلافه، وتحقيق غاياته وأهدافه التي تعتبِر قطاع غزة مجرَّد بداية فقط.

وفقاً لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، تستعدّ حكومة دولة الاحتلال لإعادة توطين المجتمعات التي تمَّ إخلاؤها والواقعة على بعد 4-7 كيلومترات من حدود غزة في النصف الثاني من فبراير/ شباط المقبل، بينما ستستغرق عملية إعادة توطين المجتمعات التي تضرَّرت بشكل خاص من عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل ورد المقاومة الفلسطينية على العدوان الإسرائيلي وقتاً أطول بكثير قد يصل إلى عامين.

في الواقع، تحاول الحكومة الإسرائيلية بشتَّى الوسائل تحفيز المستوطنين الذين تمَّ إجلاؤهم على العودة، فقد عرضت عليهم منحة بقيمة حوالى 6 آلاف شيكل (1627 دولارا) لكل شخص بالغ شهرياً، ونصفها للأطفال. ورغم ذلك يشعر العديد من الأشخاص الذين تمَّ إجلاؤهم أنّهم غير قادرين على العودة نظراً لتفاقم حالة عدم الاستقرار وتخلِّي الجيش والدولة عنهم.

خلاصة القول، بعد أن فشلت إسرائيل في إفراغ غزة من سكانها ها هي تسعى الآن جاهدة لإقناع المجتمعات الإسرائيلية التي تمَّ إجلاؤها بالعودة بأيّ ثمن، وها هي تخطِّط لمرحلة ما بعد الحرب التي لم تجنِ منها إلا الخسائر.

المساهمون